شربل داغر

"طَرَبُ" القصيدة الحديثة

23 تشرين الثاني 2021

00 : 00

كتبَ نزار قباني في قصيدة شهيرة:

"يا شام يا شام ما في جعبتي طربٌ/أستغفر الشعر ان يستجدي الطربا"

(من "مفكرة عاشق دمشقي").

ينفي قباني، في هذه القصيدة، أي علاقة بين الشعر والطرب، وتالياً بين قصيدته والطرب.

قد يكون للعتب السياسي ما يبرر او ما يدفع إلى قول قباني الشعري... إلا أنه موضوعٌ طويل وشائك، قديم ومتأخر. فيما النقد او الدرس لا ينصرف إليه، خاصة في جديد البحث العربي، أو في حديثه. والغريب هو أنه ما جرى تقريب مشهد المطربِين والمطربات، فوق مسارحهم الغنائية في القرن العشرين، من مشهد أعداد من الشعراء في طلاتهم الجماهيرية او فوق منابر شعرهم في العهد نفسه...

كما قلما انتبهَ البحث إلى أن حداثة القصيدة قد لا تستهدف بالضرورة الطرب فيها وخارجها، ولا تستدعيه أو تتماوج فيه، بل قد تخاصمه.

المشهد واحد بطرفَين، وقد يتجاذبان جمهوراً في سعيهما. وما يدور يتعين بين الحاكم والشاعر حول بلد: كلٌ منهما يتوجه الى جمهوره، بكيفية مختلفة عن الآخر. ألا يكون هذا يستجلب الجمهور رشوةً وانتفاعاً وقمعاً وتحكماً، وذاك تغزلاً وطرباً واسترضاءً انفعالياً وميوعةً عاطفية؟ ألا يريد الشاعر شدَّ جمهورٍ صوبه، ما يجعله حارسَ القيم السارية، ومُنشدَ العواطف والتعبيرات المباحة، والحريصَ على إرث الاجداد؟

في هذا المشهد، لا يَبحث الشاعر عن قارئ، وإن اشترى هذا الأخير كتابَه، وطلبَ توقيعَه عليه. وإنما يبحث الشاعر عن مستمعِين، يتنصّتون لرنين الكلام حتى وإن أقبلوا على قراءة شعره في جريدة او كتاب. وهؤلاء، في واقع الحال، كتلةٌ، حشدٌ، وليسوا أفراداً يلتقون ويفترقون في ممرات القصيدة، بوصفها بيتاً له مداخل ونوافذ وشرفات عديدة.

لكن السؤال يبقى: ألا يدور الشاعر والحاكم في مدار استحواذي واحد، وفي تعايش نزاعي بينهما؟

أليس في الإمكان أن يَخرج الشاعر بقصيدته صوب أفق آخر، وأن يبني موقعاً مختلفاً له؟