الانتخابات الرئاسية الأميركية...معركة "كبار السن"

16 : 05

لن يكون الرئيس الأميركي المقبل صغير السن على الأرجح! ترامب والديموقراطيون الثلاثة الأوفر حظاً يتجاوزون سنّ السبعين. إنه وضع غير مسبوق...

بأسلوب فكاهي لاذع، طرح مقدم برنامج Late Late Show على قناة "سي بي إس" الأميركية (واحد من برامج مسائية ترفيهية كثيرة) فكرة مهمة، فقال إن مشاهدة المناظرة بين جو بايدن وإليزابيث وارن كانت أشبه برؤية جدّيه في المنزل: هما يتفقان على كل شيء عموماً، لكنهما لا يكفان عن الشجار! تشير هذه الفكرة التي عبّر عنها جيمس كوردين، في 12 أيلول، غداة المناظرة الثالثة من الانتخابات التمهيدية للحزب الديموقراطي، إلى ثلاثة مرشحين (جو بايدن، وبيرني ساندرز، وإليزابيث وارن)، وقد تجاوزوا جميعاً سن التقاعد.خلال الساعة نفسها، عزز جيمي كيميل في Jimmy Kimmel Live! (برنامج منافس على قناة "إي بي سي") تلك الفكرة عبر تسليط الضوء على شباب المرشح "الدخيل" بيت بوتيغيغ، فقال: "من خلال مشاركته في المناظرة هذه الليلة (انتهت في الساعة الحادية عشرة)، تجاوز موعد نومه"! فانفجر الجمهور من الضحك. في عمر السابعة والثلاثين، يعكس "العمدة بيت"، كما يسمّيه الناس، صورة "الطفل" السياسي وسط الديمقراطيين المسنين.

للمرة الأولى في الولايات المتحدة، يكون جميع المرشحين الأوفر حظاً في عمر متقدم. ما لم يبرز مرشح آخر بحلول نهاية الانتخابات التمهيدية، في حزيران المقبل، سيتجاوز الرئيس الأميركي المستقبلي عمر السبعين بأشواط حين يحلف اليمين على الكتاب المقدس، في كانون الثاني 2021. سيكون الوضع مشابهاً سواء أُعيد انتخاب دونالد ترامب (سيبلغ 74 عاماً في بداية ولايته الثانية المحتملة)، أو فاز عليه أحد الديموقراطيين الثلاثة الأوفر حظاً وفق الاستطلاعات: سيبلغ جو بايدن، نائب الرئيس السابق ذو الميول الوسطية، 78 عاماً؛ والسيناتور "الاشتراكي" عن ولاية "فيرمونت"، بيرني ساندرز، 79 عاماً؛ والسيناتورة عن ولاية "ماساتشوستس"، إليزابيث وارن اليسارية، 71 عاماً.

لا للسخرية من الشيخوخة

يقول سيث ماسكيت، أستاذ في العلوم السياسية في جامعة "دنفر"، حيث يدير "مركز السياسات الأميركية": "أصبحت المنافسة بين أبناء الجيل السبعيني محتملة جداً. لكن تثبت جميع الاستطلاعات والدراسات أن الناخبين يفضلون المرشحين الأصغر سناً"... شرط ألا يكونوا فظين لدرجة أن يهاجموا الأكبر سناً بطريقة بذيئة، كما فعل جوليان كاسترو (44 عاماً) خلال مناظرة متلفزة.ترشّح كاسترو عن ولاية "تكساس"، وهو من أصل كوبي، وشكك بقدرات جو بايدن المعرفية واتهمه بالتناقض ونسيان تفاصيل تقنية عن مشروع التأمين الصحي الذي طرحه بنفسه. فقال وزير الإسكان والتنمية السابق في عهد باراك أوباما: "أنت تناقض نفسك! هل نسيتَ ما قلته منذ دقيقتين"؟ لكن جاءه الرد كالصاعقة. لم يقل بايدن ما اتّهمه به كاسترو أصلاً، ولا يحبذ الأميركيون هذا الأسلوب المبني على السخرية من الشيخوخة. لكن يضيف ماسكيت: "يسهل أن يتضاعف هذا النوع من الهجوم لأن بايدن هو الأوفر حظاً وفق الاستطلاعات، ما يعني أنه أبرز منافس للجميع، وهو أكبرهم سناً بعد ساندرز. لكن إذا ترشّح النائب السابق للرئيس أوباما عن الحزب الديموقراطي بعد انتهاء الانتخابات التمهيدية وأصبح في مواجهة ترامب، لن يعود العمر عاملاً مؤثراً لأن عمريهما متقاربان".



