جورج بوعبدو

طوني معلوف: رسومي لبنانية بجوّ عصري

1 تشرين الثاني 2021

02 : 00

درس الهندسة الداخلية في الجامعة اللبنانية، وتصميم الفنادق في ميلانو. أعجبه الرسم فامتهنه الى جانب عمله الأساسي كمهندس. ولد وترعرع في مدينة زحلة متأثراً بالتقاليد والعادات، ويتجلى ذلك بوضوح في رسومه التي تناولت المجتمع اللبناني وعاداته ومشاكله والأزمات التي تعصف به. اختير لتمثيل لبنان على الصفحة الرسمية لليونيسكو وشارك في معارض عدّة بشخصيته اللبنانية التي حصدت شهرة فورية. "نداء الوطن" إلتقت طوني معلوف في حوار مشوّق.

أخبرنا عن بداياتك. كيف بدأت قصة أول رسمة وهل كنت تعرف أنك ستحصد هذه الشهرة؟

قصتي مع الرسم عفوية للغاية كنت يومها سائحاً في باريس. كنت أراقب سطوح البنايات التي نقلتني الى الطفولة فعادت بي الى مشاهد من فيلم "ماري بوبنز" وهي تقفز فوق الأسطح. أردت أن أرسم مشهداً ففعلت ووضعت العمل على مواقع التواصل الإجتماعي فنال إعجاباً منقطع النظير، وهكذا كانت البداية ثم تطورت الى علاقة عضوية وروتينٍ لا استطيع الغياب عنه.

المدهش في عملك هذا الدمج بين التكنولوجيا والرسم التقليدي فأنت ترسم على خلفية صور حقيقية على جهاز "الآي باد"، أخبرنا قليلاً عن المراحل المختلفة التي تمر بها لتصل الى الشكل النهائي؟

أول ما أقوم به طبعاً هو تصوير الخلفية ثم أحمّل الصورة على الآي باد الخاص بي. أراقب الصورة بتمعن متخيلاً الشخصيات التي يمكنني أن أضعها داخلها. وهكذا أرمي على الصور بتطبيق يسمح لي بذلك ثم ألوّن الشخصية وأضع لمساتي النهائية على العمل ككل. وكثيراً ما أستوحي شخصياتي من محيطي، ومن وقائع تحصل حولي، وقد تسعفني في مهمتي كذلك أغنيات استمع إليها أو أفلام أشاهدها أو حتى أماكن ومناظر طبيعية تلفت انتباهي. وقد أكتب كلمات الأغنية أو عنوانها داخل الرسمة. ما يهمني هو ايصال الفكرة بأبسط الطرق الى جمهوري فأنا أحب السهل الممتنع في الرسم وهدفي هو ايصال فكرتي بشكلٍ بعيد عن التعقيد.



نرى في رسومك تركيزاً واضحاً على الشخصيّـــــــة اللبنانية. لماذا؟ولدت في مدينة زحلة ورافقتني تقاليد البلدة وعاداتها منذ طفولتي فطبعت لغتي ووجداني. وبالتالي أنا متأثر بالشخصية اللبنانية من دون شك.

اردت تقديمها بجوّ عصري فأقمت تفاعلاً مقصوداً بين القديم والحديث. وبما أننا نعيش في أزمات متكرّرة أردت أن أنقل تفاعل اللبنانيين معها برسومي التي تنقل معاناتهم في مراحل مفصلية صبغت حياتهم بالاسود، كانفجار مرفأ بيروت وانهيار الليرة وهجرة الادمغة وتسلل الفقر الى كل بيت، وما إلى ذلك من مصائب وأهوال تعصف بالمجتمع اللبناني فتحوّل أيامه الى كآبة لا توصف.

لماذا اخترت الخلفية المبنية على صورة حقيقية ولم ترسم الصورة كلّها؟

لأنّ هذه التقنية بالذات تثير إعجابي وأشعر أنني مرتاح معها فأنا أحب هذا الدمج بين الحقيقي والرسم، وأستوحي رسومي من مناظر واقعية أضيف عليها شخصيّات ورسوماً معيّنة. وليست هذه التقنية جديدة فقد استخدمت في ستينيات القرن الماضي في أفلام عالمية كـ"ماري بوبينز" ودمجت بين الكرتون والمشهد الحقيقي، وهي تقنية مدهشة ومثيرة للاهتمام برأيي، وبالتالي طبقت التقنية نفسها مع شخصيتي اللبنانية التي أضفتها الى صورٍ حقيقية التقطتها بنفسي.



