جاد حداد

حصة رياضية واحدة تساوي تدريبات 12 أسبوعاً لتحسين الذاكرة!

7 تشرين الأول 2019

01 : 45

يدرك الباحثون منافع الرياضة على مستوى العقل والجسم معاً. لكن كم تدوم تلك الآثار الإيجابية في الدماغ تحديداً؟ وما هي وتيرة التمارين الفاعلة؟ كشفت مجموعة واسعة من الأبحاث الجديدة أن الرياضة تضمن منافع صحية هائلة، وتزداد الأدلة التي تثبت قدرتها على تخفيف الاكتئاب وحماية صحة الأيض والدماغ.

يهتم الباحثون تحديداً بإيجابيات الرياضة على مستوى الدماغ، لا سيما الذاكرة والقدرات المعرفية الأخرى، كونهم يركزون على الوقاية من التراجع المعرفي العيادي والمرتبط بالسن. تتعدد الأسئلة التي يطرحها الباحثون في هذا الإطار، أبرزها: ما مدة الرياضة التي نحتاج إليها لتحسين صحة الدماغ، وكم تدوم تلك الآثار الإيجابية؟ وما تأثير الرياضة على القدرات المعرفية لدى كبار السن بشكلٍ خاص؟

تناولت دراسة جديدة أجرتها جامعة أيوا جزءاً من تلك الأسئلة حديثاً. نُشِرت نتائجها في مجلة "الطب والعلوم في الرياضة والتمارين"، وسمحت بتوضيح الآليات التي تجعل الرياضة مفيدة للعقل.

في الجزء الأول من الدراسة، أراد الباحثون اكتشاف طريقة تأثير حصة واحدة من الرياضة على الذاكرة العاملة لدى كبار السن. تشير هذه الذاكرة إلى نوعٍ من الذكريات قصيرة الأمد التي تؤدي دوراً أساسياً في اتخاذ القرارات.

استعان الباحثون بـ34 مشاركاً سليماً، تتراوح أعمارهم بين 60 و80 عاماً، وقد اعترفوا بأنهم لا يمارسون الرياضة بانتظام. ثم طُلِب منهم أن يتدربوا على دراجة رياضية ثابتة خلال حصتَين.

في الحصة الأولى، كان التمرين خفيفاً. لكنه أصبح شاقاً ومتعِباً بدرجة إضافية في الحصة الثانية. داس المشاركون على الدراجة في كل حصة طوال 20 دقيقة.

قبل كل حصة وبعدها، خضع المشاركون لفحوصات بتقنية التصوير بالرنين المغناطيسي، فكشفت طبيعة النشاط الدماغي في مناطق مرتبطة بعمليات الذاكرة العاملة. شارك المتطوعون أيضاً في اختبارات للذاكرة.

شمل الاختبار النظر إلى صور ثمانية وجوه تتغير كل ثلاث ثوانٍ، على شكل بطاقات تعليمية. على المشاركين أن يعرفوا أن الوجه الذي يشاهدونه في هذه اللحظة ظهر قبل "بطاقتَين".

في النهاية، برزت نتائج مختلطة. بعد حصة واحدة من التمارين، سجّل جزء من المشاركين دون سواه تحسناً في الروابط الدماغية بين ثلاث مناطق (الفص الصدغي الإنسي، القشرة الجدارية، القشرة الجبهية)، علماً أنها ترتبط جميعاً بتخزين الذكريات واسترجاعها.

كذلك، تحسّن أداء المشاركين في اختبار الذاكرة العاملة غداة تحسّن تلك الروابط بين المناطق الدماغية لديهم. لكن لم تستفد الذاكرة العاملة كثيراً من حصة رياضية واحدة لدى مشاركين آخرين.

لاحظ الباحثون أيضاً أن المنافع اقتصرت على مدة قصيرة حين زادت الروابط الدماغية بعد حصة رياضية واحدة. لكن تكشف نتائج هذا الجزء من الدراسة في الوقت نفسه أن أثر الرياضة الإيجابي على الدماغ قد يكون فورياً.

تقول الدكتورة ميشيل فوس، واحدة من المشرفين على الدراسة وأستاذة مساعِدة في قسم العلوم النفسية والدماغية في جامعة أيوا: "يمكن أن تظهر المنافع بوتيرة أسرع مما يظن الناس. نأمل في أن تصبح تلك المنافع الدماغية دائمة لأنها لا تزال عابرة حتى الآن. من المفيد أن تُركّز الأبحاث المستقبلية إذاً على فهم مدة المنافع بعد حصة رياضية واحدة والسبب الذي يجعل البعض يستفيد دون سواه".

أحصد المنافع يومياً!

في المرحلة اللاحقة، طلب الباحثون من المتطوعين المشاركة في برنامج تدريب يتألف من تمارين الأيروبيك ويمتد على 12 أسبوعاً. شملت كل حصة 50 دقيقة من التمارين على الدراجة الرياضية، وتكررت ثلاث مرات في الأسبوع.

كذلك، توزع المشاركون على مجموعتَين: مجموعة تلقت تعليمات بالدوس بوتيرة معتدلة، وأخرى اكتفت بتمارين أقل حدة، فكانت الدواسات تتحرك أوتوماتيكياً. مجدداً، خضع المتطوعون للتصوير بالرنين المغناطيسي واختبارات الذاكرة قبل بداية البرنامج وبعد انتهائه.

في نهاية التجربة، اكتشف الباحثون أن معظم المشاركين في المجموعتين سجلوا تحسناً في الروابط الدماغية وقدّموا أداءً أفضل في اختبار الذاكرة العاملة. لكن بعد انتهاء برنامج التدريب الممتد على 12 أسبوعاً، بقيت المنافع مشابهة لتلك التي حصدها المشاركون بعد حصة رياضية واحدة. اعتبر الباحثون في تقريرهم هذه النتيجة بالغة الأهمية، عملياً ونظرياً.

توضح فوس: "يمكن أن نستنتج أن المنافع تنشأ يوماً بعد يوم. قد تعني الرياضة المنتظمة إذاً الاستفادة من التحسن الدماغي نفسه مع كل نشاط جسدي. في ما يخص التغيرات السلوكية والمنافع المعرفية المشتقة من التمارين الجسدية، يمكنك أن تفكّر بالطريقة التالية: "سأتحرك اليوم بكل بساطة وأحصد المنافع"! لا داعي كي تتدرب كما لو كنت تستعد للمشاركة في الماراثون كي يبلغ أداؤك أعلى المستويات. بل يمكنك أن تحرز التقدم يوماً بعد يوم لكسب تلك المنافع".

أخيراً، يعترف الباحثون بأن دراستهم تبقى محدودة على بعض المستويات، كونها تُركّز على مجموعة صغيرة ومتجانسة من الأشخاص الأصحاء جسدياً ودماغياً.

حتى الآن، تسعى فوس وزملاؤها إلى اكتشاف معطيات إضافية عن تأثير الرياضة بالقدرات المعرفية على المدى الطويل. لذا يعملون راهناً على تجربة أوسع مدتها 5 سنوات.


MISS 3