جاد حداد

Yara... المتعة مفقودة

11 تشرين الثاني 2021

02 : 00

تتعدد الأفلام التي تأخذ تجارب مزعجة أو سيئة من الحياة الواقعية وتُحوّلها إلى مادة ترفيهية، لا سيما القصص المرتبطة بالتحقيقات الجنائية. غالباً ما تكون عوامل التشويق والغموض والحماس لاكتشاف الحقيقة بديلة عن مشاعر الألم والمعاناة واليأس التي ترافق أجواء الجرائم عموماً. يكفي أن نتذكر أفلاماً مثلThe Silence of the Lambs (صمت الحملان) أو Seven (سبعة) للتأكد من قدرة المخرجين على استخلاص جوانب ترفيهية مدهشة من القصص المأسوية. يحاول الفيلم الإيطالي الجديد Yara على شبكة "نتفلكس" تحقيق هذا الهدف انطلاقاً من جريمة قتل حقيقية. لكن هل ينجح هذا العمل في استخراج جوانب ترفيهية من تلك المعاناة أم يفشل في محاولته؟

الفيلم الجديد من كتابة وإخراج ماركو توليو جيوردانا ومن بطولة إيزابيلا راغونيز، وشيارا بونو، وروبرتو زيبيتي، وساندرا توفولاتي. هو يستكشف جريمة قتل الفتاة يارا غامبراسيو البالغة من العمر 13 عاماً. غادرت هذه الأخيرة مركزاً رياضياً في أحد الأيام ولم يشاهدها أحد بعدها وهي على قيد الحياة. إنها قضية حزينة وقد حظيت سابقاً بتغطية إعلامية واسعة. يؤثر مقتل أي شابة بريئة بهذه الطريقة المريعة بجميع الناس في كل مكان، وقد أحدثت هذه القضية في إيطاليا ضجة هائلة وتلتها سلسلة طويلة وشاقة من التحقيقات. يعرض فيلم جيوردانا جميع الوقائع المعروفة، ويكشف الأحداث من وجهة نظر تعليمية، ويسلّط الضوء على خطوات الشرطة لتحديد هوية القاتل.

من الناحية الترفيهية، يفشل الفيلم بالكامل لأنه يستعمل طريقة مملة لعرض الأحداث ويختار حوارات رتيبة، ويقدّم جميع الممثلين تقريباً أداءً باهتاً. يميل الفيلم إلى تبنّي مقاربة آمنة ومباشرة لعرض نتائج القضية. لكن حين يحاول بناء الشخصيات وتقديم مشاهد عاطفية، يفشل المخرج في تحقيق هدفه لأنه يستعمل أفكاراً مبتذلة على مستوى تطوير الشخصيات.

لا يكفي مثلاً أن تكون الشخصية التي تؤديها إيزابيلا راغونيز جميلة وشرسة وقوية، بل إنها أم مرهقة تجمعها علاقة متوترة مع ابنتها. إنه تفصيل متوقّع في هذا النوع من الشخصيات لأن عدداً هائلاً من الأفلام الأخرى يستعمل المقاربة نفسها. لكن لا مفر من أن يضعف الفيلم ويتخذ منحىً متكلفاً حين يختار هذه المقاربة. في مراحل معينة، يميل المخرج جيوردانا أيضاً إلى إضفاء طابع ميلودرامي على الأحداث لافتعال مواقف عاطفية مؤثرة، لكنه لا يصيب الهدف.



من الناحية البصرية، لا يتلاعب الفيلم كثيراً بتركيبة المشاهد أو الإضاءة أو أي عامل آخر قد يعطي القصة جواً مميزاً. بل تتجه الكاميرا نحو الممثلين بكل بساطة أثناء تقديم مشاهدهم. هذا الأسلوب يكفي على ما يبدو برأي جيوردانا. لكن فيما تتنافس الأفلام والمسلسلات اليوم للتفوق على بعضها البعض من حيث النوعية أسبوعياً، تبدو هذه المقاربة كسولة وباهتة بامتياز.

في المقابل، يبلي الفيلم حسناً في تقديم تفاصيل القضية لدرجة أن يبدو أقرب إلى إعادة تمثيل الأحداث في فيلم وثائقي. كان الكثيرون ليفضلوا على الأرجح أن يدخل العمل في خانة الأفلام الوثائقية لسرد هذه القصة، لأن المخرج لا يجيد على ما يبدو جمع المعلومات كلها في إطار فيلم سردي متكامل يشمل شخصيات لها دوافع وحاجات متنوعة.

تقدّم الممثلة إيزابيلا راغونيز أفضل ما لديها في هذا الدور، لكن يبقى تمثيلها باهتاً جداً مقارنةً بالأداء المتوقع من بطلة القصة. وحتى الخلفية التي تُضاف إلى شخصيتها تبدو مبتذلة في أفضل الأحوال، ولا يأخذ الفيلم عناء بناء شخصيتها بالشكل المناسب. سنشاهدها وهي تعمل بكل بساطة. حتى أن الفيلم يتعامل مع شخصية "يارا" بطريقة إنسانية بسيطة، فتُخبرنا بمخاوفها ورغباتها على شكل مذكرات. وبعيداً عن شخصيتها، يقدّم الجميع أداءً خشبياً وجامداً على نحو غريب.

تُحقق إنتاجات "نتفلكس" رواجاً كبيراً في الفترة الأخيرة، لكن لا تنجح الأعمال ذات النوعية الجيدة دوماً. بل توحي أفلامها بأنها ترتكز على أقل جهود ممكنة وتهدف بكل بساطة إلى تلبية الطلب المرتفع على أعمال المنصة بدل تفضيل النوعية على الكمية. يؤكد الفيلم الجديد للأسف على استمرار هذه النزعة التجارية.

قد لا يناسب العمل إلا الأشخاص المهتمين بهذه القضية أو كل من يريد اكتشاف معلومات عنها. لكنّ الجمهور الذي يبحث عن فيلم مشوّق أو مقنع يستطيع مشاهدة خيارات أفضل على "نتفلكس" أو منصات أخرى. قد تكون قصص الجرائم والمحاكمات ممتعة، لكن لا تنطبق هذه الصفة على هذا الفيلم!