بايدن سياسي مخضرم امتدت مسيرته السياسية على أربعة عقود، لذا يحرص على ضبط نفسه بانتظار النتيجة النهائية. لكنّ هذا الهدف ليس سهلاً دوماً... خلال نقاش حول تقليص اللامساواة الاجتماعية التي تطاول الأولاد الأميركيين من أصل إفريقي، طرح بايدن خلال المناظرة نفسها فكرة مفادها أن تشغيل الراديو والأقراص الدوارة في المنزل قد يُغنِي مفردات الأولاد المعزولين. فثار ستيف واغنر، محامي ستّيني في نيويورك يبدي استعداده للتصويت للنائبة العامة السابقة كامالا هاريس، وقال ساخراً: "هل يتكلم عن الأقراص الدوارة فعلاً؟ لا بد أنني أحلم! تكلّم أولاً عن أشرطة التسجيل والأقراص المدمجة والآي بود، ويتكلم الآن عن خدمات البث الحي: منذ العام 1970، يبدو أن بايدن فوّت بعض الحلقات".

لا شك في أن "جو النعسان"، كما وصفه ترامب بطريقة فظة، خسر جزءاً من قوة حضوره. نستطيع أن نقرأ عمره على وجهه، ولم تعد طريقة إلقائه للخطابات سلسة، وخسرت عيناه الزرقاوان الوهج الذي تميّزتا به في عهد أوباما. كما أن طريقته في الشد على صوته كي يبدو منافساً قوياً تؤكد على تقدمه في السن. تغيرت نبرة صوت بيرني ساندرز أيضاً وزادت فيها الرجفة. وحين يلقي هذا الأخير خطاباً انفعالياً، يسهل أن يحمرّ وجهه. وحدها الأستاذة السابقة في "هارفارد"، إليزابيث وارن، تبدو أصغر من عمرها بخمس عشرة سنة.منافع الخبرة السياسية

لكنّ الشيخوخة في عالم السياسة ليست عائقاً. يقول مايكل كازين (71 عاماً)، أستاذ تاريخ في جامعة "جورج تاون": "حين خاض ريغان حملته الانتخابية للفوز بولاية ثانية، في العام 1984، كان يبلغ 73 عاماً، ولم يمنعه عمره من الفوز. اليوم، يعيش الناس لفترة أطول ويحافظون على صحة جيدة رغم تقدمهم في السن. يعمل عدد كبير من الأميركيين حتى عمر السبعين أو حتى الثمانين. إذا كنت تستفيد من تأمين صحي وتعتني بجسمك ونفسيتك، لا داعي للتوقف في عمر السبعين". كذلك، يُعتبر منصب نائب الرئيس مميزاً في بلدٍ يثق تقليدياً بكبار السن، بدءاً من هاري ترومان، نائب الرئيس روزفلت بين 1945 و1949، وصولاً إلى بوش الأب في عهد ريغان بين 1981 و1989، مروراً بليندون ب. جونسون في عهد جون كينيدي بين 1961 و1963، أو حتى جيرالد فورد، نائب الرئيس نيكسون بين 1973 و1974. ربما حان دور بايدن في المرحلة المقبلة...




عدا عن العمر بحد ذاته، قد يطرح فارق العمر مشكلة في المنافسة النهائية. في العامين 1996 و2008، تجاوز الجمهوريان بوب دويل وجون ماكين عمر السبعين حين واجها الديموقراطيَين بيل كلينتون وباراك أوباما على التوالي، وهُزما. من هذا المنطلق، لا يواجه الديموقراطيون أي مشاكل أمام ترامب القوي لكن السبعيني.

تقول خبيرة العلوم السياسية جينيفر نيكول فيكتور من جامعة "جورج مايسون" في "فيرفاكس"، فرجينيا: "في العام 2016، كان المرشحان النهائيان، دونالد ترامب وهيلاري كلينتون، يقتربان من عمر السبعين. يتفوق المرشحون المعروفون وأصحاب الخبرة بكل وضوح على غيرهم، لا سيما إذا أطلقوا حملات سياسية سابقة، على غرار بايدن وساندرز. قد تكون وارن جديدة على الساحة، لكنها نجحت في التميز واستمالة الرأي العام". إنها المرشحة الوحيدة التي أحرزت التقدم في استطلاعات الرأي منذ ستة أشهر، بوتيرة بطيئة لكن ثابتة، بينما يسجّل بايدن (المتفوق) وساندرز (تقترب منه وران) تراجعاً نسبياً وثابتاً.

في هذه المرحلة، لا نفع من إطلاق التوقعات. تشمل الانتخابات التمهيدية في الحزب الديموقراطي ثلاث مناظرات إضافية في العام 2019، وستة أخرى في العام 2020. ولا ننسى المناظرة الأخيرة بين الفائز عن الحزب الديموقراطي ودونالد ترامب. حتى ذلك الوقت، قد تؤثر عوامل كثيرة على مسار الحملة، منها ارتفاع سعر النفط الخام غداة هجوم طائرات بلا طيار على مصفاتَي نفط في المملكة العربية السعودية، في 14 أيلول، أو أي ركود محتمل يخشاه 60% من الأميركيين خلال العام 2020. لا شك في أن عمر الرئيس المرتقب جزء من العوامل المؤثرة على الانتخابات، لكنه ليس الوحيد!


MISS 3