جنى جبّور

بعدما أثار ضجّةً لا مثيل لها

"أصحاب ولا أعز"... جديرٌ بالمشاهدة

25 كانون الثاني 2022

02 : 00

مضحكة جدّاً الحملة الشرسة التي شنت على مواقع التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الاخبارية حول فيلم "أصحاب ولا أعز" الذي عرض أخيراً على "نتفليكس". انتقادات غير منطقية بالجملة، ذكورية مطلقة "شمّرت" عن عضلاتها، "حرام" سكب على المواضيع المطروحة، بسبب كلمة نابية نستعملها في احاديثنا اليومية وخيانة يكاد لا يخلو منها اي بيت عربي وسروال منى زكي الداخلي الذي كان كافياً لانتفاضة الأمة العربية بأكملها. على أي حال، ما رأي النقاد بهذا الفيلم، الذي أثار جدلاً واسعاً وما زال في الساعات الماضية؟

تعرّض "أصحاب ولا أعز" (بطولة نادين لبكي، دياموند بوعبود، عادل كرم، جورج خباز، فؤاد يمين، منى زكي وإياد نصار ومن إخراج وسام سميرة) وهو النسخة العربية من الفيلم الإيطالي الشهير "Perfect Strangers"، الذي حقق رقماً قياسياً في عدد مرات النسخ التي قدمت حول العالم، لانتقادات حادة بسبب تقديم فؤاد يمين شخصية مثلي الجنس، ونادين لبكي دور الأم التي سمحت لابنتها بالاحتفاظ بـ"واقٍ ذكري" تحضيراً لعلاقة مع صديقها ومنى زكي التي خلعت سروالها الداخلي أمام الكاميرا ووضعته في حقيبتها.


مروان نجار


نجّار: ممثلون بارعون

"ككاتب أغار من الذي عالج فكرة الفيلم الممتازة"، يقول الكاتب مروان نجار في حديثه معنا، مضيفاً: "بعد متابعتي لردود الفعل، أعجبت بالفيلم الذي حرّك المستنقع الذي نعيش فيه. نحن لسنا فوضويين ولا نبحث عن "سكوب"، بل نحب ازالة الافكار المهترئة والاحكام المسبقة". ويوضح "امّا نهاية الفيلم فجاءت عَوداً على بَدء لا حبّاً بالنهايات المنغلقة على ذاتها بل وشايةً بدوام الخبث والركون إلى السترة من أجل حياة قوامها تسوية وتكاذب. لعلّ هذا من الأساس هو حافز المؤلّف إلى المجازفة بلعبة هتك الأسرار الحميمة في رقصة نار كادت تلامس الانتحار الجماعي.


ليس محرّماً على شرقنا أن يحذو حذو الغرب في التصدّي لإشكاليّات تمليها أكاذيب وأفكار متحجّرة وأحكام مسبقة. وليس مستغرباً أن ينفر عدد كبير من جمهور هذا الشرق "المتأدّب" فتصدمه الجرأة في المواقف والمباشرة في لغة الشخصيّات.

وكما نرفض منع الفنّ من مكاشفتنا بحقائقَ صادمة، كذلك نرفض منع المتلقّي من النفور حيث لا يكون جاهزاً لتقبّل كلّ هذه المباشرة.

فلا يُعَدُّ الغرب لمجرّد تهاونه مع هذه المعالجات متقدّماً والشرق لنفوره منها متخلّفاً. بل تعود المسألة إلى ما كرّسه في كلّ من الثقافتين تراكم الأعمال السابقة المؤدّية إلى عري مفضوح أو زينة متستّرة".

