العنف يتصاعد في العراق

01 : 30

لم يهدأ الشارع العراقي المنتفض على واقعه الاجتماعي المأسوي، ولم ينخدع بوعود الطبقة السياسيّة الحاكمة بمعالجة المشكلات الشائكة عبر إصدار بيانات لا تروي عطشاناً ولا تملأ البطون الخاوية، كما لم يمنعه فرض "حظر التجوّل" من النزول إلى الشارع من جديد للمطالبة بأبسط الحقوق والخدمات الأساسيّة، من طبابة وكهرباء ومياه ووظائف، في دولة تُعتبر خامس أكبر مصدّر للنفط في العالم. وشهدت مدن العراق أمس، اليوم الأكثر دمويّة منذ انطلاق الاحتجاجات المطلبية الثلثاء، وبلغ عدد الضحايا أكثر من 34 شخصاً خلال المواجهات العنيفة غير المسبوقة بين المحتجّين والقوّات الأمنيّة. وانطلاقاً من بغداد، ثاني العواصم المكتظة بالسكّان في العالم العربي، امتدّت التظاهرات، التي تُطالب برحيل الفاسدين وتأمين فرص عمل للشباب، لتطال معظم المدن الجنوبيّة. وتدخّلت مدرّعات القوّات الخاصة في بغداد لصدّ الحشود، فيما أطلقت القوّات الأمنيّة الرصاص الحيّ على الأرض، ليرتدّ على المتظاهرين ويوقع فيهم إصابات مميتة.

وفي هذا الصدد، اتّهمت "منظّمة العفو الدوليّة"، القوّات العراقيّة، بـ"الوحشيّة والخروج عن القوانين المحلّية والدوليّة من خلال قمع المتظاهرين". وبشكل شبه يومي تقريباً وفي كلّ مدينة أو ناحية من العراق، يُنظّم الخريجون العاطلون من العمل اعتصامات متواضعة تُقابل بلامبالاة. لكن هذه المرّة، نزل هؤلاء بكثافة إلى الشوارع، والتحق بهم كلّ ساخط على حكومة عادل عبد المهدي التي تُطفئ شمعتها الأولى نهاية الشهر الحالي. ولا يُريد المتظاهرون في العراق "لا سياسيين ولا معمّمين" في احتجاجاتهم، التي بدأوها الثلثاء، معترضين على الفساد والمحسوبيّة والبطالة... والهدف نصب أعينهم واضح: تغيير الطبقة السياسيّة الحاكمة منذ سقوط نظام صدّام حسين.

ومعظم القتلى سقطوا في محافظة ذي قار الجنوبيّة، لكنّ الحراك أمس تحوّل إلى معركة في بغداد على محاور عدّة تؤدّي إلى "ساحة التحرير"، نقطة التجمّع المركزيّة الرمزيّة للمتظاهرين، الذين وصلوا إلى العاصمة على متن شاحنات، حاملين أعلام العراق وأخرى دينيّة عليها أسماء الأئمة المعصومين لدى الشيعة، وردّدوا هتافات عدّة، بينها "بالروح بالدم نفديك يا عراق". وفي مواجهتهم، شكّلت قوّات مكافحة الشغب والجيش حلقات بشريّة في محيط الوزارات، خصوصاً وزارة النفط. وفي أماكن متفرّقة من العاصمة وفي مدن عدّة، يُواصل المحتجّون إغلاق الطرق وإشعال الإطارات أمام المباني الرسميّة، كما يتمّ إحراق آليّات مدرّعة لقوّات الأمن. وطالت التظاهرات محافظات عدّة في جنوب البلاد، كمدينة البصرة النفطيّة، التي شهدت العام الماضي احتجاجات دامية. لكن التحرّكات الشعبيّة لم تمتدّ إلى المحافظات الغربيّة والشماليّة حتّى اللحظة.

وفي خضمّ التطوّرات المتسارعة، استيقظت مدينة البصرة أمس على وقع جريمة شنيعة طالت الناشطين حسين عادل المدني وزوجته سارة، حيث وجدا مقتولين بطريقة بشعة داخل منزلهما في منطقة الجنينة، وسط المدينة. وأفاد مصدر في الشرطة بأنّ حسين وزوجته سارة، شوهدا آخر مرّة وهما يقومان بإسعاف المصابين جرّاء الغازات المسيّلة للدموع بخلطات خاصة يُعدّانها لهذا الغرض، في حين اتّهم ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مجموعات مسلّحة موالية لطهران بقتلهما.

تزامناً، حضّت الخارجيّة الإيرانيّة، الإيرانيين، على تأخير زيارتهم إلى العراق حتّى تستقرّ الظروف هناك. كما أغلقت السلطات الإيرانيّة معبري خسروي وجذابة الحدوديَيْن مع العراق، بسبب تطوّر الأوضاع الأمنيّة، في وقت استدعت وزارة الخارجيّة العراقيّة، السفير الإيراني في بغداد، للاحتجاج على تصريحاته الأخيرة التي تضمّنت تهديداً باستهداف قوّات التحالف الدولي في العراق، مؤكّدةً أن بغداد "لن تسمح بأن تكون ساحة صراعات دوليّة، أو أن تكون ممرّاً أو مقرّاً لأيّ اعتداء يضرّ دول الجوار أو أصدقاء العراق من دول الإقليم والعالم".


MISS 3