جاد حداد

رابط بين إرتفاع ضغط الدم والصرع

4 كانون الأول 2021

02 : 00

أجرى باحثون من كلية الطب التابعة لجامعة بوسطن الأميركية دراسة جديدة حول الرابط بين عوامل الخطر الوعائية ونشوء الصرع. فاكتشفوا أن ارتفاع ضغط الدم يرتبط بزيادة مخاطر الإصابة بالصرع في عمر متقدم بنسبة الضعف تقريباً. زادت نسبة الخطر أيضاً لدى من لا يأخذون أي أدوية لتنظيم ضغط دمهم. نُشرت نتائج الدراسة في مجلة "الصرع".

تحليل البيانات

استعمل الباحثون بيانات من "دراسة فرامينغهام للقلب" التي بدأت في العام 1948 ولا تزال مستمرة حتى الآن. تتعقب دراسة فرعية تابعة لها النتائج الصحية لدى 5124 شخصاً من أولاد المشاركين الأصليين بناءً على فحوصات طبية تتكرر كل أربع سنوات.

في المحصلة، استخدم الباحثون بيانات 2986 شخصاً كانوا قد خضعوا للجولة الخامسة من الفحوصات بين العامين 1991 و1995. كان المشاركون في عمر الخامسة والأربعين على الأقل خلال فترة الدراسة، وقد شملت سجلاتهم الصحية بيانات حول عوامل الخطر الوعائية.

كان ضغط الدم الانقباضي والانبساطي جزءاً من عوامل الخطر الوعائية التي جمعها الباحثون. اعتبر العلماء ضغط الدم مرتفعاً إذا بلغ الضغط الانقباضي 140 ملم زئبق وما فوق، والضغط الانبساطي 90 ملم زئبق وما فوق، تزامناً مع أخذ أدوية خافضة للضغط.

أجرى الباحثون أيضاً فحوصات لتقييم عوامل مؤثرة مثل مرض السكري، ومستويات الكولسترول، وعادة التدخين، وأمراض القلب والأوعية الدموية، والجلطات الدماغية، ومؤشر كتلة الجسم.

للتأكد من إصابة المشاركين بالصرع، استعمل الباحثون مراجعات بيانية روتينية للأمراض العصبية، وتقارير ذاتية من المرضى حول نوباتهم، والمراجعة التاسعة للتصنيف الدولي للأمراض المرتبطة بمرض الصرع أو نوباته، ووتيرة استعمال الأدوية المضادة للصرع.

استخدم الباحثون أيضاً تقنيات التصوير الدماغي والتخطيط الكهربائي للدماغ وبيانات حول القلب ومعطيات مؤثرة أخرى للتأكد من حالات الصرع، فرصدوا 55 نموذجاً من إصابات الصرع، وكان 26 منها مؤكداً، و15 محتملاً، و14 مشتبهاً به. بلغ متوسط أعمار المشاركين 73.8 عاماً في فترة التشخيص.

اكتشف العلماء أن ارتفاع ضغط الدم يرتبط بزيادة خطر الإصابة بالصرع بنسبة الضعف تقريباً. لكن لم يبرز أي رابط بين الصرع وعوامل الخطر الأخرى.

بعد استبعاد من يأخذون أدوية خافضة للضغط، لاحظ الباحثون أن ارتفاع ضغط الدم يرتبط بزيادة مخاطر الصرع بمعدل 2.44 مرة. تبيّن أيضاً أن كل زيادة بمعدل 10 ملم زئبق في الضغط الانقباضي ترتبط بارتفاع مخاطر الصرع بنسبة 17%.

الآليات الكامنة

تتعدد النظريات التي تفسّر الرابط بين الصرع وارتفاع ضغط الدم. ربما تنشط إحدى الآليات عبر نظام الرينين والأنجيوتنسين الذي ينظم ضغط الدم.

تكشف الأبحاث أن الفئران، بعد تعرّضها لنوبات متكررة، تحمل عناصر من نظام الرينين والأنجيوتنسين أكثر من القوارض التي لا تتعرض لأي نوبات صرع بمعدل يتراوح بين 2.6 و8.2. كذلك، أدت الأدوية الخافضة للضغط، التي تُقلّص عناصر نظام الرينين والأنجيوتنسين، إلى تأخير ظهور نوبات الصرع وتراجع وتيرتها.

لكن لا بد من إجراء أبحاث إضافية لفهم مدى قدرة هذه الآلية على تفسير الرابط بين الصرع وارتفاع الضغط، لأن أبحاثاً أخرى تذكر أن تأثير هذا النظام يبقى محدوداً.