ويتابع "أدبنا العربي لم يحتفل بـ"غادة كاميليا" أو "مدام بوڤاري" في القرن 19 ولا بـ"عشيق لايدي شاترلي" ثمّ "مدام كلود" في القرن الماضي، تمهيداً لهجوم الصراحة العارية على شاشاتنا. غير أنّ ما يشفع بوقع هذا الفيلم الصادم في نفوس المحافظين المتحفّظين يبقى هدفه الساعي إلى نبذ الأكاذيب، وعفويّة احترافيّة في أداء الممثّلين، وكاميرا نابضة وواثقة تلقّفت جزيئيّات كلّ تعبير أدّاه ممثّلون بارعون إلى حدّ الفناء، وحوار إلى جانب لحظاته الصادمة جاء عاصفاً بطبائع الشخصيّات وتناقضاتها البشريّة.

وفي الختام أسدلت الستارة على ثبات ونبات، وحفظت الهواتف الباقي وما سيأتي من أسرارها على مرّ الزمن، لتنتهي اللعبة الطارئة إلى إنكار مستقرّ يكاد يقول مع الشاعر: كأنّ شيئًا لم يكن".


جوزفين حبشي


حبشي: النسخة العربية رائعة

"هذا النوع من الاعتراضات والاتهامات لا يزال متوقعاً في مجتمعات مثل مجتمعاتنا، تتغنى بالحرية والثقافة واحترام معتقدات الآخر، ولكنها في العمق مكبلة بموروثات وأفكار محددة حول الدين والسياسة والجنس، ترفض حتى مناقشتها"، تقول الكاتبة والناقدة السينمائية جوزفين حبشي، مضيفةً: "أنا من أشد المعجبين بهذا الفيلم منذ أن شاهدت النسخة الاصلية الإيطالية في بيروت سنة 2016 ضمن مهرجان السينما الأوروبية. لقد سبق وشاهدت النسخة الفرنسية ايضاً، ويمكنني التأكيد أن النسخة العربية رائعة وجريئة. كما أنّ الممثلين رائعون، طبيعيون، منسجمون جدّاً مع بعضهم البعض، والمخرج وسام سميرة نجح في خطوته السينمائية الأولى. والتحية الكبيرة للانتاج، وخصوصاً جيانلوكا شقرا وماريو حداد".

أمّا في ما يخض الحملة على "اصحاب ولا أعز"، فتصفها حبشي بأنها "أمر معيب"، قائلةً: يكفي أن يصدر تعليق ما على "تويتر" أو "فيسبوك" أو "انستغرام"، حتى يستيقظ الشرف العربي. كل الذين هاجموا الفيلم لم يسمعوا سوى بعض كلمات نابية كلنا نستعملها في حياتنا اليومية، ولم يشاهدوا سوى مشهد خاطف للباس داخلي ومن دون أي عري، لشخصية إمرأة تؤديها منى زكي. وأشدد على كلمة شخصية تؤديها ممثلة لأن دور الممثلة يتلخص في تجسيد شخصيات قد تشبهها أو لا. وهنا لا بد من التوقف عند الهجوم الكبير على منى زكي العائد الى الشخصية التي تؤديها، وهي شخصية جريئة لم يعتد بعض الجمهور المصري أن يرى نجمته تؤديها من قبل. هذا مع الإشارة الى أن السينما المصرية كانت رائدة دائماً في مجال الفن ولطالما قدمت موضوعات مثيرة ومشاهد جريئة وعرياً ومايوهات والبسة داخلية منذ ستينات القرن الماضي. موضوع المثلية الجنسية مثلاً، سبق أن قُدم في أفلام مصرية كثيرة في السابق، وعلى سبيل الذكر "اسكندرية ليه" ليوسف شاهين و"الصعود الى الهاوية" لكمال الشيخ، و"عمارة يعقوبيان" من اخراج مروان حامد عن رواية علاء الاسواني. حتى فاتن حمامة التي تُعتبر أيقونة في عالمنا العربي كله، شاركت في فيلم تطرق الى المثلية وهو "الطريق المسدود" سنة 1957. وبالعودة الى منى زكي، هي ضحية مجتمع متعنّت وذكوري لا يزال يؤمن أن أغلى ما تملكه المرأة موجود بين رجليها وليس في عقلها وقلبها. منى زكي جسدت شخصية بمنتهى الإتقان، وتستحق عليها جائزة وليس هجوما وشتماً.

