وداعاً سماح إدريس... تاريخ من النضال والمقاومة الثقافية

02 : 00

سماح إدريس

غادرنا الكاتب والمترجم والناشر سماح إدريس عن عمر يناهز 60 عاماً أمس الأول، أحد أبرز الوجوه الثقافية ورئيس تحرير مجلة "الآداب" منذ 1992 لغاية 2012 التي أسّسها والده سماح إدريس في العام 1953، قبل أن يتولّى رئاسة تحرير إصدارها الإلكترونيّ منذ العام 2015. رحل بعد صراع مع السرطان خلال الأسابيع الأخيرة، الا أنّ اعماله ستبقى خالدة ولا سيما دراساته الثقافيّة واللغويّة فضلاً عن التزامه السياسي الذي برز في ممارساته مع تأسيس حملة "مقاطعة داعمي إسرائيل في لبنان" وتجديد المقاربة القومية العربية ونشر الفكر العلماني.

ولد الراحل في بيروت في العام 1961، والدته الكاتبة والمترجمة اللبنانية عايدة مطرجي. درس الاقتصاد في "الجامعة الأميركية في بيروت"، من ثم حاز شهادة الماجيستير في الأدب العربي من الجامعة نفسها، قبل أن يُكمل دراسته في الولايات المتحدة ويحصل على الدكتوراه من جامعة كولومبيا في دراسات الشرق الأوسط (1991).



رسالة من جورج إبراهيم عبد الله


متعدد الاهتمامات

كان لامعاً في تعدّد اهتماماته، حيث نشط في الحياة الثقافيّة في بيروت، مصدراً كتابين في النقد الأدبي هما "رئيف خوري وتراث العرب" (1986) حول الناقد اللبناني رئيف خوري ومنهجه الفريد في النقد، و"المثقف العربي والسلطة: بحث في روايات التجربة الناصرية" (1992) الذي يبحث في علاقة المثقّف العربي بسلطات بلاده الرسميّة. كما نشر أربع روايات للناشئة وإحدى عشرة قصة مصورة للأطفال من بينها "تحت السرير"، "حين قرّر أبي"، "الملجأ"، "النصّاب"، "عالم يسع الجميع"، "خلف الأبواب المقفلة"، و"فلافل النازحين"، ايماناً منه بضرورة تبسيط الفصحى وتقريبها من الأطفال. وفي فترة الحجر الصحي، عمد الى قراءة القصص عبر الفيديو ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي لتصل الى أكبر كمّ من الأطفال في منازلهم. هذا بالإضافة الى عشرات المقالات السياسية والفكرية واللغوية، كما ساهم في ترجمة "صناعة الهولوكوست: تأملات في استغلال المعاناة اليهودية" (2001)، "إسرائيل، فلسطين، لبنان: رحلة أميركي يهودي بحثاً عن الحقيقة والعدالة" (2008) لنورمان فينكلشتايــــن، و"الماركسية والدين والاستشراق" (2015) لجيلبر الأشقر.



في المقابل، بقي التزامه السياسي حاضراً في صلب ممارسته الثقافية ككاتب وناشر وناشط، أكان في عمله في مجلة "الآداب" أو في "حملة مقاطعة داعمي إسرائيل في لبنان" التي يعدّ أبرز مؤسّسيها عقب مجازر جنين سنة 2002، كجزء من حملة مقاطعة "سرائيل" حول العالم. ولم يتوقف عن ذلك حتى أثناء مرضه، فاستمر بمواقفه المؤيدة للمقاومة اللبنانية والفلسطينية ودفاعه عنها في وجه "المطبعين" من دول وأنظمة عربية. كما انكبّ في السنوات الأخيرة على العمل والمساهمة في تأليف معجم "المنهل العربي الكبير" عن دار الآداب، مستأنفاً مساهمة والده سهيل إدريس وبمشاركة العلامة صبحي الصالح، الذي سيكون لدى صدوره أكبر وأشمل معجم عربي- عربي حديث مؤلف من 3 اجزاء.



افتتاحية أخيرة

على اثر تدهور صحته السريع، تلقّى إدريس الكثير من الرسائل التي تدعوه إلى التماسك والصمود، وكان ينشرها عبر "فيسبوك"، من بينها رسالة من جورج إبراهيم عبد الله من السجون الفرنسية ومن الأمين العام لـ"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" أحمد سعدات.



وعلى الرغم من صعوبة وضعه الصحّي في الأيّام الأخيرة، تمسّك برسالة الثقافة والكتابة والنشر، فكتب في مجلة "الآداب" التي صدر عددها الأخير في تموز 2021 افتتاحية عنوانها: "ترف الإنتاج الثقافي المستقلّ؟"، تطرّق خلالها لعوائق الإنتاج الثقافيّ والنشر في الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان، مشدّداً على ضرورة الاستمرار في العمل، كاتباً: "ومع ذلك، فنحن لا نملك مهنةً غيرَ الكتابة والنشر المستقلّيْن. وسنواصل هذه المهنة، مهما صعبت الظروف، ومهما تعثّرْنا أو تأخّرْنا أو كبوْنا. وسنكون إلى جانب كلِّ من يعمل، بكدّ وتفانٍ وحبّ، على الخلاص من سارقي أحلام شعبنا في الحياة الكريمة الحرّة".



MISS 3