خالد أبو شقرا

"المركزي" يرضخ للمنظومة وينتقل إلى الدعم المباشر... من أموال المودعين

دولارات مصرف لبنان لا تهدّئ دولار السوق

24 كانون الأول 2021

02 : 01

ما بقي من حقوق للمودعين بالعملة الأجنبية لن يستمر طويلاً (رمزي الحاج)
رقمان مثيران للاهتمام يتناولهما دائماً حاكم المصرف المركزي رياض سلامة في مقابلاته وتصريحاته الصحافية. الاول يمثل الاحتياطيات والأصول الخارجية القابلة للتحول إلى الدولار بقيمة 17.8 مليار دولار. والثاني "على نزول"، ويمثل صافي التوظيفات الإلزامية وقد أصبح 12.5 مليار دولار. يضاف إليهما نحو 9 ملايين و221 ألف أونصة من الذهب بقيمة تناهز 16.6 مليار دولار.





في المحصلة يمتلك المركزي "نظرياً" ما يقارب 46.9 مليار دولار. وهو رقم كبير يشكل أكثر من ضعف الناتج المحلي الاجمالي الذي انحسر في نهاية 2021 بحسب آخر التقديرات إلى حدود 20 مليار دولار أو حتى أقل. أما فعلياً، فكل هذه الأرقام، إن صحّت، تبقى عاجزة عن الحل طالما "لا يوجد إستقرار سياسي"، بحسب النائب السابق لحاكم مصرف لبنان د. محمد بعاصيري.

الاستقرار السياسي هو الأساس

بعاصيري الذي لا يعلم ما يقصده سلامة بوجود مليارات الدولارات كأصول خارجية قابلة للتسييل، مفضلاً توجيه السؤال للحاكم شخصياً، اعتبر أن كل ما يجري اليوم هو عبارة عن إجراءات ترقيعية لا ترقى إلى المستوى المطلوب لمعالجة الأزمة. فالمطلوب من وجهة نظره تلازم 3 أمور أساسية:

- البدء باعادة هيكلة القطاع المصرفي. ذلك أنه من دون بنوك سليمة لا يوجد اقتصاد. وعلى الحكومة ومصرف لبنان اتخاذ إجراءات جذرية في ما يتعلق باصلاح هذا القطاع الاستراتجي.

- الدخول في برنامج مع صندوق النقد الدولي.

- تعويم سعر الصرف وتوحيده.

لكن طالما أن الحكومة لا تجتمع، فان "كل ما يقال لا يحوّل إلى أفعال"، من وجهة نظر بعاصيري. و"المصرف المركزي يحاول قدر استطاعته إدارة الأزمة، على الرغم من كل الانتقادات التي توجه له. ويبقى الجهة الوحيدة التي تقوم بخطوات على أرض الواقع ضمن الظرف الاستثنائي الذي يمر به لبنان. وعلى الرغم من ذلك فان كل هذه الاجراءات التي يتخذها المركزي تبقى تدابير إجرائية قصيرة الأمد في ظل غياب الاستقرار السياسي".

أرقام الموجودات تطرح أسئلة أكثر مما تقدَم من أجوبة

الموجودات الخارجية للمركزي تواصل تراجعها وقد انخفضت من 20.7 مليار دولار في تموز الفائت إلى حدود 18 ملياراً في نهاية تشرين الثاني. وهي تنخفض عن 13 ملياراً اذا استثنينا محفظة سندات "اليوروبوندز" التي يحملها المركزي بقيمة 5 مليارات دولار. "في المبدأ تعتبر هذه الأموال متاحة في المصارف المراسلة في الخارج"، بحسب المستشار المالي د. غسان شماس. وهي عادة ما تكون إما توظيفات في المصارف الخارجية وأموالاً متاحة في المصارف المراسلة وإما سندات خزينة مستثمراً فيها. ويستثنى من هذه الموجودات الذهب الذي يعتبر أصلاً غير سائل. ومن الممكن أن يكون قد أضيف اليها مبلغ 1.39 مليار دولار الذي وفّره صندوق النقد الدولي. إلا أن الأرقام المتداولة يتطلب التدقيق بها".

