جاد حداد

العلاج بالأشعة تحت الحمراء: تقنية جديدة ضد الخرف؟

30 تشرين الأول 2021

02 : 00

بدأ الباحثون يستكشفون الأشعة تحت الحمراء كعلاج لأمراض دماغية متنوعة...

صمّم العلماء خوذات فيها علاج بالضوء: إنها عبارة عن أجهزة عاملة بتقنية التعديل الضوئي ويستطيع الناس استعمالها في منازلهم.

تكشف دراسة جديدة الآن أن خوذة التعديل الضوئي قد تُحسّن الذاكرة والوظيفة الحركية لدى المصابين بالاختلال المعرفي المعتدل. يأمل الباحثون في أن يستفيد المصابون بالخرف من هذه التقنية الجديدة.

أطلق علماء من بريطانيا هذه الدراسة التجريبية واستعملوا خوذة ذات تصميم خاص وباعثة للأشعة تحت الحمراء، واختبروها على أشخاص في منتصف العمر ومصابين بالاختلال المعرفي المعتدل، ثم اكتشفوا أن هذا العلاج يُحسّن أداء الذاكرة ومهارات معالجة المعلومات والوظيفة الحركية.

نشر الباحثون نتائجهم في مجلة "التحوير الضوئي والطب الضوئي وجراحة الليزر".

كيف تعمل تقنية التعديل الضوئي؟

يشير التعديل الضوئي إلى علاج يستعمل الأشعة تحت الحمراء لافتعال استجابة معينة في الخلايا والأنسجة. تعود الأبحاث المرتبطة بالتعديل الضوئي إلى فترة الستينات، حين كان العلماء يستعملون أجهزة الليزر التي كانت حديثة حينها. كان هذا العلاج يهدف بشكلٍ أساسي إلى مداواة الجروح وتخفيف الألم.

في الفترة الأخيرة، أصبحت مصادر ضوئية أخرى، مثل الثنائيات الباعثة للضوء، بديلة عن الليزر. كان الانتقال من الليزر إلى الثنائيات الباعثة للضوء يعني إمكانية استعمال تقنية التعديل الضوئي في المنازل على شكل أجهزة قابلة للارتداء وبكلفة أقل بكثير.

لتفسير طريقة عمل التعديل الضوئي في الجسم، لا بد من التعمق أولاً في المعطيات البيولوجية للخلايا البشرية. تشمل هذه الخلايا هياكل صغيرة ودائرية الشكل اسمها المتقدرات. تنتج هذه المتقدرات معظم كمية الطاقة التي تحتاج إليها الخلايا لأداء وظائفها. تُخزّن المتقدرات هذه الطاقة على شكل عنصر كيماوي اسمه أدينوسين ثلاثي الفوسفات.

خلال العلاج بالتعديل الضوئي، تدخل جزيئات خفيفة اسمها الفوتونات إلى الجسم وتتفاعل مع المتقدرات. إذا كانت الأطوال الموجية ومدة التعرّض للضوء مناسبة، ستزيد مستويات أدينوسين ثلاثي الفوسفات.

لكن حين تتضرر الخلية، قد يتراجع مستوى الأدينوسين ثلاثي الفوسفات، ما يؤدي إلى اختلال أيض الخلايا وتعطيل مسار الشفاء. في المقابل، يسمح ارتفاع هذا المستوى بإطلاق عملية تجديد الخلايا.

أمضى الدكتور بول شازوت، وهو باحث في جامعة "دورهام" في بريطانيا، سنوات عدة وهو يطوّر طولاً موجياً معيناً من الأشعة تحت الحمراء لاستعماله في علاجات الخرف.

تعاون شازوت في الدراسة الجديدة مع الدكتور غوردون دوغال من شركة "ماكولومي" لاستكشاف خوذة مبرّدة وعاملة بالتعديل الضوئي اسمها Cerebrolite. تستعمل هذه التقنية طولاً موجياً بمعدل 1068 نانومتراً، وهي مُصممة كي يرتديها المستخدم في منزله.

استعان الباحثون بمشاركين في منتصف العمر وكانوا مصابين باختلال معرفي معتدل ويأتون من إسبانيا وبريطانيا. كانت أعمارهم متقاربة.

