إرتفع سعر ذهب لبنان الأخضر الى المليون ونصف المليون ليرة للتنكة، بسبب تراجع الإنتاج الى ما يقارب الـ65 بالمئة. فالموسم هذا العام شحيح مقارنة مع العام الماضي، وسمة الزيتون عام جيد وآخر "ع قد الحال"، ما يعني ان الزيتون لن يرشح زيتاً كافياً يلبي حاجة السوق ما أدى الى ارتفاع سعره مع بداية الموسم، على حد قول ابو محمد، الذي بدأ موسم القطاف لديه مع بداية تشرين، بحيث جمع ما لديه من يد عاملة سورية تعمل معه على قاعدة الثلثين له والثلث لهم، وهي قاعدة مربحة للعمال السوريين وتخفف نسبة الربح للمزارع الذي يواجه سلة تحديات مع موسم الزيتون تبدأ بغلاء اليد العاملة، واجرة المعصرة، كلفة التشحيل، الاسمدة والأدوية للأمراض سيما عين الطاووس، وكلها تدفع في اتجاه رفع سعر التنكة وأيضا سعر الزيتون للرص والكبيس.
كحال الزيتون يحتاج الوضع اللبناني الى رص، وكحال الوضع اللبناني يعيش موسم الزيتون اسوأ ايامه، فالزيتون الذي يعدّ بترول لبنان تراجع كثيراً رغم ان تنكة الزيت تخطت المليون ونصف تقريباً، بسبب ارتفاع تكلفة اليد العاملة والمازوت اضافة الى الامراض التي تصيبه فتؤذي الموسم.
وكما الزيتون مر، وضع الناس المعيشي أكثر مرورة، حتى نقعه بالمياه والملح لن يحلّيه طالما تتفشى داخله غدة الفساد والجشع السرطانية.
لطالما كان الزيتون مضرب مثل، وموسمه يشكل اتحاداً أسرياً، فقطافه يحتاج عونة كبيرة، تتخللها ميجانا وأوف وعتابا وتعب، كذلك حال البلد يحتاج اتحاداً سياسياً جامعاً لينتشل الناس من مأزق الفقر.
منذ ما قبل الأزمات التي بدأت طلائعها تهل قبل عشر سنوات، كانت اوضاع الناس ميسورة، وحال الزيتون كذلك، فمزارع الزيتون كان وضعه مرتاحاً، وانتاجه كذلك، اذ ينتج الدونم تقريباً حوالى 10 تنكات سعر الواحدة كان مئة دولار، عكس هذه الأيام الموسم بالقطارة، وشجرة حاملة واخرى بالكاد تدر 10 كيلو فقط، وهذا يؤدي الى تراجع الموسم الذي يعتبره المزارعون من الأسوأ ويتحسرون على الموسم، خاصة في عز الحاجة الى موسم مزدهر ليدر الاموال على المزارع.
مع بداية تشرين تنطلق رحلة قطاف الزيتون في حقول النبطية، ايام تمتد من فجرها حتى مغيب الشمس تتسابق خلالها الايدي للقطاف. كان أكثر ما يقال أن الزيتون موسم العائلة، وكان يمتاز بتجمع العائلات في كروم الزيتون حيث تتوزع الادوار بين "مرش" الأغصان وجمع الحبوب والقطاف فوق الشجرة، غير ان العائلة تبعثرت كما الحبات، وبات الموسم يحتاج لأياد عاملة أغلبها سورية لا تقل يوميتها عن الـ120 ألف ليرة، بعدما كان جمعة عائلية تنتظرها العائلة سنوياً.
تراجعت مواسم الخير، فبترول لبنان يرزح تحت وطأة ظروف قاسية فلا الشجر "حامل" ولا الموسم جيد، ناهيك عن ارتفاع كلفة العناية به من ارتفاع اثمان الاسمدة والادوية المكافحة لعين الطاووس التي تصيب الزيتون وتتلف الحبيبات، اضافة الى التشحيل والماكينة تحتاج مازوتاً وسعره مرتفع، كل ذلك يدفع باتجاه ارتفاع كلفة تنكة الزيت التي لا يرضي سعرها المزارع، بل يرى أنه يجب أن تصل الى الـ2 مليون ونصف لتسد تعبه واكلافه.
