مجيد مطر

هل تنتهي الصفقة بالتمديد لرئيسين؟

8 كانون الثاني 2022

02 : 00

هل حصلت فعلا الصفقة - المقايضة؟ وما هي حدودها المصلحية؟

لبنان يُحكم راهناً بالمياومة. الجمود سيد الموقف، حكمٌ مع وقف التنفيذ. غالباً ما يكون الحل عبر صفقات سياسية وعلى القطعة. كلُّ هذا يحدث في ظل أكثرية "حزب الله" الحاكمة والمتقاتلة. المباريات الحبية تجري على أرضه وبين جمهوره. صراع الحلفاء يزعجه، لكن لا يخرج عن السيطرة. خراجُ أمطارهم يصبُّ تحت سمائه. السلطة كمكاسب لا تغريه، مناصب الدولة يسيطر عليها عن بُعد، فائض القوة يغنيه عن سلطةٍ لا تقدم له شيئاً. لبنان بالنسبة له حيز جغرافي، لكونه حزباً إقليمياً اكثر منه محلياً، بالنسبة اليه لا دولة في لبنان يجب أن تحكم من خلال مؤسساتها ومصالحها الوطنية. وجوده في مجلس النواب والوزراء يأتي كمراقب، أكثر منه، كفاعل وناشط في التشريع، أو المشاركة في وضع السياسات العامة. الحدود مفتوحة أمامه لإدخال وإخراج ما يريد، وما يحلو له.

فبعد توسّع دائرة الخلافات والاتهامات المتبادلة بين "حركة امل" و"التيار الوطني الحر" طيلة الأسبوع الفائت، فوجئ اللبنانيون بالحديث عن صفقة لتمرير بعض المراسيم، التي استعملت كأسلحة متحركة في معركة بين طرفين، انهما يمثلان أبرز حلفاء "الحزب"، مع مفارقة أن مقولة: حليف حليفي هو حليف، لا تنطبق هنا على "التيار" و"الحركة".

وهذه الصفقة التي جاءت على شكل مقايضة ناتجة عن ضرورة اكثر منها قناعة. ففي ميزان حساب الربح والخسارة، تعتبر هذه المقايضة مكسباً للرئيس بري الذي يتحمل مسؤولية التعطيل بالتكافل والتضامن مع "حزب الله" و"التيار"، وذلك وفقا للقاعدة التي تقول: اذا لم تكن جزءاً من الحل فأنت جزءٌ من المشكلة.

من البداية تسلح رئيس المجلس بمطلب فتح دورة استثنائية لمجلس النواب، التي انتهت دورته العادية الثانية في آخر يوم من السنة، ومعلوم أن المجلس لا يمكنه الانعقاد خارج الدورات التي حددها الدستور، وإلا اعتبر الانعقاد مخالفاً للأصول، وباطلاً بطلاناً مطلقاً، لذا لم يبقَ امام الجميع، سوى فتح دورة استثنائية بموجب مرسوم، وتقريره بيد رئيس الجمهورية.

وثمة تفاوت في الاهمية بين مرسوم لترقية موظفين أو تعيينهم، على أحقيته، وبين مرسوم يتعلق بإدارة الدولة المتعطلة أصلاً. فالموازنة مسألة ضرورية وليست تفصيلاً، لكونها تخص الجميع دون استثناء، من هنا يبرز تفوق موقف الرئيس بري "الدولتي"، فاستمرارية المرافق العامة تتعلق بالموازنة، وفي حال عدم إقرارها ستقع الحكومة في تصريف اعمال غير معلن، وسيتم اللجوء الى الانفاق من خلال القاعدة الاثنتي عشرية، التي كانت حجة لاتهام الرئيس السنيورة بـ11 مليار دولار وتهديده بالمستندات الخلبية للنائب حسن فضل الله، وهذا خيار يُحرج كثيراً الأكثرية الحاكمة ويضع "مصداقيتها" على المحك. أما بالنسبة لموقف رئيس الجمهورية، فهو واقع بين خيارين احلاهما مر، إما يوقع مرسوم الدورة الاستثنائية فيبدو مهزوماً، وإما التعطيل المطلق، فيضره اكثر من غيره. إنه في آخر سنة من عهده ولا يملك الكثير من الأوراق. هو في وضع لا يحسد عليه البتة، فقد عجز عن لعب دور الحكم، وأضاع الفرصة التي اتيحت له عشية وصوله الى الرئاسة، فلو تصرف من خلال الدور والمكانة كرئيس لحقق الكثير، ولما كان وصل الى الحائط المسدود، لدرجة اعتباره، أن غازاً في مياهنا الإقليمية إنجاز من إنجازاته. التسوية التي أتت به رئيساً والتي بلورت شبه اجماع حوله، هي تسوية غير مسبوقة، وجاءت نتاجاً لتوافق اكثريات وازنة: أكثرية مسيحية تمثلت بالتيار العوني و"القوات اللبنانية"، واكثرية سنية تمثلت بتيار "المستقبل" وسنة 8 آذار، فضلاً عن "حزب الله: الحزب الشيعي القوي والمؤثر. فإذ به ينتهي عهده بمشهدية، انفضاض الكثيرين من حوله، بسبب تغطية ممارسات صهره، التي جاءت على نحو استقوائي وتفردي.

في الموازاة، يجب عدم اغفال عامل الانتخابات المهم في تسهيل الصفقة. فالجميع محرج أمام الخارج الذي يضغط في اتجاه اجرائها وعدم تعطيلها تحت طائلة منع المساعدات الدولية، وتنفيذ العقوبات التي تم وضعها كخيار محتمل من قبل فرنسا والاتحاد الأوروبي. عين المجتمع الدولي الحمراء على الحكومة اللبنانية، لا يختلف عليها عاقلان.

ثمة تساؤل لا بد من طرحه: من هو الطرف الأكثر إحراجاً من اجراء الانتخابات؟ ومن هو الطرف الذي لا يهابها؟ الجواب سيكون محصوراً بثلاثة اطراف: "حزب الله"، "حركة امل" و"التيار الوطني الحر".

كل الدلائل تشير الى مصلحة "التيار" في تأجيل الانتخابات، لأسباب كثيرة ابرزها عامل المغتربين الذين فشل في منعهم من التصويت لـ128 نائباً. "حزب الله" على الرغم من "الصوت المعترض" في بيئته، سيظل مسيطراً على وضعه مع احتمال ضئيل بخرق او خرقين في لوائحه. اما حسابات الرئيس بري فهي مختلفة، فطالما بقي متحالفاً مع "حزب الله"، فسيحافظ الى حد ما على مكاسبه الانتخابية، وهو يدفع باتجاه اجراء الانتخابات، والاتيان بمجلس منتخب، ليتجنب شمول الصفقة التمديد للمجلس والتمديد لرئيس الجمهورية معاً.

يبقى السؤال الأهم أمام الرئيس بري وهو صاحب مقولة: ستنتخبون رئيسين لا رئيساً واحداً. فإن حصل تأجيل الانتخابات او الغائها: فهل سيقبل بصفقة التمديد لرئيسين؟.