القوّات العراقيّة تُقرّ للمرّة الأولى بـ"استخدام مفرط للقوّة" ضدّ المتظاهرين

02 : 11

قمع المحتجّين بالقوّة أدّى إلى ارتفاع حصيلة ضحايا التظاهرات (أ ف ب)

بعد قمع عنيف ودموي للمتظاهرين المطالبين بأبسط الحقوق الخدماتيّة، أقرّت القوّات العراقيّة للمرّة الأولى أمس بـ"استخدام مفرط للقوّة"، في وقت أعلنت قوّات "الحشد الشعبي" الموالية لطهران، جهوزيّتها للتدخل في حال طلبت الحكومة ذلك، بينما اعتبر المرشد الإيراني علي خامنئي أن "الأعداء" يُحاولون دق إسفين بين طهران وبغداد. وهكذا، وبعد ليلة من الفوضى في مدينة الصدر ذات الغالبيّة الشيعيّة في شرق بغداد، والتي تُعتبر معقلاً لأنصار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، الذي دعا الجمعة إلى استقالة الحكومة، ندّدت طهران على لسان مرشدها الأعلى بعمليّة "تآمر" باءت بالفشل، علماً أن ناشطين عراقيين اتّهموا الميليشيات المدعومة من الجمهوريّة الإسلاميّة بقنص المتظاهرين وتصفيتهم، خصوصاً وأن التظاهرات رفعت شعارات معادية لإيران.

وأعلن رئيس هيئة "الحشد الشعبي" فالح الفياض أن فصائله جاهزة للتدخّل لمنع أيّ "انقلاب أو تمرّد" في العراق، في حال طلبت الحكومة ذلك. وقال خلال مؤتمر صحافي في بغداد إن "هنالك من أراد التآمر على استقرار العراق ووحدته"، مؤكّداً أن "الحشد الشعبي"، الذي يعمل في إطار رسمي، يُريد "إسقاط الفساد وليس إسقاط النظام"، في ردّ على شعارات المتظاهرين خلال أسبوع من الاحتجاجات الدامية التي أسفرت عن مقتل أكثر من مئة شخص وجرح الآلاف. وأضاف الفياض: "نعرف من يقف وراء التظاهرات، ومخطّط إسقاط النظام فشل"، مشدّداً على أنّه "سيكون هناك قصاص لمن أراد السوء بالعراق". ووقعت مواجهات عنيفة في مدينة الصدر ليل الأحد - الإثنين. وفي تسجيلات مصوّرة انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، كان ممكناً سماع أصوات إطلاق رصاص متواصل، وأحياناً بالسلاح الثقيل، فيما بدا المتظاهرون وهم يُشعلون الإطارات ويُحاولون الاحتماء في تلك المنطقة، التي يُصعب دخولها على القوّات الأمنيّة ووسائل الإعلام.

وفي هذا الاطار، اعترفت القيادة العسكريّة العراقيّة بـ"استخدام مفرط للقوّة" خلال مواجهات دمويّة مع المحتجّين في مدينة الصدر، أسفرت عن مقتل 13 شخصاً ليل الأحد - الإثنين، بحسب مصادر أمنيّة وطبيّة. وأشارت خليّة الإعلام الأمني العراقي في بيان، إلى أن رئيس الوزراء عادل عبد المهدي وجّه "بسحب قطعات الجيش كافة من مدينة الصدر واستبدالها بقطعات الشرطة الاتحاديّة، وذلك نتيجة الأحداث التي شهدتها مدينة الصدر ليلة الأحد، وحصل استخدام مفرط للقوّة وخارج قواعد الاشتباك المحدّدة"، مؤكّدةً بدء إجراءات محاسبة العناصر الذين "ارتكبوا هذه الأفعال الخاطئة". وكانت السلطات العراقيّة، التي تتعرّض إلى انتقادات من المدافعين عن حقوق الإنسان، أكّدت أنّها تتقيّد "بالمعايير الدوليّة"، متّهمة "مندسين وقنّاصين مجهولين"، بإطلاق النار على المتظاهرين والقوّات الأمنيّة على حدّ سواء.

واستؤنفت الحياة تدريجياً في بعض شوارع بغداد التي شهدت صدامات عنيفة، لكن التوتر لم يهدأ في الوقت الذي تُضاعف فيه السلطات من إعلاناتها عن تدابير اجتماعيّة في محاولة لتهدئة غضب المتظاهرين الذين يقولون إنّ "ليس لديهم ما يخسرونه في بلد غني بالنفط"، حيث يعيش أكثر من شخص من بين كلّ خمسة تحت خط الفقر. وعلى الصعيد الديبلوماسي، أعلن رئيس الوزراء أنّه ناقش التطوّرات الأخيرة هاتفياً مع وزير الخارجيّة الأميركي مايك بومبيو، فيما وصل وزير الخارجيّة الروسي سيرغي لافروف إلى بغداد والتقى بالمسؤولين هناك. وفي ردّ فعله على التطوّرات في العراق، رأى خامنئي أن "الأعداء يسعون إلى التفرقة بينهما (إيران والعراق)، لكنّهم عجزوا ولن يكون لمؤامرتهم أثر"، مضيفاً: "إيران والعراق شعبان ترتبط قلوبهما وأرواحهما، وسوف يزداد هذا الارتباط قوّةً يوماً بعد يوم"، في حين اعتبر المتحدّث باسم الحكومة الإيرانيّة علي ربيعي أن هناك "مضمري سوء يُريدون تخريب أيّ انفراج بيننا وبين دول الجوار"، مضيفاً خلال مؤتمر صحافي أن إيران "تتأثر وتشعر بالقلق من أيّ توتر أو اضطرابات في دول الجوار". كما دعا الشعب العراقي إلى "ممارسة المزيد من ضبط النفس والبحث عن حلول ديموقراطيّة وقانونيّة لتلبية مطالبهم".في الموازاة، أعادت إيران أمس فتح معبر خسروي الحدودي مع العراق، وتوجّهت مجموعة من الزوار نحو العتبات المقدّسة، وفق ما أفادت وكالة أنباء الطلبة الإيرانيّة "إسنا". وأعلن المستشار العسكري للمرشد الأعلى يحيى رحيم صفوي أن من هم خلف الاضطرابات في العراق لن يتمكّنوا من ردع الإيرانيين عن الزيارة. إلى ذلك، أثارت سلسلة هجمات وتهديدات طاولت وسائل إعلام عدّة في العراق، قلق الأمم المتّحدة وصحافيين وناشطين، يُطالبون الحكومة بمنع "إسكات" الإعلام الذي يقوم بتغطية الاحتجاجات الشعبيّة. وعزّزت عمليّات الاقتحام التي وقعت نهاية الأسبوع الماضي، المخاوف حيال حرّية التعبير التي طاولها أوّلاً إقدام السلطات على حجب الإنترنت تماماً. ولم يتمّ استهداف وسائل الإعلام الدوليّة التي يتّخذ بعضها تدابير أمنيّة لضمان سلامة موظّفيها.


MISS 3