جوزيف حبيب

2022... عام الإستحقاقات من "النووي الإيراني" إلى الإنتخابات النصفيّة في الولايات المتحدة

31 كانون الأول 2021

02 : 01

تسعى طهران من خلال "محادثات فيينا" إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب (أ ف ب)

بما لا شكّ فيه أن العام الحالي كان صاخباً بالأحداث الإقليميّة والدوليّة التي عقّدت المشهد الجيوسياسي في أكثر من ساحة ساخنة حول العالم، بالتزامن مع أزمة وبائية مستمرّة سعّرت الصراعات بكافة أشكالها وأنواعها. لكنّه عام لم يشهد حسم أي قضيّة بارزة، من الملف النووي الإيراني مروراً بالتوتّرات بين روسيا والغرب على أكثر من جبهة، خصوصاً حول أوكرانيا، وصولاً إلى بحر الصين الجنوبي والكباش المحتدم على المصالح والنفوذ بين "العم سام" و"التنين الصيني"، والذي من المرتقب أن تشهد أولى تداعياته جزيرة تايوان التي تسعى السلطات الشيوعية في بكين إلى ضمّها ولو بالقوّة إلى الصين، بينما يُجمع مراقبون على أن هذه الجبهة قد تبقى باردة، أقلّه العام المقبل، رغم "استعراض القوّة" المتوقّع أن تُكثّف الصين ممارسته في منطقة الدفاع الجوّي التايواني، كما جرت العادة أخيراً.


يبقى الملف النووي الإيراني الشغل الشاغل لشعوب المنطقة التي تعيش تحت رحمته بشكل أو بآخر، وباتت مصالح دول عدّة وأمنها واستقرارها في مهبّ رياح "محادثات فيينا" والاتجاهات التي من الممكن أن تتّخذها المفاوضات. وتسعى الجمهورية الإسلامية الإيرانية من خلال المحادثات النوويّة إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب، السياسيّة والديبلوماسيّة والتكنولوجيّة والماليّة، خصوصاً عبر رفع العقوبات الأميركية القاسية المفروضة عليها والتي أنهكت اقتصادها.


النووي الإيراني


إعادة إحياء الإتفاق النووي من عدمه بات قاب قوسين مع التقدّم الحاصل في الجولة الثامنة من المحادثات في فندق "باليه كوبورغ" في فيينا، حيث يرى المفاوضون الغربيّون أن الوقت المُتاح يُقاس بالأسابيع وليس بالأشهر، إذ مع تخصيب إيران اليورانيوم عند نسبة 60 في المئة تقترب طهران بشكل كبير من الحصول على المواد الإنشطاريّة التي يُمكن استخدامها في صنع سلاح نووي، ما يجعل العام 2022 عاماً حاسماً منذ انطلاقته لتحديد مسار الأمور، سلباً أم ايجاباً، خصوصاً أن إسرائيل تُكرّر تحذيراتها بشكل متصاعد في الآونة الأخيرة ملوّحةً باللجوء إلى خيارات عسكرية للقضاء على البرنامج النووي الإيراني في حال لم تُحقّق المحادثات نتيجة مرضية في نظر تل أبيب.


وهنا تُطرح على بساط البحث سيناريوات عدّة في حال أقدمت الدولة العبرية على شنّ هجمات محدّدة ضدّ منشآت نوويّة وعسكريّة والبنية التحتية في إيران، إذ إنّ الأخيرة قد تلجأ إلى استخدام الجماعات الموالية لها في المنطقة لضرب عمق الأراضي الإسرائيليّة بالصواريخ والمسيّرات من جبهات عدّة، فضلاً عن احتمال توسيع دائرة الصراع لتطال ربّما القواعد العسكرية الأميركية المنتشرة قرب حدودها على الضفة المقابلة من الخليج العربي، بضربات إيرانية مباشرة، ما يُدخل الإقليم في حرب شاملة، على الرغم من أن هذا الخيار يبقى مستبعداً إلى حدّ كبير لما له من تداعيات دراماتيكية هائلة على الجمهورية الإسلامية الإيرانية في حال دخلت الولايات المتحدة بجيشها الحرب. وهذه السيناريوات التي تبدو مرعبة و"هرمجدونيّة"، تجعل من احتمال التوصّل إلى إتفاق جديد في فيينا أقرب منالاً من قبل. لكن تبقى كلّ الاحتمالات واردة مع احتساب البُعد العقائدي للصراع بين طهران وتل أبيب.


