صراع فرنسي - روسي في مالي؟

02 : 00

باتت مالي ساحة صراع جيوسياسي بين باريس وموسكو (أرشيف)

يبرز الكباش الفرنسي - الروسي المستجدّ في الساحل الأفريقي، خصوصاً في مالي، حيث حذّرت فرنسا الأربعاء السلطات العسكرية الحاكمة هناك من أنها ستفقد "دعم المجتمع الدولي" وستتخلّى عن "مقوّمات كاملة من سيادتها"، إذا استعانت بمجموعة "فاغنر" الأمنية الخاصة الروسية، فيما هاجم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الخميس بشدّة رئيس الوزراء المالي تشوغويل كوكالا مايغا بسبب "الإتّهامات المخزية" التي ساقها ضدّ بلاده من على منبر الأمم المتحدة الأسبوع الماضي، وقال فيها إنّ فرنسا بصدد "التخلّي" عن مالي.

وعلى هامش مأدبة عشاء أُقيمت في قصر الإليزيه بمناسبة اختتام موسم "أفريقيا 2020"، قال ماكرون "لإذاعة فرنسا الدولية": "لقد صُدمت. هذه التصريحات غير مقبولة في وقت أُقيم فيه يوم أمس (الأربعاء) تكريم وطني لماكسيم بلاسكو (الجندي الفرنسي الذي قُتِلَ في مالي في 24 أيلول)"، مضيفاً: "هذا غير مقبول. إنّه مخز ويُشكّل إهانة لما هي ليست حتّى بحكومة" كونها منبثقة من "إنقلابين".

وتابع ماكرون: "أنا أُدرك أنّ الماليين لا يُفكّرون كذلك"، مؤكّداً أنّ "شرعية الحكومة الحالية" المنبثقة من انقلابَيْن شهدتهما البلاد منذ 2020 هي "باطلة ديموقراطياً". وأردف: "نحن متطلّبون لأنّنا ملتزمون ونُريد محاربة الإرهاب وتعزيز الأمن... نحن هناك لأنّ دولة مالي طلبت منّا ذلك. بدون فرنسا ستكون مالي في أيدي الإرهابيين".

وعلى مدى الأيام الأخيرة ما انفكّت باريس تُندّد بشدّة بما ورد على لسان رئيس وزراء مالي في الخطاب الذي ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتّحدة السبت، وقال فيه إنّ إعلان ماكرون في حزيران إعادة تنظيم الوجود العسكري الفرنسي في مالي هو "نوع من التخلّي (عن مالي) في منتصف الطريق".

وفي الغضون، تسلّم وزير الدفاع في مالي الكولونيل ساديو كامارا مساء الخميس 4 مروحيات عسكرية من روسيا، مشيداً "بصدقية وجدّية" هذا الشريك "الذي لطالما استجاب لنا". وقال الكولونيل: "نحن هنا... لاستلام 4 مروحيات من طراز "مي 171" وأسلحة وذخيرة. وقد تبرّعت روسيا بالأسلحة والذخيرة. وتمّ شراء المروحيات الأربع، الجديدة كما تُلاحظون، جميعها من ميزانية البلاد". وتأتي عملية التسليم هذه في ظلّ أجواء متوترة تشهدها العلاقات مع فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة والشريك التاريخي، والتي تشعر، على غرار العديد من الدول الأفريقية والأوروبّية، بالقلق من احتمال استعانة مالي بخدمات مجموعة "فاغنر" الأمنية الخاصة الروسية.

وفي هذا الصدد، قالت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي في مجلس الشيوخ الأربعاء: "إذا دخلت مالي في شراكة مع مرتزقة، فستُعزل وستفقد دعم المجتمع الدولي الملتزم جدّاً تجاهها، وستتخلّى عن مقوّمات كاملة من سيادتها... وبدل أن تُنوّع شركاءها ستنغلق في علاقة ثنائية مع مجموعة من المرتزقة"، مضيفةً: "بالنسبة إلينا، الأمور واضحة، لا يُمكن التعايش مع مرتزقة". وعناصر مجموعة "فاغنر" موجودون خصوصاً في ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى، حيث يواجهون اتهامات بارتكاب انتهاكات. وكانت فرنسا قد حذّرت باماكو من أن أي انخراط لهذه المجموعة لن يتماشى مع وجودها العسكري ووجود دول أخرى ومنظمات دولية في البلاد.

وباشرت باريس في حزيران إعادة تنظيم وجودها العسكري في منطقة الساحل، لا سيّما من خلال مغادرة القواعد الواقعة في أقصى شمال مالي (كيدال وتمبكتو وتيساليت)، والتخطيط لتقليص عديد قوّاتها في المنطقة بحلول العام 2023 ليتراوح بين 2500 و3 آلاف عنصر، مقابل أكثر من 5 آلاف حاليّاً، الأمر الذي تستغلّه روسيا بطريقة غير مباشرة لملء "الفراغ" في مالي وتعزيز نفوذها الجيوسياسي في منطقة الساحل.


MISS 3