جنى جبّور وجورج بو عبدو

رحل ضاحكاً كما لم يضحك من قبل

الموت يخطف الممثل القدير بيار جماجيان (بيارو)

22 تشرين الأول 2021

02 : 00

خسرت الساحة الفنية واحداً من أبرز ممثليها أمس، برحيل الممثل القدير بيار جماجيان، الذي لطالما رسم البسمة على وجوهنا حتى في أحلك أيام الحرب المشؤومة. أبى "بيارو" الرحيل قبل أن يودع زملاءه فأمضى معهم الأربعاء أوقاتاً ممتعة في "نقابة ممثلي الإذاعة والسينما والتلفزيون والمسرح"، ليشعر بعدها بضيق تنفس إستدعى نقله إلى مستشفى "القديس جاورجيوس الجامعي"، حيث تبيّن أن رئتيه مليئتان بالمياه مما إدى إلى تأزم حالته ووفاته عن عمر يناهز 72 عاماً.



ولد "بيارو" في جل الديب في العام 1949، وبدأ التمثيل في عمر مبكر بصفوف "الرابطة الاجتماعية في جل الديب"، التي كانت تستعيد سنوياً إحدى مسرحيات الرحابنة في ملعبها الكبير، وتقدّمها بحضور عاصي ومنصور. وبين دور الإمبراطور في "يعيش يعيش" والشحاذ في "المحطة" والمستشار في "هالة والملك"، تلمّس جماجيان طريقه إلى الاحتراف مشاركاً بدور النادل "عزّو" في "سهرية" لزياد الرحباني، الذي كان قد جاء مع أهله، ككلّ سنة، لمشاهدة مسرحيات الرابطة، حين قرّر أن يقدم لنادي المسرح في الرابطة عملاً من إخراجه يعرض لأول مرة في العام 1973. عندها، لعبت الصدفة دوراً مهماً في حياة "بيارو"، يومها قال له الراحل الكبير عاصي الرحباني ستكون معنا في "البيكاديللي". فشارك في مطلع العام 1974 في مسرحية "لولو" التي أدّى فيها دور رعد المجنون الى جانب السيدة فيروز. بعدها شارك مع الأخوين رحباني في "ميس الريم" (1975)، ولاحقاً في "بترا" (1977). أمّا مع زياد، فأدى أدواراً لا تنتسى في مسرحيات مثل "نزل السرور" (1974)، وشخصيّة الأرمني "الستيريو" في "فيلم أميركي طويل" (1980)، وفي "شي فاشل" (1983).





ولعلّ أبرز محطاته المهنية، التي تشكّل جزءاً أساسياً لأجيال متعاقبة من اللبنانيين، تتمثّل في لعبه دور "بيارو" (1981) ضمن المسلسل الكوميدي "المعلّمة والأستاذ". ومن أهم أعماله التلفزيونية ايضاً: "يسعد مساكم"، "ابراهيم افندي"، "الدنيا لمين"، "الغالبون"، "قيامة البنادق"، "بدل عن ضايع"، "جنى العمر"، "هي وهي"، "اوتيل الافراح"، "حبيب ميرا"، "الطرابيش"، "كلام على ورق"، "حد السكين"، "لعبة الموت"، "مالح يا بحر"، "صائمون ولكن"، "حكاية امل"، "سكرتيرة بابا"، "سجن الايام"، "أول ع آخر"، "كاراميل"، "نص يوم"، "أولاد آدم" وغيرها. وفي رصيد الراحل عدد من الأدوار السينمائية، مثل "المحترف والأشباح"، "24 ساعة حب"، "فيتامين"، "أهلاً بكم في لبنان"، "Time out"، "Bebe"، "فيتامين" و"السيدة الثانية". ومن آخر أعماله دور "أبو عيسى" في سلسلة "الهيبة"، وقبل وفاته كان يشارك في مسلسل "هروب" من بطولة باسم مغنية وشجون الهاجري الذي يجري تصويره حالياً في البقاع.



شهادات وتقدير

نعى وزير الثقافة القاضي محمد مرتضى الراحل قائلاً: "وزارة الثقافة تعاهد الفقيد على صرف كامل الجهد في سبيل بث الوعي والسعي إلى بناء جسور تواصل وتلاقٍ عوضاً عن الكهوف النفسية و"المتاريس"، وتتوجه اليه أمام الشعب اللبناني باعتذارٍ صادق على تقصير رسمي مزمن في حقّه وفي حق العديد من جنود الثقافة المجهولين والمعلومين في هذا الوطن، المتروكين لمصيرهم ليكابدوا الكثير من المرارات وأهمها تلك المرارة المتولدة من ذلك التقصير، كما تتوجه إلى عائلته ومحبيه بأحر التعازي راجيةً بأن يسكنه المولى فسيح جناته".

وصدم خبر وفاته الوسطين الفني والإعلامي في لبنان فنعاه كل على طريقته عبر "نداء الوطن":

نقيب ممثلي الإذاعة والسينما والتلفزيون والمسرح نعمة بدوي عبّر قائلاً: "رفض بيارو ان يرحل قبل أن يودعنا. اجتمعنا يوم الأربعاء في النقابة بـ"جلسة من العمر"، شاركنا فيها عبدو شاهين، عمر ميقاتي، ختام اللحام وغيرهم. ضحكنا كما لم نضحك في حياتنا لمدّة 3 ساعات، وكأنه أتى ليلقي نظرة اخيرة على النقابة وليودع زملاءه. وحين تلقيت خبر وفاته، سقط هاتفي ارضاً ولم أصدق ما سمعته. خسرنا فناناً بحجم وطن، وودعنا كبيراً من زمن الفن الجميل والأصيل".





