جاد حداد

The Last Duel... قصة ثلاثية الأبعاد

21 تشرين الأول 2021

02 : 00

في هذا الفيلم الذي يترجم عنوانه بـ"المبارزة الأخيرة" بالعربية، نتعرّف على "جان دو كاروج" (مات ديمون)، بطل القصة ظاهرياً، ونشاهد الأجواء الصاخبة المتوقعة عادة في أعمال المخرج ريدلي سكوت. يخوض "جان" المعارك بكل فخر ويحمل السيف بيده ويقاتل الأعداء من دون أن يخاف على حياته. يروي الفيلم قصة "جان" في فرنسا خلال القرن الرابع عشر، فيقدّمه كمحارب ناجح، ورجل نبيل وصريح، وشريك مُحِبّ لزوجته "مارغريت" (جودي كومير). لكن سرعان ما تتغير وجهات النظر المطروحة.

يتقن سكوت استعمال هذه الحيلة لطرح الأحداث من زوايا مختلفة. الفيلم من كتابة مات ديمون وبن أفليك والمخرجة الشهيرة نيكول هولوفسينير، وهو مقتبس من بحث الناقد إيريك جاغر حول آخر محاكمة عن طريق القتال في فرنسا. يروي الفيلم قصته بناءً على ثلاث شخصيات: أولاً "جان"، ثم صديقه الذي يصبح خصمه "جاك لوغري" (آدم درايفر)، ورفيقه المحبوب (بن أفليك). ثم تظهر "مارغريت" التي تتهم "جاك" باغتصابها وتفتعل مبارزة قاتلة بين "جان" و"جاك". في النهاية، تكشف قصة "مارغريت" الحزينة شوائب وجهة النظر التي يحملها كل رجل منهما.

يعتبر "جان" نفسه جندياً شجاعاً لا يتردد في انتقاد الأسياد الأقوياء. لكن يعتبره "جاك" في المقابل شخصاً متغطرساً ومتهوراً لأنه يتحرك من دون التفكير ملياً بتصرفاته. في الوقت نفسه، يكون كل واحد منهما مقتنعاً بأنه مثال للرجولة، فيعتبر "جان" نفسه الزوج المثالي والنبيل، ويظن "جاك" أنه الرجل الأسمر الجذاب الذي تعجز "مارغريت" عن مقاومته، لكن سرعان ما تلاحظ هذه الأخيرة نفاقهما. ثم يأتي المشهد المدمّر الأخير لينسف ما تبقى من تعاطف المشاهدين مع الرجلَين.




سيلاحظ المشاهدون انهيار الانطباع الأول الذي حملوه عن مختلف الشخصيات على مر 152 دقيقة. في النهاية، يضطر الفيلم لسرد قصته ثلاث مرات، ما يعني أن نشاهد الحدث نفسه مراراً لكن من زاوية مختلفة بالكامل. نتيجةً لذلك، ستبدو تصرفات "جان" البطولية سخيفة أكثر مما هي شجاعة، وسرعان ما يتحول تحفّظ "جاك" إلى شكلٍ من الدهاء. لكن سيكون كل تحوّل سريعاً على نحو مفاجئ.

لطالما برع مات ديمون في تجسيد شخصيات معتدّة بنفسها، مع أنها قد لا تكون واقعية جداً في معظم الأحيان. يبدو آدم درايفر من جهته جذاباً وغامضاً بدور "جاك"، ذلك الرجل الذي يتمتع بحِسّ بطولي يسهل أن يبهر الآخرين على أرض الواقع (حتى أنه يُسهّل التشكيك بالتُهَم التي تُوجّهها "مارغريت" في هذه القصة). أما بن أفليك الذي كان يُفترض أن يلعب دور "جاك" في البداية، فهو يُجسّد شخصية الكونت "بيار دالينسون" الذي يهتم بمظهره أكثر من أي شيء آخر: يحب هذا السيد النبيل الحفلات ويسعى عموماً إلى حماية المقربين منه ومعاقبة أعدائه في مجتمعٍ تبدو فيه معالم العدالة مبهمة.

تكون "مارغريت" الشخصية التي تقيم التوازن المطلوب بين "جاك" وجان" خلال مبارزتهما المبنية على مشاعر الكبرياء، فهي فتاة جميلة ومثقفة وابنة سيّد نبيل يواجه وصمة عار كبرى. تقوم "مارغريت" بأهم عمل بطولي في الفيلم، فتُبلِغ عن اعتداء "جاك" عليها وتطالب ب معاقبته بكل صرامة. هذا ما يدفع "جان" و"جاك" إلى التقاتل حتى الموت، فيفترض كل واحد منهما أن الله سيتدخّل لصالحه لإثبات ظلم الطرف الآخر. ومثلما تكشف بنية الفيلم الثلاثية شوائب الرجلَين معاً، ستتّضح أيضاً القيمة التي يعطيها كل واحد لنفسه: يعتبر "جان" نفسه شهيداً، ويكون "جاك" مقتنعاً بأن جميع النساء لا يستطعن مقاومته، وهذا ما يزيد قناعته ببراءته.

أخيراً، تقدّم جودي كومير أداءً مؤثراً ومبنياً على التواصل مع الممثلين الآخرين، على عكس أداء الرجال الذين يعطون الأولوية لأنفسهم بكل وضوح. تتحرك شخصيتها في ذلك المجتمع الإقطاعي الوحشي الذي يُصوّره سكوت بالتفصيل انطلاقاً من دوافع تتجاوز الرغبة في البقاء على قيد الحياة. لكن رغم موقفها القوي، تبقى حريتها محدودة ويُعتبر الاغتصاب الذي ارتكبه "جاك" جرماً لمجرّد أنه اعتداء على أملاك "جان". مع ذلك، تنجح كومير في إضفاء جانب ذكي ووقح على شخصية "مارغريت"، فلا تكون مجرّد ضحية صامتة. ولن يتّضح جوهر القصة بالكامل أصلاً قبل رؤية الأحداث من وجهة نظرها. سبق وشارك المخرج سكوت في أفلام عدة حول أنظمة السلطة التي تخدم الأقوياء حصراً، بدءاً من فيلم Alien (الكائن الفضائي) الذي يتمحور حول ممارسات شركات مجهولة، وصولاً إلى Thelma and Louise الذي يعرض مظاهر الإهمال في سلك الشرطة. لكن حين يصل فيلمه الجديد إلى نهايته الدموية حيث يشتبك بطلا القصة بأعنف الطرق، سيتّضح للمشاهدين أن رؤية المخرج تختلف عن كل ما توقعوه.