شربل داغر

الفن بين صورة وبلاغة

15 تشرين الثاني 2021

02 : 00

لو عدتُ إلى كتب البلاغة طلباً للصورة، أو لما يماثلها، لوجدتُ حديثاً قليلاً عنها، لفظاً ومعنى...

هكذا أجد، في الكلام عن التشبيه، حديثاً عن الصورة: "يسمى التشبيه تمثيلاً، إذا كان وجهُ الشبه فيه صورةً منتزعة من متعدد، وغير تمثيل إذا لم يكن وجه الشبه كذلك".

كما يرد كلام، في كتب البلاغة، عن الشبه، والتمثيل وغيرهما، مما يقترب من الصورة، لا من تعريفها، ما دام الكلام المقصود يشير الى: المحاكاة.

كما اقرأ عن المجاز اللغوي انه "اللفظ المستعمل في غير ما وُضع له (...)، والعلاقة بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي قد تكون المشابهة"...

مع ذلك عرف فن الماضي صوراً كثيرة، في العمائر، فوق الجدران، في المخطوطات، فوق الأواني وغيرها.

هذا يعني ان الكُتاب والادباء والعلماء، فضلاً عن الفقهاء، قلما اهتموا بمعاينة إنتاجات الفنون، مع انها ظاهرة لأعينهم.

لا نملك عن المساجد، على سبيل المثال، كتابات وصفية او تقويمية قديمة. لا نجد نصاً قديماً واحداً يتحدث عن فن الواسطي وغيره...

فيما نجد آلاف الصفحات عن الشعر والفقه والبلاغة وغيرها.

هكذا بقي عالَم الفن في عهدة الصناعات المادية، فيما بقي عالم البلاغة عموماً قي عليائه.

هكذا كان وجود الصورة في الخطاب اللغوي والادبي والتاريخي اصعب من وجودها في المصنوعات والإنتاجات المادية.

أهذا بعضُ ما يفسر ضعف الثقافة الفنية المادية في هذه المجتمعات؟ أهذا ما يُفسر فيها عدم الفهم، عدم القبول، لقيمة الصورة، سواء المالية أو الاعتبارية أو الرمزية وغيرها؟ أليس هذا ما يَجعل هذه المجتمعات بعيدة عن ثقافة الصورة، مسحورة بالكلام، بالحكاية، بالخطابة والأحاديث والسماع دون غيرها؟

غير أن هذا التباعد القديم راح يتساقط أكثر فأكثر، لصالح حضور متزايد لثقافة الصورة، في القيمة المالية والاعتبارية والرمزية، كما في خطاب الدرس والنقد.