في الحقول بدأ الاهالي ينتشرون لقطاف الزيتون، الكل يشكو من تراجع الموسم ومحدودية الانتاج، اذ يعتقد المزارعون ان الانتاج هذا العام لن يسدّ حاجة السوق، سيما مع تقلص المساحات المزروعة زيتوناً نتيجة تمدد المساحات الاسمنتية على حساباها، واليوم يدفع المواطن ثمن قراراته وخياراته الخاطئة. ففي ظل تعاظم الازمة الاقتصادية والغلاء، دخلت الزراعة على خط العون لكثر، ومع خسارة الاهالي لجزء كبير من ارضهم يعض معظمهم على أسنانهم ندماً، لان الزمن برأي مزارعي الزيتون اليوم زمن الزراعة، ولا خلاص للبنان الا عبر هذا القطاع، لذا ينكبون على قطاف ما امكنهم من اشجار، للاستفادة من انتاج الزيت الذي لا يقل اهمية عن الدولار، فهو مربح جداً في ما لو كان الموسم وفيراً، وإن تفاوت الانتاج بين حقل وآخر وفق ما يقول المزارع أبو محمود الذي انطلق في رحلة قطاف كرم زيتونه قبل اسبوع، وإن كان ينتظر هطول المطر ليدرّ الحَب اكثر ويرشح زيتاً أكثر، وفق نظرية المزارعين، والا فالزيت لن يكون وفيراً.
داخل المعصرة تتعرّف على معاناة المزارع ابو محمد الذي تعب حولاً كاملاً في الاعتناء بزيتوناته ودفع مبالغ طائلة بدل ادوية واسمدة، الا أنها لم تدرّ عليه سوى 200 كيلو، عكس العام الماضي حيث بلغ انتاجه 800 كيلو، ما يُعدّ نكسة كبيرة له، سيما وأنه عوّل على الزيت ليعوض الخسارة ولكن حتى الزيت شحيح. ويعيد السبب الى التقلبات المناخية وموجة الحر التي شهدها لبنان في ايار الماضي، موسم عقد حبات الزيتون، ما ادى الى وقوعها ارضاً.
نكسة كبيرة مُني بها الموسم هذا العام، يقول ابو يوسف، فالزيتون لم يرشح زيتاً وفيراً لانه لم يرتو بالمطر ما أدى الى جفاف الحبوب، والزيتون كالروح لا يتخلى عنه، وهو يشبه واقعه المر، يحتاج إلى الرصّ ليجهز للأكل. ويأسف لغياب الدعم الكامل عن المزارع وتوعيته من الامراض، رغم بعض المحاضرات حول امراض الزيتون تنظمها وزارة الزراعة ولكنها غير كافية، فما يحتاجه المزارع توعية ميدانية حول الامراض ودعم بالاسمدة والادوية التي لحقت اسعارها الدولار. ولا يعتبر ان تنكة الزيتون غالية لأنها لا تسد ثمن الادوية والاسمدة والتعب، اضف الى أن المواطن لم يعتد على الاسعار، فإذا قارناها مع دولار 1500 يكون سعرها اقل من مئة دولار.
ككل القطاعات يواجه الزيتون تحديات جمة، لم يحظ بدعم كبير لتطويره وزيادة المساحات المزروعة ليتسنى للبنان التصدير، سيما وان زيت الزيتون اللبناني من اجود انواع الزيوت ويدخل في الصناعات الدوائية، غير ان في لبنان الاهمال سيّد في كل شيء، حتى تصريف الانتاج يواجه صعوبة فلا اسواق له، وهذا إن دل على شيء فيدل على أن المزارع يتحدى الصعاب ليحافظ على محصوله لانه سنده الوحيد، اما الدولة ففي حلّ منه. فمتى يصبح لوزارة الزراعة دور فاعل ويشعر المزارع انه مدعوم مش "مدعوس"؟