قيمة "أبل" أعلى من الناتج العربي بنفطه وزراعاته وصناعاته وكل قطاعاته الأخرى

02 : 00

كان الاثنين الماضي يوماً تاريخياً في اسواق المال. حصل حدث لا مثيل له في تاريخ اسواق المال، عندما لامست القيمة السوقية لشركة "أبل" حاجز 3 تريليونات دولار (3 آلاف مليار) ببلوغ سعر السهم 182 دولاراً. في اسبوع تراجع السهم قليلاً، لكن قيمة الشركة تبقى الأعلى عالمياً، لا بل هي اعلى من اجمالي قيمة الناتج العربي الاجمالي بجميع اقتصاداته ونفطه وزراعاته وصناعاته (الهزيلة) وسياحته وخدماته وبنائه وانشاءاته.. بلغ الناتج العربي في 2021 نحو 2.8 ترليون دولار اي اقل من قيمة "أبل" بقليل.

صحيح ان مقارنة شركات بدول ليست عملية علمية، فالمقارنة تجدر بين نظراء. بيد ان حلم عدد من الدول العربية وبعض شعوبها بات في كيفية ادارة الدولة كما تدار الشركة احياناً بعيداً عن السياسة الفاسدة والأمن الباطش.

عمر "أبل" 45 سنة، اي اقل من عمر استقلال الدول العربية. وعرفت الشركة في تاريخها مبدعاً اسمه ستيف جوبز، لكنها ابدعت من بعده وتفوقت على نفسها مع تيم كوك. ولم يقف مصيرها عند مصير شخص أو "زعيم" أو قائد كما حالنا مع حكام عرب يوهمون الناس بان لا بديل لهم والويل للشعب من بعدهم.

لم تكتف الشركة بانتاج هاتف "آيفون" الثوري بعد انتاجها اجهزة كمبيوتر "آيماك"، بل نوعت منتجاتها وخدماتها لتشمل الأجهزة اللوحية والساعات الذكية والسماعات واكسسوارات أخرى، بالاضافة الى خدمات الموسيقى والصحة والمال. وخاضت غمار التخزين الافتراضي والتطبيقات الاكترونية والواقع الافتراضي. وهي اليوم تريد منافسة فيسبوك في "الميتافرس" لخلق عالم انتاج وابداع مواز للعالم الواقعي، كما تنافس غوغل وغيرها في السيارات الذاتية القيادة. اما معظم الدول العربية فتعتمد على مصادر ايرادات احادية او قليلة التنويع، فتعرض نفسها غالباً للعجوزات في الموازنات وللتقلبات في اسعار النفط واسعار المواد الاولية والزراعية، كما تعرض سياحتها والاستثمارات فيها للتقلبات الجيوسياسية والأمنية.

صعود قيمة "أبل" مثير للدوار. في 2018 كسرت حاجز التريليون دولار، وفي صيف 2020 بلغت نحو التريليونين، واليوم تلامس اعلى سقف للقيمة في التاريخ. مليار شخص يستخدمون هاتف "آيفون" وهناك 750 مليون مشترك في تطبيق أو أكثر من تطبيقاتها ويشتري خدمة من خدماتها الالكترونية. وحافظت الشركة على عملاء أوفياء على استعداد لدفع أثمان أغلى بمرتين أحياناً مما تقدمه منافستها الأولى "سامسونغ"، علماً بأن الأخيرة هي المسيطرة في الحصة السوقية وهواتفها هي الأكثر انتشاراً في العالم.

وفي الوقت الذي تلهث فيه معظم الدول العربية وراء المستثمرين لاجتذابهم، لم تعد الشركة بحاجة لمستثمرين يشترون اسهمها. إذ عمدت منذ سنوات الى شراء اسهمها بنفسها لتقليل المعروض، وخصصت 450 مليار دولار في 8 سنوات لشراء 5 % سنوياً من الاسهم المدرجة. فلدى الشركة "كاش" نقدي لا تعرف ماذا تفعل به. في وقت ترزح فيه كل الدول العربية تحت أعباء الديون.

تبقى الاشارة الى ان معظم دول العرب لا تعرف كيفية ادارة التناقضات الجيوسياسة والصراعات الاقليمية والدولية، بينما "أبل" استطاعت رغم الخلاف الأميركي الصيني المحتدم، على سبيل المثال لا الحصر، زيادة مبيعاتها في الصين بنسبة 70 % العام الماضي.


MISS 3