بشارة شربل

اغتيلت... وإنعاشها واجب

16 تشرين الأول 2021

02 : 00

لا أحد يستطيع إقناع اللبنانيين، بعد جولة العنف يوم "الخميس الأسود"، أن ما حصل حادث لن يتكرر، وأنه ليس جولة أولى في سلسلة أحداث تُذكّر بمثيلات لها، جرى الاعتقاد بأنها تجارب تعلَّم منها من اكتوى بنارها، واستخلص عِبرَها من روى له أهله أهوالها.

من سوء حظ اللبنانيين انهم في الذكرى الثانية لثورة المواطنية التي اندلعت في 17 تشرين يجهدون لعدم التسليم بعودة خطوط التماس، الحربية منها أو النفسية، التي تستنفر الجماعات، وتجعل الاحتماء بالطائفة او المنطقة اولوية للبقاء، وتبعد مشروع الدولة فيبتعد الشباب عن الأمل بمستقبل لبنان.

لا كلام رئيس الجمهورية الى اللبنانيين بعدما وقعت الواقعة يطمْئن الى مصير الجمهورية، ولا إصرار رئيس الحكومة على متابعة مسيرة "معاً للانقاذ" يدفع الى الثقة بإمكان انتظام المؤسسات، ولا انحياز وزير الداخلية المفضوح الى حمَلة "الأربجيات" يدفع الى الارتياح. فما يجري هو أكبر من كل هؤلاء، ومسيرة "قبع" القاضي البيطار قطارٌ منطلق وليست حادثة الطيونة سوى محطة دموية فيه قابلة للاستثمار.

ليس صدفة ان ثورة 17 تشرين تعرضت للاغتيال، وأن "الثورة المضادة " حطّمت خيمها ورموزها وروح الوحدة التي أشاعتها في ساحة الشهداء وفي كل الساحات على امتداد لبنان. حصل ذلك قبل 4 آب لأن دولة القانون ممنوعة والانقلاب على الطائف يجب ان يصل الى منتهاه ومبتغاه، ولأن عودة الدولة وسيادتها تجافي رغبة فريق من اللبنانيين في تنفيذ مشروع، مرتكزاتُه الايديولوجية وطموحاته السياسية تعرّض تجاور الطوائف الى توترات، وتلغي الحدود ومقومات السيادة مُلحِقةً بمحور خارجي وطناً مستقلاً لن تقوم له قائمة بلا توازن وحياد.

إغتيلت ثورة 17 تشرين، لكن كل ما حصل على أنقاضها يُذَكر بوجوب اعادة روحها الى الحياة. تفجير المرفأ والإصرار على منع القضاء من الوصول الى الجناة والشركاء في الارتكاب، مثلُ نهب المال العام وسرقة الودائع وتعميم ثقافة الفساد، عناصر تدمير توجب الإصرار على استعادة مقومات الدولة من الرأس الى الأساس ببديهياتها التي لا تقبل النقاش ولا الانتقاص ولا الاجتهاد، وإلا عدنا الى شريعة الغاب.

يمكن للثنائي الشيعي وحلفائه من "فراطة" الطوائف المنضوية في "المنظومة" الاستثمار في حادثة الطيونة على طريق تحقيق مشروع الاستقواء على الدولة وسائر المكونات، مثلما يمكن للحادثة دفع القوى المسيحية للعودة الى خطاب التشنج والاستقطاب بحجة الدفاع عن الأرض والعرض ورفض سياسة الإخضاع، إضافة الى التذكير بتاريخ "المقاومة المسيحية" ذوداً عن الوجود والكيان، لكن ذلك سيعيد لبنان الى فترات سود لن يجني معها لبنان إلا الدمار ولن يربح فيها أحد إلا الدم والندم.

لئلا نصل الى "الطيونة" كانت أيضاً ثورة 17 تشرين التي انتفضت ضد الانقلاب المستدام منذ سرى اتفاق الطائف. وهي لم تطالب سوى باحترام الدستور ودولة القانون والاقلاع عن استباحة السيادة والفضاء العام. وحدها هذه الدولة تضمن وحدة البلاد ومساواة مواطنيها في ظلّ العدالة والتعدد والحريات. ولن تقوم الا بسيادة كاملة وجيش يحتكر السلاح بلا شركاء، وكلّ بندقية خارجه فاقدة للمشروعية ومشروع خراب.