خبير النقل علي الزين لـ"نداء الوطن": حركة حمية بلا بركة... وطليس ممثل فاشل

02 : 00

ماذا عن سوء تنظيم السير؟
قلة هم خبراء النقل في لبنان. يبدو أن لا مكان لهم بيننا لأن المنظومة الحاكمة لا تريد نقلاً عاماً أو مشتركاً في لبنان لأسباب مصلحية. التقت "نداء الوطن" الخبير الدكتور علي الزين وهو باحث في مجال النقل في جامعة ايون الفرنسية. وتركز ابحاثه على عادات التنقل وانظمة النقل في لبنان وفرنسا. وفي ما يلي نصّ الحوار



كيف تفسر تحرك رئيس اتحادات ونقابات قطاع النقل البري بسام طليس خصوصاً لجهة التهديد باضراب 3 ايام في شباط المقبل؟


تكرار ممل لمشهد نراه منذ سنوات، ولا يتعدى كونه مسرحية يقوم بها ممثل فاشل يحركه من خلف الستارة رئيس مجلس النواب وحركته من دون أدنى دراية بالنقل، وبمساهمة لا لبس فيها في تبديد المجتمع بالاشتراك مع بقية الأوركسترا الحاكمة. أما في الشكل، فالتصعيد والتحرك ثلاثة أيام بدل يوم واحد كما جرت العادة ليس الّا وسيلة لشد عصب السائقين، ومحاولة لجمعهم من جديد حوله بعد ان فقد ثقتهم واستنزفهم فأصبحت تحركاته هزيلة كمطالبه. أما المضمون فلن يكون أفضل مما رأيناه في التحركات السابقة الا إذا ارتأى محركه توتير الوضع أو الغاء التحرك كما كان يفعل سابقاً.

ما رأيك بالاتفاق الذي يتحدث عنه طليس مع الحكومة ولم ينفذ؟ كلفته؟ سلبياته او ايجابياته؟

أبرز مطالب طليس هي دعم مادي للسائقين وإعطاء كميات من المحروقات بسعر مدعوم (تم الاتفاق على مبالغ ثابتة رغم انه منذ ذلك الحين تغيّرت اسعار الصرف والمحروقات بشكل كبير)، كما اعفاء سائقي النقل المشترك ومركباتهم من رسوم الميكانيك والمعاينة السنوية وادراجهم ضمن البطاقة التمويلية.

هذه المطالب هي تكرار لما كان يطالب به طليس موسمياً قبل الأزمة بسنوات طويلة. بالتالي لا فائدة من الدخول في تفاصيل كل مطلب على حدة. فبالنهاية كلها تصب في خانة واحدة "وافق شنّ طبقة". فـ "شنّ" أي بسام طليس ومن خلفه حركة أمل يريدان الظهور بمظهر الواقف الى جانب السائقين والطبقات الكادحة و"الأبهة" بمطالبهم. كما أن لهم مصلحة في الحفاظ على السائقين العموميين كمجموعة يحركونها في الشارع متى اقتضت الحاجة السياسية ذلك، كما لتفويت الفرصة على أي تحرك مطلبي فعلي. اما "طبقه" أي الحكومة، فلها مصلحة ان تظهر بصورة من يجتهد لفعل شيء ما للنقل المشترك وبالتالي تحسين قطاع النقل لامتصاص غضب الناس، بعد انفجار ازمة النقل بوجههم والتي وصلت حد سجنهم في منازلهم وشلّ حركتهم. ولكن الطرفين فاشلان لدرجة أن الأول (بسام طليس) لديه مطالب سطحية تافهة نظراً لحجم الأزمة. فيما الطرف الثاني (الحكومة) كان حتى أفشل من الالتزام بهذه المطالب (اعفاء السائقين من المعاينة ابتداءً من 28 تشرين الأول 2021 مع دعم مادي لهم ابتداءً من 1 كانون الأول 2021). لم تف الحكومة بهذين الالتزامين لاقتناعها بعدم جدواهما ليس لأن لديها خطة بديلة أو رؤية أخرى، انما ببساطة لعجزها التام حتى عن الأمور البسيطة و"المسرحية" كهذه.

ما الممكن ان يقوم به وزير النقل (والاشغال) الجديد علي حمية وتراه يتقاعس عنه في مجال النقل تحديداً؟


عليه وضع حجر الأساس لخطة واضحة ورؤية كاملة وشاملة لقطاع النقل البري في لبنان. فكل ما يقوم به الوزير حمية حالياً يمكن تلخيصه بمقولة "حركة بلا بركة". حيث ان ما يقوم به هو إجراءات بسيطة وتقنية بحت فيما المشكل أعمق واعقد من ذلك. خاصةً أننا نواجه واحدة من أعنف أزمات النقل في العالم في ظل واحدة من اسوأ الازمات الاقتصادية التي مرت على المجتمعات الحديثة. لا يمكن الانطلاق بأي حل تقني او الحديث عن أي مقترح موضعي للنقل قبل الإجابة على سؤال أي نظام نقل بري نريد؟ لخدمة أي مجتمع وأي اقتصاد؟ وبالتالي الإجابة على هذه الأسئلة تحتم وجود رؤية اقتصادية واضحة وجديّة للدولة اللبنانية. وهو ما تعجز المنظومة الحالية عن القيام به. ومن هنا يأتي اللوم على كل من ارتضى أن يكون واجهة لها من وزراء وغيرهم . انهم يتحملون مسؤولية في المشاركة في تبديد المجتمع بدل أخذ موقف واضح بالمواجهة لإنقاذ هذا المجتمع. وبالعودة لوزير النقل تحديداً، يبدو جليًّا انه يتّبع سياسة الترقيع والهروب للأمام في موضوع النقل البري بدل مواجهة الأزمة كأزمة فعلية. ولعله يفعل ذلك بحسن نيّة الّا ان اليوم الوقت ليس لحسن النوايا و"الأودمة" فقط ، انما لأخذ قرارات فعلية جدية وصعبة بجرأة ومعرفة كاملتين بكل جوانب قطاع النقل في لبنان، لإرساء أول حجر أساس لنظام نقل فعال ومستدام بدل تأجيل الكارثة وتجميلها وترقيعها.



