جاد حداد

Passing... عودة إلى زمن العنصرية

24 تشرين الثاني 2021

02 : 00

عند مشاهدة فيلم Passing (اجتياز) المستوحى من رواية نيلا لارسن في العام 1929 للكاتبة والمخرجة ريبيكا هول، يصعب ألا نفكر بقصة فيلم Ma Rainey’s Black Bottom (قاع ما ريني الأسود) حيث يبيع الرجل الأسود "إليزا كوتور" روحه للشيطان. هذه الصفقة تجعله محصّناً ضد أي شكل من العواقب، بما في ذلك جرائم كبرى مثل ارتكاب جريمة قتل أو أي حوادث صغيرة قد تجرح غروره. كانت الاستعارات التي استعملها كاتب المسرحية الأصلية، أوغست ويلسون، ساخرة لأن "الطريقة الوحيدة التي تسمح لأي رجل أسود باكتساب الحرية التي يتمتع بها نظيره الأبيض خلال حقبة العشرينات كانت تقضي بعقد صفقة مع الشيطان". لكن سرعان ما نفهم السبب الذي دفع كوتور إلى إبرام هذا الاتفاق. لقد سلّم روحه لكنه لم يتخلَّ عن هويته. في السيناريو الأول، كان الجحيم ينتظر من يموت. لكن في السيناريو الثاني الذي تختاره شخصية "كلير" الحرّة (روث نيغا) في الفيلم الجديد، يستطيع الأحياء أن يزوروا الجحيم!

"كلير" امرأة سوداء تدّعي أنها بيضاء. هي مقنعة لدرجة أن تخدع عدداً كبيراً من الناس، بما في ذلك زوجها الحقير والعنصري "جون" (ألكسندر سكارسغارد). قبل أن نتعرّف على "كلير"، سنتابع قصة زميلتها القديمة في المدرسة الثانوية "أيرين" (تيسا تومسون) التي تحاول خداع الناس في أحد الأيام. تدخل "أيرين" المتوترة إلى مطعم خاص بأصحاب البشرة البيضاء وتجلس على أحد المقاعد. تحت إدارة المخرجة هول وبدعمٍ من مدير التصوير إدوارد غراو الذي يستعمل لونَي الأبيض والأسود بطريقة مدهشة، تُركّز الكاميرا مطولاً على وجه "أيرين" تحت القبعة التي أنزلتها إلى مستوى منخفض لدرجة أن تثير الشكوك. تكشف هذه اللقطة الجميلة فوراً أن "أيرين" يصعب أن تخدع أحداً بهذا الشكل.

لكن لا يدرك النوادل وأرباب العمل المحيطون بـ"أيرين" التفاصيل التي يتعرّف عليها أصحاب البشرة السوداء فوراً. سرعان ما تعرض الكاميرا المشهد الذي تراه "أيرين"، فتجول بنظرها في أنحاء المكان وتلاحظ "كلير" سريعاً. ثم تُركّز عليها عدسة الكاميرا لمدة مبالغ فيها. يسهل أن نشعر بأن المرأتَين تعرفان بعضهما، لكن تُخيّم أجواء من الشك والريبة على المكان لفترة.

ثم تبدأ "كلير" الحديث وتتقاسم المرأتان ذكريات قديمة وهوايتهما السرية الراهنة. هي تقيم في مدينة نيويورك فيما ينشغل زوجها بأعماله. تضيف "كلير" تفاصيل مبالغاً فيها إلى محادثتهما، فتتكلم عن أخبار وشائعات من بلدتها الأم. خلال هذه المحادثة، تذكر "أيرين" زوجها "براين" (أندريه هولاند) وابنَيها اللذين تقيم معهما في حي "هارلم". يظهر "جون" حين يقاطع لقاء الصديقتَين. هو يظن أن "أيرين" من أصحاب البشرة البيضاء وأنها تشاركه نظرته إلى العالم، فيكشف عن وجهه الحقيقي كما يفعل أمثاله دوماً حين يظنون أنهم وسط أصدقائهم.



ثم يبدأ واحد من أفضل مشاهد تومسون في الفيلم. قد يخفي الحوار المريع الذي يدور ظاهرياً حقيقة ما تفعله، لذا يجب أن نُركّز في هذا المشهد على سرعتها في التحكم بنفسها حين تكاد لغة جسدها تخونها. يتكلم "جون" عن كراهيته لأصحاب البشرة السوداء، وهو أمر متوقع. ثم يقول إن "كلير" تكرههم أيضاً لكنها "تزداد قتامة مع مرور كل سنة على زواجنا". تبدي تومسون ونيغا في هذا المشهد ردود أفعال مختلفة لكن سلسة بالقدر نفسه. في لحظة معينة، قد نشعر بأن "أيرين" ستهاجم "كلير" بسبب زوجها السوقي، وتضيف المخرجة هول والممثلون جواً من التوتر الفائق إلى هذا المشهد بدرجة تضاهي مشاهد المطاردة في أفلام الحركة.

لكن تبقى شخصية "كلير" غامضة من ناحية معينة وقد تطرح أكبر مشكلة في الفيلم. تقدم نيغا أداءً ممتازاً بهذا الدور، لكن قد يضطر المشاهدون لتفسير جوانب من شخصيتها. سرعان ما يتبين أن "أيرين" تمثّل المشاهدين من هذه الناحية لأننا سنكتشف الشخصيات معها. حين تحاول استكشاف خفايا "كلير" والتصالح مع مشاعرها الخاصة، سيرافقها الجمهور في هذه التجربة. أخيراً يبرع مدير التصوير غراو، ومديرة المونتاج سابين هوفمان، ومؤلف الموسيقى التصويرية ديفونتي هاينز، في اختيار الأجواء الساحرة التي تجذب الجمهور بسهولة. إنه فيلم سريع الأحداث ويبدو فيه المزاج العام أشبه بحركات سيمفونية متناغمة. يشمل العمل أفكاراً ثقيلة، لكنه لا يبالغ في عرض تفاصيلها. حين يحاول "براين" تحذير ابنَيه من المشكلة العنصرية التي سيواجهانها في العالم، تفضّل "أيرين" أن يحافظا على درجة من البراءة في صغرهما. هاتان الفكرتان مبررتان مع أن إحداهما ساذجة جداً. تتطور أحداث الفيلم كله في هذه الأجواء المتقلبة ويحافظ العمل على أسلوب متوازن ومتقن. قد يتوقع الجميع النهاية، لكنها تشمل مشاعر مفاجئة من التعاطف والحزن، علماً أن الفيلم يضمّ مظاهر سلسة من هذه المشاعر على مر أحداثه.


MISS 3