لقاء وعشاء في بعبدا وثلاثة أيام يمضيها في لبنان المنهار

غوتيريش للسياسيين: إعملوا معاً لحل الأزمة... وللّبنانيين "إنخرطوا بقوة في اختيار كيفية تقدم البلد"

02 : 00

"لبنان يواجه مرحلة صعبة للغاية وعلى القادة ان يستحقوا شعبهم"

في زيارة اكتسبت طابع التضامن مع لبنان، استهل الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريش جولته على المسؤولين من قصر بعبدا تحت هذا العنوان، داعياً القادة السياسيين الى العمل معاً لحل الأزمة، مؤكداً انهم لا يملكون، عند مشاهدة معاناة الشعب اللبناني، الحق في الانقسام وشل البلد، ويجب ان يكون رئيس الجمهورية اللبنانية رمزاً لهذه الوحدة الضرورية. واعتبر ان الانتخابات العام المقبل ستكون المفتاح، ودعا الشعب اللبناني الى الانخراط بقوة في عملية اختيار كيفية تقدم البلد.

في المطار

وكان غوتيريش وصل الى بيروت آتياً عن طريق باريس في زيارة رسمية للبنان تستمر حتى بعد غد الأربعاء يلتقي في خلالها، الى الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي، عدداً من القيادات الروحية وممثلين عن المجتمع المدني.

ومن المقرر أن يقف دقيقة صمت في مرفأ بيروت، تكريماً لأرواح ضحايا انفجار المرفأ. كما يقوم بزيارات ميدانية يلتقي خلالها المتضررين من الأزمات المتعددة التي يواجهها لبنان، على أن يزور ايضاً الجنوب اللبناني ليلتقي قوات "اليونيفيل" العاملة هناك ويجول على الخط الأزرق.

وقد اتخذت في المطار تدابير أمنية مشددة لهذه الغاية. وفور نزوله من الطائرة، كان في استقباله بالمطار وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب والمبعوثة الدائمة للبنان في الأمم المتحدة السفيرة امال مدللي، والمنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا ومديرة المراسم في وزارة الخارجية عبير علي.

وبعد استراحة قصيرة في قاعة الشرف، غادر غوتيريش المطار مكتفياً بالقول: "انها ليست الزيارة الأولى لي الى لبنان، لقد زرته سابقاً، وانا اليوم هنا للتضامن معه ومع الشعب اللبناني".

في بعبدا

وتوجه غوتيريش الى قصر بعبدا وعقد لقاء مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي رحب بالأمين العام في لبنان في زيارته الأولى إليه وهو على رأس المنظمة الدولية، بعدما تولى من العام 2005 الى العام 2015 مسؤولية مفوضية شؤون اللاجئين، وأعلن ان بين لبنان والأمم المتحدة "شراكة عميقة تعود جذورها الى انشاء المنظمة حيث كان لبنان من الدول الخمسين التي شاركت في تأسيس الأمم المتحدة في العام 1945 في سان فرنسيسكو، ومن الذين ساهموا في وضع شرعة حقوق الانسان في العام 1948"، لافتاً الى انه "خلال الأزمات العديدة التي عصفت بلبنان منذ العام 1948 واللجوء الفلسطيني وحتى يومنا هذا مروراً بالحرب اللبنانية، والحروب الإسرائيلية العديدة، وصولاً الى انعكاسات النزوح السوري الكثيف، وانفجار مرفأ بيروت، والأزمة الاقتصادية المالية، وتداعيات الأزمات الحالية غير المسبوقة؛ فإن منظمة الأمم المتحدة كانت عامل دعم ومؤازرة للاستقرار خصوصاً عبر قوات "اليونيفيل" في الجنوب، وشريكاً في التنمية عبر أجهزتها العاملة في لبنان".

