مايا الخوري

يترك أثراً مدمّراً في الصحة النفسية والجسدّية

ميليسا زينون: من حقّ الطفل الدفاع عن نفسه ضدّ التنمّر

19 تشرين الأول 2021

02 : 00

التنّمر شكل من أشكال العنف الذي يمارسه طفل أو مجموعة من الأطفال ضدّ طفل آخر، أو إزعاج طفل لآخر بطريقة متعمّدة ومتكرّرة. وهو يتخذّ أشكالاً متعدّدة، مثل نشر الإشاعات والتهديد ومهاجمة طفل بدنياً أو لفظياً وعزله في مكان بهدف أذيته بعيداً من أعين الأشخاص الناضجين، كالمسؤولين في المدرسة مثلاً.

وتحدد الإختصاصية في علم النفس ميليسا زينون أنواعه بما يلي:

- التنّمر اللفظي، أي التعرض بألفاظ مهينة للشخص الآخر، أو مناداته بأسماء غير لائقة وغير مرغوبة أو الإستهزاء به وتهديده.

- التنمّر الجسدي، أي الضرب والإهانـــة والأذية الجسديّة.

- التنمّر الإجتماعي، أي التعرّض للطفل معنوياً، كالتحدث بشكل سيئ عنه أمام الآخرين، ما يؤثر فيه وينعكس سلباً على علاقة الآخرين به.

- التنمّر الجنسي، أي التعرّض له بألفاظ وملامسات غير لائقة.

- التنّمر النفسي، أي النظر إلى الولد بطريقة سيئة، فيشعر بأنه شخص غير مرغوب فيه.

- التنمّر الإلكتروني، يُمارس عبر إستخدام وسائل وتقنيات وإتصالات ومعلومات متنوّعة مثل الرسائل النصيّة أو الألعاب الإلكترونية التي تتضمن حوارات بين اللاعبين، إضافة إلى الألعاب العدوانية التي تهدف إلى إزعاج الآخر.

- التنّمر العرقي، أي الإساءة إلى لون بشرة الشخص الآخر أو عرقه أو دينه أو جنسه أو جنسيته.

لا يولد الطفل متنمّراً، بل يتحمّل الأهل مسؤوليةً في جعله كذلك، إنطلاقاً من الأساليب المعتمدة في تربيته مثل القصاص والضرب والألفاظ غير المحبّذة تجاه الأطفال، وردود الفعل اللاإرادية تجاهه. إضافةً إلى تأثّره بأسلوب تواصل الأقارب وأفراد العائلة معه وكيفية محاورته، مثل سؤاله عمّن يحب أكثر، أمه أو أباه، ومثل تشجيعه على ضرب والديه، وتهديده بأخذ لعبته. هذه الأمور كافة، وفق زينون لا تؤمن إستجابة إيجابية لدى الطفل، لا بل تغذّي فيه العدوانية. كما تنصح الأهل بالإنتباه إلى نوع الألعاب التي يمارسها طفلهم، داعية إيّاهم إلى عدم شراء ألعاب الأسلحة والقتل لأنها تزرع العدوانية في ذهنه منذ الصغر.




تعزز الرسوم المتحرّكة إستخدام العدوانية لحماية النفس

وتلفت النظر في هذا الإطار، إلى إرتكاز الرسوم المتحركة في الآونة الأخيرة على الصراع بين الخير والشر، وعلى منطق العدوانية لحماية النفس والمجتمع. فيعمد الطفل إلى تقليد الشخصيات الكرتونية متماهياً مع الشرطي أو البطل الخارق، المحاط بالمجرمين، وعليه القيام بما يلزم لحماية نفسه ومحيطه. وتقول: "تنمّي هذه الأمور الصغيرة العدوانية، لذا من شأن الأهل توعية أولادهم على تمييز الصح والخطأ وإرشادهم عبر مراقبة ما يشاهدون وطريقة لعبهم".

أمّا بشأن تعزيز وسائل التواصل الإجتماعي لمبدأ التنمّر، فتقول: "بعدما انتشر سابقاً في البيئة التعليمية أكثر من أي مكان آخر، نرى التنمّر منتشراً حالياً عبر المنصات الإلكترونية بسبب قضاء الأولاد فترة أطول في المنزل وإحتلال التكنولوجيا لجزء كبير من حياتنا المعاصرة".

وتضيف: "لا يتحدث الأولاد كثيراً عن التنمّر الذي يتعرّضون له عبر الإنترنت، كما لا يعرفون كيفية حماية أنفسهم، لأن لا توعية كبيرة في هذا المجال، وفي كيفية تعامل الأهل مع شبكة الأمان الإلكترونية. لذا يعمد ولد من أصل إثنين إلى إخفاء ما يتعرّض له خوفاً وخجلاً ولعدم الثقة بالأنظمة التي ممكن أن تساعده. علماً بأن التنمّر بأشكاله كافة، يترك أثراً مدمّراً في الصحّتين النفسية والجسدّية".

أمّا العلامات التحذيرية التي تشير إلى تعرّض الطفل للتنمّر، فهي التوّتر الدائم والقلق. وتتمثّل النتائج العكسية في الإكتئاب ومشاعر الخجل وعدم الشعور بالأمان، وفي خفض منسوب تقدير الذات وتراجع التوافق الإنفعالي والإجتماعي والعلاقات والمهارات الإجتماعية.