علي الزين



حمية وصفقة في باريس؟

ماذا يريد الوزير حمية من فرنسا في ظل الكلام عن صفقة قد تشمل استثمار المرفأ؟

لا علم لدي بكل الجوانب المحيطة بموضوع المرفأ. لكن ما أعلمه جيداً أن الوزير حمية قد طلب من فرنسا التبرع لنا بـ 500 باص لوضعها في الخدمة كباصات نقل عام. طلب الباصات من دون تحديد رؤية استراتيجية للنقل في لبنان. انه تصرف يثبت مرة جديدة قصر نظر المنظومة في مقاربة الأزمة وغياب الجرأة في اتخاذ أي قرار أو حتى المعرفة في تشخيص أزمتنا وحلولها. فلو كانت المشكلة نقصاً في التمويل لشراء الباصات فلدينا قرض 295 مليون دولار من البنك الدولي للنقل المشترك منذ 2019 ممكن استخدامه مثلاً (بالإضافة الى عدة مصادر ولكن يبدو هذا أسهلها)، ولو كانت المشكلة فقط نقصاً في المركبات لما كان لدينا نسب إشغال منخفضة جداً في مركبات النقل المشترك العاملة في لبنان، ولا حتى انخفاضها خلال الأزمة على سبيل المثال. وحتى لو تم جلب هذه الباصات فهنالك عدة أسئلة: ما هي مواصفاتها ووضعها وهل تصلح للبنان؟ من سيقودها؟ من سيهتم بالصيانة؟ من أين ستأتي لها بالمحروقات؟ على أية خطوط ستعمل؟ ضمن أي دوامات؟ من سيكون ركابها؟ بأي تعرفة؟ ضمن أي منافسة للباصات والفانات الخاصة؟ حتى هذه الأسئلة التقنية كان يجب الإجابة عليها قبل طلب الباصات وهو ما يحتّم وجود رؤية للنقل وهذا ما لا تجرؤ على فعله (بل لا تعرف) المنظومة الحاكمة.


ماذا عن الكلفة؟

كم كلفة النقل حالياً في لبنان بعد الغاء الدعم؟

كما كل القطاعات، لا ارقام رسمية وكافية لقطاع النقل في لبنان. تشير التقديرات الى ان تكلفة النقل ازدادت 580% في تشرين الأول 2021 مقارنةً بتشرين عام 2020 فيما يقدر أن ميزانية الأسر المخصصة للنقل (كانت من مجمل إنفاق الأسر حوالى 14% وسطياً قبل الأزمة) قد تضاعفت أقله، علماً ان نسبة تنقلاتها قد انخفضت بحوالى الثلث (هذه الأرقام تقديرية بانتظار تأكيدها بدراسة نجريها حالياً).

وماذا عن الكلفة الاجتماعية والبيئية لعشوائيات واحتكارات ومصالح (مباشرة وغير مباشرة) هذا القطاع؟

هنا أيضا لا ارقام خلال الأزمة تحديداً (هي قيد الإنتاج حالياً). ولكن بدراسة اجريتها قبل الأزمة تبين أن نظام النقل الضعيف في لبنان والمعتمد على السيارة كان يكلّف لبنان حوالى 7% من ناتجه المحلي (2015) كتكلفة اجمالية (زحمة سير، تلوث، صدامات مرورية، ...) عدا عن تكلفة البنى التحتية (طرقات ومواقف)، المضاربات العقارية والتمدد العمراني والتكلفة الاجتماعية (اضعاف العدالة والمساواة، خفض الانصهار والاندماج، ...). من المفيد التكرار أن هذه التكلفة من المال العام وجيوب الناس وحساب المجتمع كانت أرباحاً لكارتيل النقل المذكور سابقًا والمرتبط بشكل وثيق بأحزاب السلطة.


شبكة بيروت - جبل لبنان

كم تقدر كلفة انشاء شبكة نقل عام في المناطق الحضرية الكبيرة (بيروت وجبل لبنان) وفي لبنان عموماً؟

بحسب ارقام البنك الدولي فقد قدر قبل الازمة ان إرساء نظام نقل مشترك معتمد على باصات بمسارات مخصصة بين بيروت وطبرجا بالإضافة الى 9 خطوط تغذية من المناطق المحيطة و20 خطا في بيروت الكبرى بحوالى 295 مليون دولار. في تموز 2019 أقر قرض هذه الخطة من البنك الدولي فيما لم ينفذ حتى اليوم مع الحديث عن تحويله للبطاقة التمويلية بدايةً أو الغائه حاليًا. من المهم معرفته أن المشكلة ليست بالتمويل ولا بشكل شبكة النقل المشترك مقارنةً بأهمية القرار السياسي الذي يجب اتخاذه والذي تعجز السلطة عنه.

لدينا تمويل من البنك الدولي لكنهم لا يريدون لنا نقلاً مشتركاً!


MISS 3