د. ميشال الشماعي

الانتخابات النيابيّة والخطط البديلة

9 تشرين الأول 2021

11 : 37

قد يبدو من المبكر كثيرًا البناء على نتائج الانتخابات النيابية اللبنانيّة قبل حصولها، لكن الانتخابات العراقية غدًا الأحد قد تشكّل مفتاحًا يُعَوَّلُ عليه لإجراء دراسة مقارنة في الحالة الإنتخابيّة بين البلدين، لأنّ لبنان والعراق يعانيان من الإشكاليّات نفسها في الجوهر، مع فوارق ملحوظة في الشكل؛ وذلك للتشابه الموجود في الطبيعة التعدّديّة بين المجتمعين. فهل ستُسْقَطُ إسقاطًا مسبقًا نتائج الانتخابات اللبنانيّة قبل حدوثها؟ أم أنّ النتيجة رهن باللحظة الأخيرة؟ وفي حال نجاح محور إيران في العراق ولبنان دستوريًّا، هل من خطط بديلة للمواجهة؟

ممّا لا شكّ فيه أنّ الخارطة الانتخابيّة في لبنان باتت مقسومة اليوم كالآتي:

- محور إيران وحلفائه:

ويتضمّن حلف الثنائي الشيعي (أمل وحزب الله) والتيار مع فريق العهد، إضافة إلى الأحزاب والشخصيّات التي كانت تدور في الفلك السوري. وهذا الفريق لا يعوّل على القدرة الإنتخابيّة التي يملكها فقط، بل على قوّة السلاح غير الشرعي التي تستطيع أن تتحكّم بالصوت الانتخابي، وحتّى بالنتيجة بعد صدورها. لا سيّما وأنّ هذا الفريق قد نجح للمرّة الثانية، بمنع إنشاء ال mega center  التي قد تساعد في التفلّت من ترهيب السلاح غير الشرعي، وتحرّر صوت النّاخب إلى حدّ كبير من فائض القوّة التهديديّة التي يمتلكها هذا الفريق.

- الأحزاب السياديّة :

ويشمل هذا الفريق الأحزاب التي ناهضت الإحتلال السوري في الماضي القريب، وتعارض اليوم بشدّة الاحتلال الإيراني المتمثّل بجيش حزب الله الذي أنشأه سليماني، على حدّ ما صرّح قائد ما يعرف بـ”مقر خاتم الأنبياء” علي غلام رشيدي"، ويبرز حزب القوّات اللبنانيّة  كأحد أقوى أركان هذه الفئة، إضافة إلى الجبهة السياديّة التي أنشأها حزب الوطنيّين الأحرار؛ فضلا عن بعض الكتائبيّين الأصيلين الذين هم اليوم غير  مقتنعين بتوجيهات رئيس الحزب. إضافة إلى بعض الأحزاب السياديّة التي تملك قدرة انتخابيّة متواضعة ستشكّل قوّة تجييريّة مهمّة.

- الثورة:

هذه الفئة الوحيدة التي تبدو حتّى هذه اللحظة غير منظّمة وموحّدة الصفوف، وغير واضحة المشروع والرؤية السياسيّة. وهذا ما سيؤدّي إلى تشتيت القدرة الإنتخابيّة لهذه الفئة، وهذا ما سيسمح بدوره للمنظومة التي تدور في الفلك الإيراني بالاستفادة من هذه الأصوات التي تمّ تصفيرها. لأنّ هذه الأصوات لن تؤول للفريق السيادي بل ستذهب سدًى من دون أن تكون فاعلة. فالرابح الوحيد في هذه الحالة هي المنظومة الحاكمة، وبالتحديد حزب الله الذي لن يكون مأزومًا بمسألة تأمين الصوت البديل الذي خسره حلفاؤه، لا سيّما المسيحيّين منهم.

- المستقلّون:

هذه الفئة تبدو الوحيدة القادرة على البيع والشراء في سوق تأمين الحواصل الانتخابيّة.  يبقى أنّ بعض مَن سيكون فيها قد يستطيع التأثير في زيادة الحواصل الانتخابيّة إن تمّ التحالف مع أيٍّ من الفئات الثلاث المذكورة آنفًا. وهنا قوّة هذا الصوت المستقلّ، ومدى حاجة كلّ من المنظومة والسياديّين والثورة إليه.

هذه الخارطة من وجهة نظرنا الخاصّة، وبالطبع هي عرضة للتبدلات، وفقًا لتحالفات اللحظة الأخيرة؛ تمامًا كما جرى في انتخابات 2018. فقدرة فريق السلطة التي تعتمد على فائض قوّة السلاح، ستكون كلّها مجنّدة لمحاولة قلب النّـائج رأسًا على عقب في الدّوائر التي يشعر فيها هذا الفريق بأنّه مأزوم. وهذا ما خبرناه في بعض الدّوائر كدائرة بعلبك الهرمل في العام 2018 حيث ما زالت رائحة احتراق بعض الصناديق الانتخابيّة عالقة على جدران السرايا هناك.

وهذه المرّة قد تكون المراقبة الدّوليّة أشدّ فعاليّة لأنّ العين الدوليّة الثاقبة لن تترك أيّ ثغرة تفلت منها. والمجتمع الدّولي بأكمله يراقب سير هذه العمليّة منذ اللحظة الأولى. ولن يرضى الرئيس الفرنسي إلا أن يستخدم الورقة الانتخابيّة اللبنانيّة كورقة انتخابيّة رئاسيّة في انتخاباته القادمة. لذلك لن يستطيع أيّ مراقب التكهّن بالنتيجة مسبقًا لأنّ الفوارق في الحواصل قد تكون متقاربة جدًّا، وهذا ما سيزيد من حدّيّة المعركة كثيرًا.

أمّا في حال نجاح محور إيران بحصد أكثريّة برلمانيّة جديدة فهذا يعني عمليًّا بأنّ لبنان سيتحوّل إلى كيان آخر، وسيعلن هذا المحور انتصاره بالحرب الكيانيّة التي يخوضها منذ ثمانينيّات القرن المنصرم في لبنان وسوريا والعراق. من هنا، أهميّة العمليّة الانتخابيّة في العراق غدًا وطريقة سيرها، وكيفيّة مراقبة المجتمع الدّولي لها. ويبقى أنّ الفريق الذي لن يوفٌّق سيتحوّل حتمًا إلى مقاوَمة ومعارضة شرسة، في لبنان أو في العراق، لأنّه يكون قد خسر كلّ شيء، وبالتّالي تصبح الطرق كلّها متاحة. والشاطر يفهم !