دانيال الحداد

بيع بعض ممتلكات الدولة لتسديد جزء من أموال المودعين حقّ أم باطل؟

11 كانون الأول 2021

02 : 00

يستمرّ النقاش في الأوساط الحكومية والاقتصادية حول كيفيّة الخروج من دوامة الدين العام وسداد أموال المودعين، وجميع الحلول المقترحة تصطدم بالواقع المالي المأسوي الذي تعانيه الدولة والمصرف المركزي والمصارف.

إنّ أصل المشكلة يكمن في الدين العام الذي بلغ حالياً نحو 100 مليار دولار، وهو في الحقيقة يمثل عظيم أموال المودعين في المصارف، أي الأموال التي استدانها المصرف المركزي من المصارف تباعاً منذ العام 1992، وقام بدوره بتديينها إلى الدولة لتغطية عجز الموازنات السنوية واستيراد البضائع بالعملات الصعبة. هذه الموازنات لم تشهد منذ نحو 30 سنة أيّ فائضٍ إيجابي، ما يؤكّد نزعة الشعبوية وانعدام المسؤولية لدى المجالس النيابية والحكومات المتعاقبة طوال المراحل الماضية.

ماذا بقي من الودائع؟

بالنسبة إلى الودائع في المصارف، ووفق آخر الاحصاءات، فقد بلغت قيمتها نحو 105 مليارات دولار، بالاضافة الى نحو 30 ألف مليار ليرة لبنانية. فما هو الموجود منها؟

للحقيقة، تبخرت معظم هذه الأموال، ولم يبق منها فعلياً سوى الاحتياط الالزامي في مصرف لبنان، المقدر بنحو 14 مليار دولار، واذا أضفنا ديون المصارف لدى القطاع الخاص وأصول المصارف يصبح الرقم في أفضل الأحوال نحو 25 مليار دولار، أي ما مجموعه نحو 25 % من قيمة الودائع.

المسؤولية واضحة ولا تقبل الشك، وهي تقع على الثلاثي: المصارف، المصرف المركزي، الدولة.

المصارف لم تأبه للمخاطر، فقامرت بأموال المودعين بتديين معظمها الى المصرف المركزي وجزء منها إلى الدولة مباشرة بواسطة سندات الخزينة، والمصرف المركزي خاطر بهذه الأموال بتديينها إلى الدولة، والدعم منها وتأمين العملة الصعبة للاستيراد، والدولة، كما ذكرت، قامت بصرفها لتغطية عجز موازناتها السنوية.

بيع ممتلكات الدولة

بالعودة إلى موضوع المقال، السؤال المطروح : هل إن بيع بعض ممتلكات الدولة لتسديد جزء من الديون المترتبة عليها أي عملياً لتسديد جزء من أموال المودعين، حقّ أم باطل؟

هنا تنقسم الآراء إلى وجهتي نظر، وجهة تقول: إنه لا يجوز ذلك، كون الممتلكات العامة هي ملك الشعب كلّه وليست ملك المودعين فقط، ووجهة أخرى تقول: إن على الدولة التي تحوز أعلى درجات سلطة القانون والمسؤولية أن تفي بالتزاماتها تجاه الدائنين، سواء كانوا من المودعين أو غيرهم، وعدم التزامها سيشرّع الباب واسعاً أمام تفلّت الكيانات الخاصة من موجباتها المادية والمعنوية تجاه الغير.

لحسم هذا الجدل وبمعزل عن الشقّ القانوني الذي يلزم كلاً من الجهات الثلاث تسديد ديونه، نطرح السؤال الآتي: هل استفاد الشعب اللبناني كلّه من الدين العام أي من أموال المودعين، ليكون من المنطق بيع جزءٍ من الممتلكات العامة لمصلحة هؤلاء المودعين؟

الجواب نعم بكلّ تأكيد، فحجّة الهدر والفساد وعلى صحّتها، لا تنفي أنّ الشعب اللبناني كلّه وبدرجات متفاوتة بطبيعة الحال، استفاد من أموال المودعين بشكل مباشر أو غير مباشر، وأوجه الاستفادة المتمثلة بعجز الموازنات السنوية عديدة جداً، سأعرض بعضها وفق الآتي:

- تثبيت سعر صرف الدولار على سعر 1500ليرة لبنانية منذ العام 1992ولغاية العام 2019، والذي لم يكن ليتحقّق لولا تدفق ودائع المقيمين والمغتربين بالعملات الصعبة إلى المصارف.

- تأمين الأموال لإعادة إنشاء البنى التحتية في لبنان بعد انتهاء الأحداث الداخلية في العام 1990، وإثر الاعتداءات الاسرائيلية في الأعوام: 1993، 1996، 2006، وسواها من الأحداث.

- قروض الإسكان التي ناهزت الـ200 ألف قرض سكني في الحقبة أعلاه، والمدعومة من مصرف لبنان أي عملياً من أموال المودعين.

- قروض مؤسسة "ايدال" والقروض المختلفة الأخرى المدعومة أيضاً من المصرف المركزي.

- تغذية موازنات الصناديق والهيئات المختلفة، وخصوصاً مجلس الجنوب وصندوق المهجرين ومجلس الإنماء والإعمار  والهيئة العليا للإغاثة والجمعيات الإنسانية.

- التوظيف العشوائي في الدولة، الذي بلغت نسبتة 35% من اليد العاملة الوطنية، فيما النسبة الطبيعية العالمية تتراوح بين 10% و20% حداً أقصى، وقد استفادت منه شرائح واسعة من الشعب اللبناني. هذا بالاضافة إلى زيادات الأجور المضخّمة التي لم تكن تتناسب إطلاقاً مع الواقع الاقتصادي السيئ، خصوصاً لجهة انعدام الإنتاج الوطني.

- تأمين العملات الصعبة من الودائع لتغطية عمليات استيراد السلع والبضائع من الخارج في ظلّ استمرار عجز ميزان المدفوعات والميزان التجاري.

الدولة ملزمة بسداد ديونها

ممّا سبق، يتضح أنّ الدولة ملزمة قانونياً ووطنياً بسداد ديونها للمودعين وغيرهم، وأنّ من يرفض بيع الدولة قسماً من ممتلكاتها للوفاء بالتزاماتها، تحت ذريعة أنّ هذه الممتلكات تعود للشعب كلّه وليس للمودعين فقط، إنّما يهدف إلى تحميل مصارف عاجزة وشبه مفلسة كامل المسؤولية عن ضياع أموال المودعين، وبالتالي يستبطن في نيّاته الوصول إلى مرحلة إفلاسها  والبدء من نقطة الصفر بمصارف جديدة للشروع  لاحقاً في عملية النهب.

المؤمن لا يلدغ من الجحر مرّتين، فإفلاس المصارف الحالية يعني انتهاء القطاع المصرفي اللبناني إلى الأبد، لأنّه من سابع المستحيلات بعد انعدام الثقة أن يضع المواطن اللبناني وديعة في مصرف جديد، يدرك سلفاً أنّها ستنهب مرة ثانية وثالثة ورابعة....

MISS 3