علمنا عن تعاون مع اليونيسكو أخبرنا عن التجربة.

وصلني بريد الكتروني من اليونيسكو جاء فيه انهم انتقوا ستة أشخاص من الدول العربية وكنت انا من لبنان بينهم. تواصلت معهم وأصبح ملفي موجوداً على صفحتهم الرسمية مرفقاً بأعمالي وحساباتي على مواقع التواصل الإجتماعي. كما طلب مني اختيار كلمة تعبر عن هذه السنة، فانتقيت كلمة "تحدّي" لما مررنا به من أزمات ومشاكل إقتصادية وعدم استقرار في لبنان. كانت مبادرة حميدة سلّطت الضوء على موهبتي وحفزتني على الاستمرار بمشاريعي معززة ثقتي بنفسي الى حد كبير.

هل يهمك أن تقدّر لبنانياً ام ان التقدير الأجنبي كافٍ؟

من المهم جداً أن أقدّر في بلدي ولكن الوضع السيئ يمنع المبادرات الثقافية. اتمنى لو ان المسؤولين لدينا يعيرون اهتماماً الى الأمور الأساسية فيحلون المشاكل العالقة ويؤمنون الاستقرار والعيش الكريم للمواطنين. وليس التكريم او التقدير حالياً من اولويات الحكومة طبعاً فثمة امور أكثر إلحاحاً، ويكفيني ان أكرم من الجمهور الذي يتفاعل الى حد كبير مع رسومي واعمالي.

ماذا عن مشاركتك في المعارض هل تجد الأمر مفيداً؟

شاركت منذ حوالى السنتين بمعرض في بيروت ولكن الأحداث التي عصفت بنا حالت دون الاستمرار به. أما اليوم فأنا أحضّر لمعرض سينطلق في أول موسم الربيع على أمل أن يكون الاستقرار قد عمّ البلاد وان تكون هناك بيئة حاضنة للثقافة مجدداً.



هل تفكر بماركة مسجّلة باسمك؟

طبعاً، أريد ان تكون لي علامة تشبه تطلعاتي وتمثلني فعلاً، وتكون رسومي على ملابس أو أغراض للاستعمال اليومي يمكن للناس شراؤها من متاجر معيّنة. انه مشروع يخطر على بالي وانا أدرسه بجدية.

هل تفكر بامتهان الرسم والتخلــــــــــي عن الهندسة؟

أزاول اليوم عملي في مجال الهندسة فهو إختصاصي وأحبه. ولكني بدأت أفكر جدياً بالرسم كمهنة وأنا أسعى لتطويره والدخول في مشاريع جديدة من خلاله.




أخبرنا عن هذه المشاريع.

مع جمعية "لبن" وبدعم من الـ UNDP (برنامج الامم المتحدة الانمائي)، ثمة رسوم لكتاب يتمحور حول إنفجار الرابع من آب وكيف تأثرت منطقة الكرنتينا به وسيصدر قريباً.

كيف تعاطيت بنفسك مع هذه الحادثة الأليمة؟

أصابتني الصدمة في ذلك اليوم. كنت في بدارو حين وقع الانفجار، محولاً كل ما حولي الى نار ودمار فغدا كل شيء من حولي قاتماً وظلامياً وعجزت عن الاستيعاب. قصدت في اليوم التالي المناطق المتضررة وبالرغم من سوداوية المشهد كان الأمل في النهوض موجوداً، ودفعني الامر الى الرسم تعبيراً عمّا بداخلي. أحداث كثيرة عصفت بلبنان بالاضافة الى سلسلة إغتيالات لم تكشف خيوطها حتى اليوم. وأثبتت الأحداث ان مرتكبي الاجرام قد يبقون مجهولين وليس ذلك محلياً فحسب. أتمنى ان نكون سباقين في لبنان فنعرف من وراء انفجار المرفأ فتتحقق العدالة.




هل تفكر بالهجرة؟

نعيش تحدياً يومياً في لبنان فالضائقة المادية تطال الجميع والوضع الأمني ليس جيداً والاستمرار على هذا المنوال أمر مأسوي. آمل أن تتحسن الأمور كي نبقى في البلاد ونؤسس للمستقبل فنكون الشباب الواعد والرافعة التي تنهض بالوطن مجدداً.