جاد حداد

Seberg... دعسة ناقصة!

4 كانون الثاني 2022

02 : 00

على غرار عدد كبير من الممثلات، توجّهت جان سيبرغ إلى هوليوود وهي تحلم بالنجومية، لكنها واجهت وضعاً لا يشبه الأحلام في شيء منذ وصولها إلى هناك. ترك حادث في موقع تصوير أول فيلم لها ندوباً على جسمها. لم تستطع تحقيق النجاح في البداية، لكنها قصدت فرنسا لاحقاً للعب دور البطولة في فيلم Breathless (لاهث) الذي أصبح من أشهر الأفلام خلال الموجة الجديدة في السينما الفرنسية. نجحت سيبرغ أخيراً في كسب الشهرة، لكنها وُجِدت ميتة في سيارتها بعد أقل من عشرين سنة على صدور فيلمها الدولي الناجح في العام 1960 وقيل إنها انتحرت.

لطالما أثارت قصة سيبرغ المأسوية فضول الناس منذ وفاتها، لا سيما بعدما اتّهم زوجها الثاني مكتب التحقيقات الفدرالي بالتورط في قتلها. هذا الرابط مع مكتب التحقيقات الفدرالي هو محور التركيز في فيلم Seberg للمخرج بينيديكت أندروز. ربما يهدف الفيلم إلى استكشاف إرث سيبرغ وفتح هذا الفصل المخزي من التاريخ الأميركي، لكنّ مقاربته المبسّطة لا تُخلّد ذكرى الممثلة الراحلة بالشكل المطلوب. يبدو الفيلم غامضاً وغير مؤثر نتيجة اختيار ممثلة غير مناسبة لأداء دور البطولة وبسبب السيناريو الضعيف.

يتناسب مظهر كريستين ستيوارت بشعرها القصير اللافت مع شكل سيبرغ، لكنها لا تجسّد خصائص الشخصية على أكمل وجه. حتى أنها تعطي طابعاً مملاً وباهتاً للشخصية التي تقدّمها، مع أن الفيلم يريد أن يعرض مسار تحوّل الممثلة إلى ناشطة سياسية، ما يفسّر تورطها لاحقاً مع مكتب التحقيقات الفدرالي. ربما لم تحصل ستيوارت على توجيهات مناسبة من المخرج أو اضطرت للتعامل مع الحوارات البالية التي كتبها جو شرابنيل وآنا واترهاوس. في مطلق الأحوال، يفتقر الفيلم إلى الزخم والحيوية.



يقدّم السيناريو نسخة ناقصة من شخصية سيبرغ، علماً أن كل من عاصرها في تلك الحقبة لم يفهم جوانب كثيرة من شخصيتها أيضاً. بدأت هذه الشابة تتبرع لصالح قضايا الحقوق المدنية منذ سن المراهقة، لكن تتذمر الممثلة في أحد مشاهد الفيلم أمام مدير أعمالها لأنها تبحث عن قضية أكثر أهمية من التمثيل في حياتها. هي لم تكن تبحث عن هدف قيّم، لكن يوحي السيناريو بذلك. يبرز خطأ آخر حين تضمّ القصة عميلاً متخبطاً من مكتب التحقيقات الفدرالي اسمه "جاك" (جاك أوكونيل)، فيبدو دوره مفتعلاً وكأنه أُضيف لمجرّد أن يحصل الممثل على دور معيّن في هذه القصة. هو يجسّد شخصية متعاطِفة، فيندم لأنه انصاع لأوامر أرباب عمله (منهم "جون إدغار هوفر") وراح يتنصت على "سيبرغ" ويلاحقها وينشر أخباراً كاذبة عنها في الصحف. من المفاجئ أن يحاول صانعو الفيلم تبرئة عميل مكتب التحقيقات الفدرالي الذي ضايق سيبرغ لدرجة الهوس.

لكن لا يمكن اعتبار الفيلم سيئاً على جميع المستويات. بل إن التصوير السينمائي الذي تديره رايتشل موريسون قد يكون من أفضل عناصر العمل، فهو دقيق وواضح ويثبت قدرتها على سرد القصص انطلاقاً من العوامل البصرية. في بداية الفيلم تبدو الألوان فاتحة وهادئة، ما يعكس أجواء القصة الصافية في المرحلة الأولى. لكن حين يبدأ دور مكتب التحقيقات الفدرالي، تزيد المشاهد التي تدور خلال الليل، فتبدو جميع الأجواء المحيطة بسيبرغ مظلمة وأكثر خطورة.

لا يتألق عدد كبير من الممثلين الثانويين في هذا الفيلم، لكن يبرز البعض من أمثال أنتوني ماكي بدور "حكيم جمال"، ناشط جذاب وساحر يقيم علاقة مع "سيبرغ"، وفينس فوغان بدور عميل وحشي ولا مبالٍ في مكتب التحقيقات الفدرالي. لا يعارض هذا الأخير أوامر مؤسسته التي تُكلّفه بمطاردة سيبرغ ومضايقتها. في المقابل، لا تقدم مارغريت كوالي وزازي بيتز أي أدوار مثيرة للاهتمام، بل تجسّد كل واحدة منهما للأسف دور الزوجة التي تشعر بالغيرة لأن زوجها يهتم بسيبرغ.

يحاول الفيلم تقديم سيبرغ كشخصية مُلهِمة وشهيدة مثالية حاولت التصدي للمخالفات التي ارتكبها بلدها لكنها واجهت عواقب قرارها. حتى أن الفيلم يشمل المشهد الذي قدّمته سيبرغ حين أدت دور "جان دارك" في أول فيلم لها واحترقت خلال حادث في موقع التصوير. يدخل العمل في خانة فرعية جديدة من أفلام السِيَر الذاتية التي تقدّم أي ممثلة مدهشة على شكل ضحية لقصتها وامرأة محكومة ببلوغ نهاية الشهرة المعروفة. قد ينجح هذا الإطار في بعض القصص، لكنه بات متوقعاً لدرجة الملل. من الإيجابي طبعاً أن يتعرّف المزيد من الناس على قصة سيبرغ نظراً إلى مشاركة ستيوارت في الفيلم، لكن كان يمكن تقديم نسخة أفضل من هذه القصة حتماً.


MISS 3