يظن الباحثون أن آلية محتملة أخرى تتعلق بمرض الأوعية الدموية الصغيرة: في هذه الحالة، تتضرر جدران الشرايين والشعيرات الدموية الرفيعة، فلا تنقل كمية كافية من الدم الغني بالأوكسجين إلى مختلف أعضاء الجسم. في الدراسة الجديدة، اكتشف العلماء أيضاً أن مدة ارتفاع ضغط الدم هي جزء من المؤشرات القوية على الإصابة بمرض الأوعية الدموية الصغيرة في مرحلة متقدمة من الحياة.

رصد الباحثون روابط بين مرض الأوعية الدموية الصغيرة وصرع الفص الصدغي. تشمل الآليات المحتملة احتشاءات قشرية دقيقة، وإصابات صغيرة في النسيج القشري، واضطراب ألياف الربط القصيرة، وقد تؤدي هذه العوامل إلى نشاط مفرط يُمهّد لنشوء نوبات الصرع. تكون ألياف الربط القصيرة صلة وصل بين المناطق المجاورة للقشرة الدماغية.

يستنتج الباحثون أن ارتفاع ضغط الدم مؤشر مستقل على الصرع في عمر متقدم، وقد يزيد خطر الإصابة بنوبات الصرع بنسبة الضعف بعد عمر الخامسة والأربعين.

لكنهم يذكرون أن دراستهم تبقى محدودة على مستويات عدة، فقد شملت بشكلٍ أساسي أصحاب البشرة البيضاء، وقد لا تنطبق على جميع الانتماءات العرقية والإثنية. كذلك، يقول الباحثون إن طبيعة الدراسة المبنية على مراقبة المشاركين تعني أنها تعجز عن إثبات وجود أي علاقة سببية بين مختلف العوامل.

يوضح الدكتور جايسون هوبتمان، جراح أعصاب في مستشفى "سياتل" للأطفال: "هذه النتائج مثيرة للاهتمام فعلاً، إذ لطالما احتدم الجدل حول اعتبار ارتفاع الضغط جزءاً من عوامل الخطر المستقلة للإصابة بالجلطات الدماغية. لكن بغض النظر عن حصول جلطة دماغية أو غيابها، قد يؤدي ارتفاع الضغط إلى تضرر الشرايين الصغيرة في أنحاء الدماغ، ما يُسبب إصابات على المستوى المجهري. هذه الإصابات قد تطلق نوبات الصرع، بغض النظر عن حصول جلطة دماغية ذات أعراض واضحة. إنه بحث مهم لأن ارتفاع ضغط الدم شائع وقابل للتغيير، ما يعني أننا نستطيع تقييمه ومعالجته".

يقول الدكتور سنجاي براساد، طبيب قلب في مركز "مايو كلينك" في لندن لم يشارك في الدراسة الأخيرة: "هذه النتائج ليست مفاجئة، بل إنها تتماشى مع استنتاجات سابقة. ترتكز هذه الدراسة على مراقبة المشاركين، ما يعني أنها لا تؤكد على وجود رابط مباشر وجازم. لكنها تستند إلى المعلومات التي نعرفها وتسلّط الضوء على أهمية أسلوب الحياة والرياضة المنتظمة وتخفيف استهلاك الملح للسيطرة على ضغط الدم. إنها مقاربة أساسية لتقليص معدلات المرض. تشير هذه النتائج إلى ضرورة التحكم بضغط الدم وتُشجّع الجميع على مراقبة ضغطهم، لا سيما بعد عمر الخمسين. يجب أن نُقيّم أيضاً نتيجة السيطرة على ضغط الدم لدى المصابين بالصرع وبعد التعرّض لجلطة دماغية".

يحتل الصرع المرتبة الثالثة على لائحة الأمراض العصبية الأكثر شيوعاً لدى كبار السن بعد الجلطات الدماغية والخرف.

تكشف الأبحاث أن حالات الصرع في عمر متقدّم أصبحت أكثر انتشاراً في آخر عقدَين، ومن المتوقع أن يستمر ارتفاع عدد المصابين بهذه الحالة تزامناً مع توسّع فئة كبار السن. قد يصبح الصرع أيضاً من أبرز الحالات المثيرة للقلق في مجال الصحة العامة.

مع ذلك، لا تزال الأسباب الكامنة وراء الصرع غير واضحة في 32 إلى 48% من الحالات. تذكر الأبحاث أن عوامل الخطر التي تؤثر على الأوعية الدموية قد تزيد احتمال الإصابة بالصرع في عمر متقدم. وتشير دراسات أخرى إلى ارتباط هذه العوامل بالصرع، بدءاً من عمر الثلاثينات.

من خلال فهم دور عوامل الخطر الوعائية في نشوء الصرع في عمر متقدم، قد يتمكن صانعو السياسات من طرح تدابير صحية واستراتيجيات وقائية لكبح معدلات المرض والتحكم بها.


3