شربل داغر

الإيديولوجيا وبؤس الفكر العربيّ

8 تشرين الثاني 2021

02 : 00

لا أتعس من الفكر عندما تتحكم بها الإيديولوجيات!

هذه خلاصة ما أصل إليه عندما أقرأ كتباً، ولمن يُعتبر منهم في عداد "المفكرين" في الثقافة العربية الحديثة.

فهذا مفكر يسترشد بالماركسية، وذاك بثقافة السلف، وغيره بالليبرالية، وغيرهم بهذه وتلك.

والأدهى من هؤلاء، من ينطلق بينهم من تفكير مذهبي في النظر إلى المجتمع والتاريخ...

ومن يريد التحقق بالمزيد مما أقول، له أن ينتبه إلى أن كتباً ودراسات لدارسِين عرب منتسبِين إلى العلوم الإنسانية، تبقى معدودة القيمة في الثقافة العربية الحديثة.

هكذا نولي أهمية فائقة لحسين مروة أو أدونيس أو محمد عابد الجابري، فيما لا نلتفت إلى ما كتبه علي الوردي أو كمال الصليبي أو هشام جعيط أو وضاح شرارة وغيرهم،

ذلك أن أهواء وميول المثقفِين تبقى مشدودة إلى السياسة، وتنظيرات المفكرين بوصفها قراءات فكرية، فيما هي إيديولوحية في عميقها.

لا يُولي هؤلاء المثقفون ذات القيمة للكتب والكُتّاب الذين ينظرون في أحوال المجتمعات والجماعات، ويتتبعون تواريخها وعلاقاتها بالفحص والدرس.

ذلك أن هناك فوارق أكيدة بين كُتّاب وكُتّاب، وبين مقاربات ومقاربات: منهم من يبني منظوراته على ارتكازات واستهدافات إيديولوجية، ومنهم من يَجمع مواد الدرس في المجتمعات نفسها، ويدرسها ويخلص بنتائج منها.

فهؤلاء المفكرون يطلبون ربط الفكر بالسياسة، بل يسخّرون الفكر لصالحها، فيما يبدو عمل الدارسين (في العلوم الإنسانية) أكثر قرباً ومعاينة لأحوال المجتمعات والجماعات في واقعها الفعلي، وفي أحوالها وحراكاتها المخصوصة.

كتب ابن خلدون عن ان السياسة عند العرب تتأتى من دعوى دينية، وهو ما يقوم به مفكرون عرب في الأزمنة الحديثة، ولكن بالاتكال على الإيديولوجية، أي الديانة الحديثة...

ولعل إخفاقات ما يسمى "الثورات العربية" في العقدين الأخيرين تعود في بعضها إلى تعويل "الثوريين" على الإيديولوجيات في المقام الأول، بدل الاتكال على دراسات العلوم الانسانية، التي كان لها أن تكشف صعوبة قيام مثل هذه الثورات في أبنية المجتمعات المعنية.

لعلهم يبحثون عن أنبياء جدد، ولكن في زمن الديكتاتوريات والعنف الأهلي!


MISS 3