روسيا والغرب


أمّا في شرق أوروبا، وبعدما حشدت روسيا عشرات الآلاف من قوّاتها على الحدود مع أوكرانيا في محاولة منها لتحقيق مكاسب جيوستراتيجية عبر الضغط على الغرب ورسم "خطوط حمر" لدول "حلف شمال الأطلسي" قرب حدودها الغربية من خلال وقف تمدّدها العسكري شرقاً، في مقابل سحب الجنود الروس والانكفاء عن اجتياح أوكرانيا، اتفقت واشنطن وموسكو على إجراء محادثات ديبلوماسية تتناول أمن أوروبا والأزمة الأوكرانية في العاشر من كانون الثاني المقبل في جنيف. وهذا الاجتماع قد يليه في 12 من الشهر نفسه اجتماع ثانٍ سيُعقد هذه المرّة بين روسيا و"حلف شمال الأطلسي"، وفي اليوم التالي، أي في 13 كانون الثاني، اجتماع ثالث سيُعقد بين روسيا و"منظمة الأمن والتعاون في أوروبا"، التي تضمّ في عضويّتها الولايات المتّحدة.


وبذلك، تكون "الطبخة الأوكرانيّة" على نار حامية بين القوى المعنيّة بالصراع مطلع العام المقبل، بغية التوصّل إلى تسوية ما تُرضي بمضامينها روسيا، التي قدّمت مجموعة مطالب في هذا الإطار، من جهة، وتُطمئن ولو بالحدّ الأدنى دول شرق أوروبا على أمنها القومي وسيادتها ووحدة أراضيها تحت رعاية الولايات المتحدة، من جهة أخرى، لا سيّما أن معظم هذه الدول التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفياتي وعانت من تلك الحقبة كثيراً، تتخوّف من الأطماع الجيوسياسية الروسية، مع معرفتها المسبقة بغايات "القيصر الروسي" فلاديمير بوتين الذي يحلم بإعادة إحياء أمجاد الأمبراطوريّة الروسية، القيصرية والسوفياتية. لكن في حال فشل تلك المحادثات تبقى الحرب خياراً مطروحاً في حسابات سيّد الكرملين، مع العلم أن روسيا لا تحتمل عقوبات غربيّة قاسية جديدة قد تُهدّد هيكل النظام الحاكم في المستقبل.


الإنتخابات الفرنسيّة


في الاتحاد الأوروبي، ستشخص الأنظار إلى الإنتخابات الرئاسية الفرنسية في العاشر من نيسان المقبل مع مبارزة الدورة الأولى التي من المنتظر أن تكون حامية بين الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون والمرشّحة مارين لوبن، الغنية عن التعريف، إضافةً إلى المرشّح اليهودي من أصول جزائريّة اليميني المتطرّف إريك زيمور، الذي فرض نفسه رقماً صعباً في المعادلة الإنتخابية، رغم تراجع أرقامه إلى حدّ ما في استطلاعات الرأي الأخيرة.


الجميع ينتظر مَن مِن لوبن وزيمور سيُواجه ماكرون في الـ24 من الشهر نفسه، بحسب ما تُفيد استطلاعات الرأي حتّى اللحظة، خلال الجولة الثانية، وهل سيتمكّن ماكرون من تمديد فترة إقامته في "الإليزيه"، أم أن القصر الباريسي سيتهيّأ لاستقبال رئيس جديد؟ بالفعل، تكتسي الإنتخابات الرئاسية الفرنسية طابعاً "ديموقراطيّاً" خاصاً، وستكون لها تداعيات على مستويات عدّة، داخليّاً وأوروبّياً ودوليّاً، لما لفرنسا من مكانة مهمّة سياسيّاً وديبلوماسيّاً وحتّى عسكريّاً في أكثر من ساحة حول المعمورة. هذا فضلاً عن أن أوروبا باتت بحاجة اليوم إلى "قائد جديد" بعد "الفراغ" الذي تركته وراءها المستشارة الألمانيّة السابقة أنغيلا ميركل.