من جهته يعتبر خبير المخاطر المصرفية د. محمد فحيلي أن المركزي جمّع مبالغ من الأموال نتيجة "الخدمات" التي كان يقدمها للدولة باصدار اليوروبوندز وسندات الخزينة والعقوبات "السخيفة" التي يفرضها على المصارف تتعلق باخطاء إجرائية إضافة إلى الموجودات الثابتة والعقارات. ولكن مقدار هذه الأموال ونسبة القابل للتسييل منها غير معروفين على وجه الدقة". فحيلي الذي يعتبر أن "المركزي" يتقصّد إصدار أرقام تغذي "غروره" وتسوق لأرقام غير واقعية للخسائر التي يحكى عنها، يفيد بان الأرقام التي تصدر يشوبها الكثير من الضبابية. فهي خالية من التفاصيل، ودائماً ما تعطى المعلومات بالشكل الذي يرغب في ايصالها وليس بالشكل الحقيقي.

التوظيفات الالزامية إلى تراجع

المراقبون توقفوا في المقابلة الأخيرة للحاكم عند رقم التوظيفات الإلزامية للمصارف الذي انخفض في ظرف شهر أو ما يزيد من 14 إلى 12.5 مليار دولار، أي بقيمة 1.5 مليار دولار. الأمر الذي يفترض بالمقابل من وجهة نظر الخبير المصرفي ميشال قزح "تراجع في قيمة الودائع بالمصارف. فاذا اعتبرنا أن نسبة التوظيفات الإلزامية على الودائع بالعملة الصعبة هي 14 في المئة، فان بلوغها 12.5 مليار دولار يعني أن الودائع بالعملة الصعبة لامست 90 مليار دولار. إلا أن حجم الودائع بالدولار بحسب تقرير جمعية المصارف في نهاية أيلول الفائت كان 106 مليارات، ما يعني بحسب قزح أن "المركزي تجاوز الخط الأحمر وخفض التوظيفات الإلزامية مرة جديدة إلى ما دون 14 في المئة. لأنه من المستحيل أن تكون الودائع انخفضت في هذه الفترة بقيمة 16 مليار دولار. من دون أن يستبعد "تخفيض الاحتياطي رسمياً مرة جديدة بحجة التعميم 161 وتسديد الودائع للمواطنين بالدولار".

الدعم من كيس المودعين مستمر

ما بقي من حقوق للمودعين بالعملة الأجنبية لن يستمر طويلاً. فبهدف تخفيف النقمة الشعبية على الحكومة و"الحاكم"، واستمالة جمهور السياسيين قبل الانتخابات، وإرضاء موظفي القطاع العام سيستنزف ما بقي من التوظيفات من خلال التعميم 161"، يقول قزح. فالدولارات التي ستدفع لنحو 420 ألف موظف ومتقاعد ستتأتى من أموال المودعين بالعملة الصعبة الموضوعة كتوظيفات إلزامية. وعليه يستمر الدعم من أموال المودعين لعموم اللبنانيين. أما بالنسبة للمركزي الذي يتدخل داعماً في الشكل بنسبة 30 في المئة لأصحاب الرواتب الموطنة والحسابات بالليرة، يعوض الفرق من خلال شراء الدولار من السوق بفرق 5000 ليرة للدولار ومن الأموال المطبوعة أو من "عمليات صك النقد Seigniorage الحقيقية أو الرقمية"، بحسب قزح. الأمر الذي يجعل من المركزي الرابح الأكبر دائماً. والهدف تصغير الفجوة النقدية المستمرة منذ العام 2007 والتي تفاقمت بعد الهندسات المالية بعد العام 2016.

أمام هذا الواقع يظهر أن التغني بالأرقام "لا يسمن ولا يغني عن جوع". فالموجودات الخارجية تطرح أسئلة أكثر مما تقدم من أجوبة، والتوظيفات الالزامية تتناقص، ومن غير المعروف حجم المتوفر منها نقدياً. أما في ما خص الذهب فهو مثبت بقانون، ومن المستحيل المس به. هذا إذا سلمنا جدلاً بامكانية استخدامه. وعلى هذا الأساس تستمر المعاناة وبيع الأوهام من دون أن يكون للاجراءات الترقيعية المتخذة أي انعكاس فعلي على أرض الواقع. فسعر صرف الدولار ثابت عند مستويات مرتفعة ويهدد بالارتفاع أكثر ومعاناة المواطنين عموماً إلى مزيد من التفاقم.