كما أثبتت الدراسات وفق زينون، معاناة الضحية من نقص في الإندماج المدرسي، ما يؤثر على مردودها الدراسي بطبيعة الحال، إضافة إلى دراسات عن العلاقة ما بين التنمّر والإنتحار وضعف الأداء المدرسي.

ورداً عن سؤال حول كيفية مساعدة ضحية التنمّر، تدعو زينون الأهل إلى الإصغاء إلى الطفل حتى النهاية من دون تسرّع في الحكم على تصرفاته، لا بل شكره على صراحته وشجاعته. إضافة إلى التعاطف والتجاوب مع ما مرّ به حتى لو كانت تجربة صعبة ومخيفة. ومن الضروري أيضاً تمالك النفس وعدم إشعاره بتوتّرنا، لأنه سيخاف ويعمد إلى إخفاء التفاصيل. لذا من المهم أن يشعر بالأمان لسرد التفاصيل كلها، حيث أن جمع المعلومات حول الموضوع مهمّ جداً لمساعدته، من دون لومه لعدم إخبارنا سابقاً أو عدم الدفاع عن نفسه، لأن ذلك سيحول دون مصارحتنا لاحقاً.

وشدّدت على أهمية طمأنة الطفل، إلى أننا نقف إلى جانبه من أجل مواجهة المشكلة معاً، ومشاركته الرأي لإيجاد الحل المناسب، مع التأكيد على حقه الطبيعي في حماية نفسه، فنشرح له كيفية التصرّف تجاه مشكلة مماثلة، وأهمية التوّجه إلى مسؤول يثق فيه في المدرسة لابلاغه عن الأمر. وإذا أثّرت الحادثة نفسياً وعاطفياً فيه، يجب عندئذ طلب مساعدة إختصاصي إجتماعي ونفسي.

يتعلّم الطفل في ربيعه الثالث والرابع ماهية السلوك الصحيح، فيكتسب توعية حول تمييز نوعية التصرف الذي يمارسه الآخر تجاهه. "لذا من المهم توضيح مبدأ التنمّر وأنواعه والفارق ما بينه وبين المضايقات العادية، كما تعليمه كيفية تمييز طلبات الآخرين، فإذا طُلب منه عدم إخبار أهله أو المسؤولين في المدرسة عن أي سلوك يزعجه، عندها يُدرك أن ما يحصل تجاهه هو سلوك سيّئ".

وتدعو زينون الأهل إلى حثّ أولادهم على قول الحقيقة، والإبلاغ عمّا يسيء إليهم، لأنه تصرّف شجاع. فضلاً عن توعيتهم على عدم التواجد مع أشخاص يزعجون الآخرين في المكان نفسه.

يحتاج المتنمّر إلى دعم نفسي وإجتماعي

إلى ذلك، يجب حثّ الطفل على عدم الإفساح في المجال أمام أي شخص للتسلّط عليه ومضايقته، وتقول في هذا الإطار: "لنعلّمه المواجهة بهدوء. عبر النظر إلى عينيْ المتنمّر، والطلب منه التوقّف عن مضايقته. وفي حال كانت الأذية لفظية، فلا يرد الإهانة بالمثل، بل ليتجنّب الحديث معه، لأن الجدل يؤدي إلى مشاكل أكبر".

وفي حال الإساءة الجسّدية، تقول: "يجب أن يبقى الطفل بأمان بعيداً من الأذى، لذا من الضروري منع الإساءة بأسلوب الدفاع عن النفس والإبتعاد سريعاً عن المكان، لطلب المساعدة من شخص ناضج أو ممن نثق فيه مثل الأهل، الإدارة، الأصدقاء، الأساتذة. ومن المهم أيضاً عدم دفعه إلى ضرب من ضربه، لأننا بذلك، نبتعد عن مبدأ الدفاع عن النفس".

وإذا حصلت حادثة التنمّر المتكرّرة في المدرسة؟ تجيب: "أشجّع الأهل على التواصل مع المسؤولين فيها وإبلاغهم عن الموضوع بكل هدوء من دون إفتعال المشاكل، ليصار إلى متابعة دقيقة".

وعمّا يفترض أن تؤديه المدرسة في هذا الإطار، تؤكد أهميّة دورها في مواجهة هذه الظاهرة المتفشية، لأنها تؤثر على المجتمع ككل. إذ تشكّل المدرسة أهم عنصر فاعل لإيقاف التنمّر في المجتمع وتحقيق التوعية اللازمة. فمن واجباتها وضع قوانين معينة تمنع التنمّر والأذى بأشكاله كافة في حرمها. لأنه يجب أن تكون بيئة آمنة ومستقرّة للأولاد، لا مكاناً للخوف والقلق. كما يؤدي الأساتذة دوراً مهمّاً في كيفية التعامل مع الطلاب في الصف، ليكونوا مثالاً يُحتذى في سبل التواصل الصحيح، وذلك من خلال العمل الجماعي والأنشطة والتعاون والإرشاد في الصف.

وفي الختام، رغم صعوبة التعاطف مع المتنمّر، كونه يمارس الأذى تجاه الآخر، إلا أنه من الضروري التحدث إلى أهله، وتوعية المجتمع والمدرسة على الأسباب التي أدّت به إلى هذه السلوكيات. إذ بيّنت الدراسات معاناته من مشكلات عاطفية وإجتماعية، وبالتالي يحتاج أيضاً إلى علاج مناسب ودعم نفسي وإجتماعي.