الإنتخابات النصفيّة


بالحديث عن الإنتخابات، تكمن المبارزة الديموقراطيّة المفصليّة في الإنتخابات النصفية الأميركية في 8 تشرين الثاني من العام المقبل، حيث يتوقّع مراقبون أن يتلقّى الحزب الديموقراطي ومعه الرئيس جو بايدن صفعة مدوّية من الناخبين الأميركيين، على غرار ما حصل في انتخابات حاكم ولاية فرجينيا، لكن هذه المرّة على نطاق أوسع وأخطر بكثير، إذ من المحتمل أن يتمكّن الجمهوريّون من السيطرة على مجلسَيْ الكونغرس في حال استمرار تدهور شعبيّة بايدن، خصوصاً مع توجيه السيناتور الديموقراطي جو مانشين المنتخب عن فيرجينيا الغربية ضربة قاصمة إلى خطّة بايدن المعروفة بـ"بيلد باك بيتر" (البناء من جديد على نحو أفضل) والمقدّرة قيمتها بـ1.75 تريليون دولار، بإعلانه عدم استطاعته التصويت لصالحها في مجلس الشيوخ.وعلى الرغم من أن بايدن لا يزال يأمل في إنعاش مشروعه المتعثّر هذا، الذي يُشكّل محور أجندته الداخلية، إلّا أن قضايا أساسيّة أخرى تنحرف عن المسار المرسوم من قبل الإدارة الأميركيّة، لا سيّما في ما يتّصل بالأزمة الوبائيّة، حيث عادت الولايات المتحدة لتُسجّل أرقاماً قياسيّةً في أعداد الإصابات بسبب المتحوّرة "أوميكرون"، مع ما يُشكّله هذا الأمر من ضغط هائل على الأنظمة الصحية المنهكة بفعل الموجات الوبائية السابقة، وتداعياته السياسيّة والاقتصاديّة والماليّة الخطرة.


يُضاف عامل آخر ستضرب له "ماكينات" الحزب الديموقراطي حساباً كبيراً في الإنتخابات النصفيّة، وهو الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب، الذي ما زال يتمتّع بشعبيّة واسعة وصلبة في أوساط المحافظين والطبقة الوسطى، ويسعى إلى جعل الإنتخابات النصفيّة محطّة تمهيديّة قد تُعيده إلى المكتب البيضوي بداية العام 2025. ومن المرتقب أن يعقد ترامب مؤتمراً صحافيّاً في 6 كانون الثاني في مارالاغو بفلوريدا، حيث يُقيم حاليّاً، وذلك في الذكرى الأولى لهجوم بعض أنصاره على مبنى الكابيتول، في حين ينتظر محلّلون أميركيّون مضمون كلمته وأبعادها، وما إذا كان سيتطرّق إلى احتمال ترشّحه لإنتخابات الرئاسة في 2024.


نهاية "كورونا"؟


كورونيّاً، ومع مرور أكثر من عامَيْن على تفشّي الفيروس التاجي من ووهان الصينيّة إلى العالم أجمع منذ نهاية العام 2019، باتت البشرية اليوم منهكة من جرّاء تداعيات الوباء على الصعد كافة، وهي تترقّب بفارغ الصبر أن تصحّ توقّعات بعض الخبراء الصحيين بأن تحمل المتحوّرة "أوميكرون" معها نهاية الأزمة الوبائيّة وتُحوّل "كوفيد" إلى "فيروس مستوطن" كغيره من الفيروسات التي تكيّف الإنسان معها عبر التاريخ. وتُصبح بذلك "أوميكرون" التي تعصف في معظم المناطق من حول العالم اليوم، الضوء المنتظر في آخر "نفق كورونا" المُظلم، إلّا إذا كانت المتحوّرة الجديدة ستُمهّد الطريق لمتحوّرات أخرى شديدة العدوى وأكثر فتكاً في آن واحد. لكنّ الآمال تبقى معلّقة على أن يكون العام المقبل "خاتمة" جائحة غيّرت وجه العالم وساهمت في رسم بعض ملامح النظام الدولي الجديد.

MISS 3