وأوضح عون انه بحث مع غوتيريش "في الأزمات المتلاحقة التي يعاني منها لبنان والسبل الآيلة الى الخروج منها لا سيما ما يتعلق منها بالأوضاع الاقتصادية والمعيشية التي تردّت خلال الأشهر الأخيرة". وأكد له "اننا نعمل على تجاوزها ولو تدريجياً من خلال وضع خطة التعافي الاقتصادي لعرضها على صندوق النقد الدولي والتفاوض بشأنها، كذلك بالتزامن مع إصلاحات متعددة في المجالات الاقتصادية والمالية والإدارية، وإعادة النظر بعدد من إدارات الدولة وضبط الانفاق ووقف الهدر ومكافحة الفساد، وبلوغ التدقيق المحاسبي الجنائي في حسابات مصرف لبنان أهدافه في كشف المسؤولين عما لحق بالبلاد من خسائر على مر السنين الماضية، والهدف يبقى اعتماد حوكمة مستدامة تصحح الخلل الذي اعترى مؤسسات الدولة". كما أكد له "ان لبنان سيشهد في الربيع المقبل انتخابات نيابية ستوفر لها كل الأسباب كي تكون شفافة ونزيهة تعكس الإرادة الحقيقية للبنانيين في اختيار ممثليهم". ورحّب بالمناسبة "بأي دور يمكن ان تلعبه الأمم المتحدة في متابعة هذه الانتخابات بالتنسيق مع السلطات اللبنانية المختصة".

ولفت عون الى انه تطرق الى موضوع النزوح السوري وأكد على غوتيريش "ضرورة ايجاد مقاربة جديدة لموضوع النازحين السوريين الى لبنان، هذه الأزمة المستمرة والمتصاعدة منذ أكثر من 10 سنوات مع ما تشكله على لبنان من أعباء ضخمة، خاصة في ظل الظروف الحالية، وضرورة تحمّل المجتمع الدولي مسؤولياته وتشجيع العودة الآمنة للنازحين الى قراهم ووطنهم".

وفي ما يتعلق بالوضع مع اسرائيل فقد أعاد عون التأكيد للامين العام "على التزام لبنان تنفيذ القرار 1701 بكل مندرجاته والحفاظ على الاستقرار القائم على الحدود الجنوبية، والتعاون الدائم بين الجيش اللبناني وقوات "اليونيفيل"، لافتاً إياه "الى استمرار الانتهاكات الإسرائيلية البرية والبحرية والجوية، لا سيما استخدام الأجواء اللبنانية منطلقاً لاعتداءات جوية متكررة على سوريا". وشدّد امامه "على تمسك لبنان بممارسة سيادته على كامل أراضيه، وحقوقه الكاملة في استثمار ثرواته الطبيعية لا سيما منها في حقلي الغاز والنفط، والاستعداد الدائم لمتابعة المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية الجنوبية".

وجدّد عون شكره للمنظمة الدولية ولكل أجهزتها العاملة في لبنان "على كل الجهود المبذولة"، وخص بالشكر الأمين العام "على تضامنه الدائم مع لبنان، والذي تجلى بالموقف وبالمساعدات وبعقد المؤتمرات الخاصة دعما للشعب اللبناني".

غوتيريش

وعبّر غوتيريش عن سعادته بالعودة الى لبنان، وتحدث عن "لقاء ناجح" مع عون وأعرب عن "تقدير الامم المتحدة والمجتمع الدولي على كرم لبنان في استضافة الكثير من اللاجئين بسبب الصراع في سوريا"، مذكراً بأنه كان في السابق مفوضاً أعلى للاجئين لمدة عشر سنوات، "ومن خلال تجربتي طوال هذه السنوات، وجدت القليل من الدول والشعوب التي كانت سخية الى هذه الغاية تجاه اللاجئين، كما كان لبنان تجاه اللاجئين السوريين. ولقد ترك الأمر تداعيات جمّة على الاقتصاد اللبناني كما على المجتمع اللبناني، وبسبب النزاع في سوريا، فإن الوضع الأمني في لبنان تأثر كذلك. وانا اؤمن ان المجتمع الدولي لم يقم كفاية بدعم لبنان، كما فعل تجاه دول أخرى فتحت حدودها وابوابها وقلبها للاجئين، فيما للأسف بعض الدول الأكثر قدرة أقفلت حدودها الخاصة. من هنا فإن مثال لبنان هو مثل يستدعي تحمل مسؤولية من قبل القيمين على الأمن الدولي من اجل دعم لبنان بالكامل، بهدف مواجهة الأعباء التي تواجهه في المرحلة الراهنة".