قيّم العلماء الوظيفة الحركية، والذاكرة، وسرعة المعالجة لديهم عبر استعمال "مقاييس التقييم الفيزيائية العصبية الآلية": إنها أداة معرفية محوسبة لإجراء تقييمات جديرة بالثقة. امتد الاختبار على ثلاثة أيام لتقييم أثر التغيرات اليومية على الوظيفة المعرفية.

تلقى جميع المشاركين خوذة Cerebrolite مع تعليمات حول طريقة استعمالها، وطلب منهم الباحثون استخدامها طوال ست دقائق، مرتين في اليوم، على مر 28 يوماً.

تكررت التقييمات بعد مرور ثلاثة أيام ثم 28 يوماً، وحصلت خلال ثلاثة أيام منفصلة مجدداً. من أصل 27 مشاركاً أنهوا الدراسة والتقييمات المرتبطة بها، شارك 14 منهم في مجموعة العلاج و13 في مجموعة الدواء الوهمي.

في مجموعة العلاج، لاحظ الباحثون تحسناً بارزاً من الناحية الإحصائية في الفئات التالية: الأداء الإجمالي، ومعالجة المعطيات الرياضية (أي الذاكرة العاملة)، والذاكرة المتأخرة، والوظيفة الحركية باليد اليمنى.

في المقابل، سجّلت مجموعة الدواء الوهمي تراجعاً في سرعة معالجة المعلومات مقارنةً بوضع المشاركين في بداية الدراسة، ولم يحصل تحسّن بارز في أيٍّ من الفئات المذكورة.

توضح الدكتورة ريبيكا إيدلماير، مديرة قسم المشاركة العلمية في جمعية الزهايمر: "يُعتبر استعمال الضوء لتحفيز الدماغ تكنولوجيا ناشئة، وتبدأ هذه الدراسة باستكشاف استعمالاتها لاستهداف منطقة دماغية محددة وتحسين الذاكرة. لكن تبقى هذه الدراسة صغيرة جداً وتشمل متطوعين أصحاء. لذا لن يسمح لنا هذا البحث وحده بتقييم فعالية المقاربة الجديدة لتخفيض مخاطر التراجع المعرفي. لكننا بدأنا نلاحظ في الوقت نفسه أن شركات عدة تبحث عن طرق غير غازية من هذا النوع لتحفيز الدماغ. تُستعمَل أجهزة تحفيز الدماغ مثلاً لاستهداف أمراض التنكس العصبي مثل الباركنسون ولمنع تدهور الخلايا الدماغية".

يؤكد الدكتور شازوت على توسيع الدراسات العيادية في المرحلة المقبلة لإثبات آثار هذه التقنية على عدد أكبر من مرضى الزهايمر ورصد منافعها على المدى الطويل. ورداً على سؤال حول مستقبل هذه التقنية، يقول شازوت إن الوضع ينذر بظهور علاج فعال وآمن ومقبول الكلفة لمرض الزهايمر وأشكال أخرى من الخرف.

دراســــة مــــحــــدودة


تبقى هذه الدراسة تجريبية وتُعتبر محدودة على مستويات عدة. تكون الدراسات التجريبية صغيرة وأولية وتهدف في الأساس إلى إثبات فعالية أي عملية قبل إطلاق تجارب أكبر حجماً وأعلى كلفة.

وبما أن عدد المشاركين في هذا البحث يقتصر على 27 شخصاً، يجب أن يتعامل الجميع بحذر مع هذه النتائج. يذكر الباحثون أيضاً أن مراجعة النتائج الأولية في مجموعات العلاج الناشط والدواء الوهمي تكشف أن هذه الفئات لم تكن متوازنة، ما قد يؤثر على قياس النتائج النهائية.

كذلك، كان المشاركون في الدراسة يتمتعون بصحة جيدة بشكل عام، لذا من المبكر أن يطلق العلماء أي مزاعم حول فعالية التقنية الجديدة لدى جماعات أخرى.

في النهاية، تستنتج إيدلماير: "لا بد من إجراء أبحاث إضافية لفهم كيفية استعمال التعديل الضوئي كعلاج أو تدبير وقائي ضد التراجع المعرفي والخرف. يجب أن نفهم تحديداً الأجزاء الدماغية المستهدفة ونُحدد مرحلة المرض التي يكون فيها العلاج الأكثر فعالية".


MISS 3