وليد شقير

قرارات الحكومة خارجها؟

13 تشرين الأول 2021

02 : 00

في كل مرة ينعقد مجلس الوزراء في قصر بعبدا يسبقه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بدعوة المجلس الأعلى للدفاع من أجل اتخاذ قرارات "تبقى سرية"، في وقت يتم تسريبها إما رسمياً أو في شكل شبه رسمي للإيحاء بأن القرارات تتخذ خارج الحكومة ثم تعود الأخيرة فتتبناها، على طريق استمرار الممارسة الرئاسية التي استحلاها الفريق الرئاسي من أجل التأكيد على توجهه بتعديل الدستور بالممارسة، واستعادة صلاحيات رئيس الجمهورية التي قلصها دستور الطائف لمصلحة مجلس الوزراء.

ليست صدفة أن يتشابه هذا الأسلوب في ممارسة السلطة مع ممارسات أنظمة تحكمها جهات متعاونة إلى أقصى الحدود مع الفريق الحاكم، الذي يتكون من الرئيس عون و"التيار الوطني الحر" و"حزب الله". هكذا تجري الأمور في سوريا، وبمثلها تتخذ القرارات في إيران. التوجهات تتقرر خارج مجلس الوزراء في البلدين. في سوريا يقرر بشار الأسد وأجهزة المخابرات، وفي إيران يقرر الحرس الثوري بالاتفاق مع المرشد علي خامنئي ومجلس الوزراء يبصم، أو يعدل قراراً أخذه لينسجم مع ما يتقرر من قبل أصحاب السلطة الفعلية.

مهما تمايزت الممارسة في لبنان عن تلك التي تحصل في سوريا وإيران، فإن التباين يبقى مرتبطاً باختلاف طبيعة التركيبة السياسية بين الدول التي تتعرض لهذا الأسلوب في ممارسة السلطة، لكن المبدأ نفسه يجري تطبيقه. ففي البلد فريق يريد التفرد والاستئثار يشبه عقائدياً حكام دمشق وطهران لأن هناك تفكيراً ينسب إلى نفسه صحة الموقف مهما كانت نتائجه الكارثية، ويأبى الاعتراف بالخطأ ويستمر عليه متسلحاً بميزة الإنكار التي لا حدود لها.

يضاف إلى المجلس الأعلى للدفاع المواقف التي يعلنها الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، كما فعل أمس الأول حين طلب من الحكومة تغيير المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت، وحين دعا الحكومة إلى أن تطلب من الولايات المتحدة الأميركية إعفاء استيراد المحروقات من إيران من العقوبات التي تفرضها على تصدير النفط الإيراني، أسوة بدول أخرى جرى إعفاؤها من عقوبة استيراد هذا النفط مثل أفغانستان والعراق... وبعض دول الجوار. وعلينا أن ننتظر بعد هاتين الدعوتين كيف سيتصرف مجلس الوزراء حيال الأمرين معاً. فهذا الأسلوب الاستئثاري في ممارسة الحكم، واستعراض القوة الذي يمارسه التحالف الحاكم في مواجهة شركائه في السلطة إزاء أي قرار، هو الذي طيّر في السنوات الماضية كل فرص الإصلاح الاقتصادي الذي كان يمكن أن ينقذ البلد مما وقع فيه، لأن تنفيذ هذه الإصلاحات قبل سنوات كان من شأنه أن يُدخل إلى البلد أموالاً كانت ستعينه على أن يعيد تحريك الاقتصاد وستوفر عليه أزمة الكهرباء-الفضيحة التي يعيشها راهناً...

الامتحان المقبل من هذا القبيل هو ما سيجري تداوله مع الوفد الأميركي القادم إلى لبنان في الساعات المقبلة، برئاسة نائبة وزير الخارجية فيكتوريا نولاند، والذي يضم مسؤول ملف الطاقة في الوزارة إيموس هوكستين الذي يعرف عن ظهر قلب ملف النزاع مع إسرائيل على الحدود البحرية، والمساحة المتنازع عليها وفقاً للخط البحري 23. فالرجل كان وسيطاً إبان رئاسة باراك أوباما، وتوصل إلى نتائج أولية لمعالجة النزاع، قريبة من تلك التي توصل إليها رئيس البرلمان نبيه بري في أواخر صيف العام الماضي، وأدت إلى إعلان اتفاق الإطار على المفاوضات التي عادت وتوقفت نتيجة تعديل لبنان خط الحدود البحرية بحيث صارت في الخط 29. في حينها حصل هوكستين على موافقة من هم في السلطة الآن ومنهم وزير الطاقة جبران باسيل. فماذا سيقولون لهوكستين اليوم، في ظل المزايدات التي أهدافها تتداخل مع ما يجري في المنطقة من صراعات ومفاوضات؟ وهل سيجري حسم الموقف من هذه القضية خارج الحكومة لتتبناه لاحقاً، أم أن الموقف سيتخذ في داخلها هذه المرة من أجل إنقاذ ماء وجه من يتخذون القرارات خارجها، أم ستترك الأمر للمقايضات الإقليمية؟


MISS 3