وأبلغ غوتيريش عون انه اتى ومعه "رسالة واحدة بسيطة وهي ان الامم المتحدة تقف متضامنة مع الشعب اللبناني"، كاشفاً انه سيلتقي "شريحة كبيرة من قادة المجتمع السياسي والديني والمدني، بمن فيهم النساء والشباب، بهدف مناقشة كيفية تقديم المساعدة الافضل للشعب اللبناني ليتغلب على الازمة الاقتصادية والمالية الحالية، والعمل على احلال السلام والاستقرار والتنمية المستدامة". وحثّ "القادة السياسيين اللبنانيين، على العمل معاً لحل هذه الازمة"، ودعا "المجتمع الدولي الى تعزيز دعمه للبنان". وقال: "على سبيل المثال فإن برنامج دعمنا الإنساني قد تم تمويله فقط بنسبة 11% ونحن بحاجة ماسة الى تضامن اقوى من قبل المجتمع الدولي. ان الشعب اللبناني يتوقع ان يعيد القادة السياسيون ترميم الاقتصاد، وان يؤمّنوا فاعلية للحكومة ولمؤسسات الدولة، وانهاء الفساد، والحفاظ على حقوق الانسان. وهذا ما قاله فخامة الرئيس، وهو يصبّ في هذا الاتجاه".

أضاف: "لا يملك القادة السياسيون في لبنان، عند مشاهدة معاناة الشعب اللبناني، الحق في الانقسام وشل البلد، ويجب ان يكون رئيس الجمهورية اللبنانية رمزاً لهذه الوحدة الضرورية. ان الانتخابات العام المقبل ستكون المفتاح، وعلى الشعب اللبناني ان ينخرط بقوة في عملية اختيار كيفية تقدم البلد. ويجب ان يكون للنساء والشباب كل الفرص للعب دورهم الكامل، فيما يسعى لبنان الى تخطي تحدياته الكثيرة ويضع اسس مستقبل افضل، وستؤازر الامم المتحدة لبنان في كل خطوة من هذه المسيرة. وكجزء من الالتزام باستقرار لبنان، سأزور قوات "اليونيفيل" في الجنوب. ان الالتزام التام بتطبيق القرار الدولي 1701، والمحافظة على وقف الاعمال العدوانية على الخط الازرق، والعمل على تخفيف التوتر بين الاطراف، هو امر اساسي. واغتنم المناسبة لتوجيه التحية الى الآلاف من النساء والرجال العاملين على الحفاظ على السلام، البعيدين عن عائلاتهم واوطانهم، ليخدموا السلام في لبنان".

وأكد على "ان استمرار الدعم الدولي للجيش اللبناني والمؤسسات الامنية الاخرى، هو اساسي لاستقرار لبنان. وأحث كل الدول الاعضاء على الاستمرار وزيادة دعمهم للبنان، وعلى تحمل مسؤولياتهم بالكامل. ان لبنان يواجه مرحلة صعبة للغاية، وانا احث القادة اللبنانيين على ان يستحقوا شعبهم، كما احث المجتمع الدولي ان يواكبوا بما يتلاءم مع كرم الشعب اللبناني".

كلمة في السجل

وكان الأمين العام للأمم المتحدة دوّن في السجل الذهبي للقصر الجمهوري الكلمة التالية: "فيما ابدأ رحلتي الاولى الى لبنان كأمين عام للامم المتحدة، لا يسعني الا ان اتذكر انطباعات من زياراتي السابقة الى هذه الارض الجميلة، ونسيجها الاجتماعي-الثقافي المليء بالحياة، الغني بتنوعه، وشعبها الجريء والمعروف بحسن الضيافة.

ان الضيافة الكريمة تجلت هذا المساء في هذا القصر، وانا اشكر فخامة الرئيس ميشال عون على ترحيبه الحار بي وبزملائي من الامم المتحدة.

لقد تسنت لي الفرصة لتبادل الرؤى مع الرئيس عون حول الوضع الحالي في لبنان، وطريق التقدم نحو مستقبل زاهر.

وفيما أتحضر للقاء فعاليات شعبية في خلال اليومين المقبلين، يبقى قلقي على المجموعات الضعيفة، وايضاً على القطاعات الشعبية التي ستحدد آمالها مستقبل هذا البلد، من خلال طموح شاباته وشبانه الذين يتحدون باصرارهم وموهبتهم كل المشاكل والمحن.

وقد اكدت لرئيس الجمهورية ان الامم المتحدة ستقف دائماً الى جانب لبنان في مسيرته نحو مستقبل اكثر استقراراً وسلاماً وازدهاراً.

وإنني أحيي الرئيس عون، رمز وحدة لبنان، واعبر عن اعجابي العميق بالكرم النموذجي للشعب اللبناني، رمز التضامن مع اللاجئين السوريين بكافة الاشكال".

عشاء خاص

إثر ذلك، أقام رئيس الجمهورية في جناحه، عشاء خاصاً للأمين العام للأمم المتحدة، استكمل في خلاله استعراض النقاط التي جرى بحثها في المحادثات الرسمية.


MISS 3