من جهته، علّق نقيب الفنانين المحترفين الممثل جهاد الأطرش قائلاً: "نؤمن بأنّ الموت حق على الجميع، ومع ذلك غادرت باكراً "يا بيارو". يخيم الحزن على كل من عرفك أو مثّل معك وعلى كل من زرعت البسمة على وجهه. سنفتقدك... ستهبط عتمة حزينة على خشبة كل المسارح وسيسود الصمت في الصالات حزناً على رحيلك. فلترقد بسلام في جنة الخلد وليرحمك الله"، مضيفاً: "تنعى نقابة الفنانين المحترفين وكل النقابات الفنية في لبنان رمزاً من رموز الفن الجميل الفنان بيار جماجيان، وتتقدم بأحر التعازي من اسرته الكريمة والاسرة الفنية".

اتصلنا بالممثل باسم مغنية المفجوع برحيل زميله فأبلغنا انه عاجز عن الكلام لشدة حزنه الشديد لهذا الفراق المباغت واكتفى بتغريدة كتب فيها: "ولك يا بيار وين فليت؟ عم نصور مسلسلين مع بعض بدنا نخلصن. ما بصدق أقعد بالتصوير معك تتضحكني. أبو روح حلوة رح اشتقلك".



مع الممثلة ليليان نمري



أمّا صديقته الممثلة ليليان نمري فعبّرت عن حزنها باكيةً، وقالت: "كنا نتشارك التمثيل في مسلسل "هروب" ولكننا لم نكن نلتقي كثيراً. وأمس بالذات كان لدينا مشهد مشترك نصوره، ولكن للأسف كان المشهد مختلفاً. "حرقة كبيرة" أن يغيب ممثل عن أي عمل قبل أن ينهي تصوير كل مشاهده"، مضيفةً: "نحن اولاد مسرح، شقّينا نجاحنا الكبير من خلال مسلسل "المعلمة والاستاذ"، حينها ضج البلد بـ"بيارو وعفو"، وتأسف كثيرون بعدها لان "تلفزيون لبنان" لم يستفد من هذا الثنائي الذي "كسّر الأرض. أحب بيارو كثيراً، وأعلم جيدّاً أنّ الفنان لا يموت بل يبقى خالداً في أعماله ومن خلال محبة الناس".

واعتبر الممثل بيار شماسيان أنّ الراحل من "أهم الفنانين الكوميديين في لبنان" وقال: "لديه شخصية طريفة جدّاً، وأصبحنا اصدقاء بعد أن شاركنا في فيلم "Bebe"، فكنّا نجلس سوياً دائماً ونسخر ممازحين المخرج والممثلين"، مضيفاً: "كان ينكت ع كل كلمة... ضيعانو".

ولفت الكاتب والروائي شكري أنيس فاخوري الى "أنّنا خسرنا قيمة كوميدية ودرامية في الوقت نفسه، لأن الراحل برع في المجالين، وستبقى أعماله خالدة ومحفورة في المسرح والسينما والتلفزيون".

بغصة، عبرت الممثلة القديرة وفاء طربيه عن حزنها قائلةً: "يا حبيبي يا بيار... رحت بكير". وتابعت: "ترك الراحل بصمة مهمّة في المجال الفني وأوصل رسالته بكل أمانة وصدق، وكان متواضعاً ومحباً للحياة. أنا متأكدة أنه في حضن الرب. أضأت له شمعة وصليت لراحة نفسه، وحزنت لعدم تمكني من القيام بواجب العزاء لاهله بسبب "الكورونا" ووضعي الصعب بعدما أصبت بانفجار المرفأ".

بدورها، قالت الإعلامية والكاتبة الدكتورة عبير شرارة: "حزننا أكبر من أن تعبّر عنه الكلمات. فمنذ فترة والموت يلاحق المبدعين في بلادنا. موت بيارو كقطع شجرة أرز، فقد رحل رجل اصيل صاحب الموهبة والحضور، وستبقى أدواره راسخة في ذاكرة جيلنا الذي لم يعرف الفرح الّا من خلال شاشة التلفزيون. كان لي شرف استضافته في "خوابي الكلام"، وأعزي الوسط الفني عموماً واللبنانيين خصوصاً.

وعلّقت الاعلامية يمنى شري على الرحيل قائلةً: "كان ضيفاً دائماً في برامجنا ولا سيما عبر "تلفزيون المستقبل". أتذكره شخصاً مهذباً، طريفاً، خجولاً، لطيفاً وصادقاً. كان يحضر دائماً على الوقت الى الاستوديو محترماً الجميع"، مردفةً: "الله يرحم روحه الجميلة".

أمّا الفنان نقولا الاسطا فنعى جامجيان قائلاً: "أنا من أشد معجبيه. أول لقاء معه كان في كندا، ومن بعدها تقرّبنا جدّاً بسبب صديق مشترك. عرفته انساناً مسالماً، جدّياً في عمله رغم حسه الفكاهي المميز جدّاً"، خاتماً: "بكّر... نفسو بالسما".


* يُحتفل بالصلاة لراحة نفسه الساعة الرابعة والنصف من بعد ظهر اليوم في كنيسة مار تقلا – بقنايا.


MISS 3