وعند سؤالها عما اذا كانت هذه المواضيع تمثل مجتمعنا، تتساءل حبشي "كيف هو تحديداً مجتمعنا؟ هل هو المدينة الفاضلة مثلاً التي لطالما حلم بها افلاطون وبحث عنها الفارابي؟ للأسف بعض مجتمعاتنا العربية تشبه النعامة التي تخفي رأسها في التراب حتى لا ترى ولا تسمع. كل "الموضوعات الحمراء" التي طرحها الفيلم، موجودة وبكثرة في مجتمعنا، وتضحكني جداً الأصوات التي تقول إن هكذا فيلم يشجع على المثلية الجنسية. أولاً الفيلم لا يشجع ولا يدعو إلى المثلية أو الخيانة، إنه ينقل واقعاً ليس اكثر. وهنا أرغب أن أطرح سؤالاً: في حال شاهد شخص مغاير الجنس هذا الفيلم، هل يعقل أن يتأثر وتتغيّر ميوله فجأة ويصبح مثلياً؟ الميول الجنسية ليست طبخة ملوخية ممكن "يطلع على بالنا" أن نتذوقها مع كأس نبيذ"، خاتمةً: "السينما حرّة في تقديم كافة الموضوعات، والافراد أحرار أيضاً في مشاهدة هذه الأعمال أم لا، وفي تقبّل أفكار هذه الأفلام من عدمها. ويجب ألا ننسى أن الفيلم يُعرض على "نتفليكس" وهي منصة مشفرة أي غير مفتوحة للجميع".


سام لحود


لحود: يا ريت فينا نشوفو بالسينما


يؤيد سام لحود رئيس "مجتمع بيروت السينمائي"، كلام حبشي ويرى أنّ "الحملة غير مبررة وأتت بمثابة اعلان للفيلم، ويقول إنّ "هذا العمل فني بامتياز وليس بشارة ولا نبوءة او رسالة سماوية تدعو الى تغيير قناعات الناس، وهو يعرض على "نتفليكس" وليس عملاً تلفزيونياً يدخل الى كل منزل من دون استئذان". ويتابع حديثه مردفاً: "المجتمعات التي استطاعت ان تتقدم على جميع الصعد، هي التي فصلت الامور الدينية عن تلك المدنية والحياتية. كذلك، أسقطت مواقع التواصل، "كل المحرمات"، وبات الأشخاص المتمسكون بها يعيشون "خارج العصر" وعليهم اعادة النظر بالتطور التكنولوجي والمجتمعي الحاصل، لمواكبة المنظومة الحديثة والّا صنفوا بالأغبياء". ويجزم أنّ لـ"لبنان مكانة مهمة في صناعة الافلام وحرية التعبير، والحملة التي شنت لا تمثل ثقافة لبنان بل تدل على المتسوى الفكري والثقافي للذين يؤيدونها".

في المقابل، يرفع لحود القبعة لكل طاقم العمل لا سيما في ما يخص تركيبة الشخصيات المعقدة للممثلين غير تلك المسخفة والنمطية في المسلسلات المتلفزة، ويشجع الجميع على "مشاهدة الافلام اللبنانية والعربية على "نتفليكس" لزيادة الطلب وسعر صناعتنا اللبنانية"، خاتماً "ضيعانو يكون بس ع "نتفليكس"، يا ريت فينا نشوفو بالسينما ايضاً".


جوزيان بولس



بولس: بيرفع الراس


تضحك الممثلة والكاتبة والمنتجة جوزيان بولس، عند سؤالها عن رأيها بما يحصل، وتقول بكل ثقة: "لا يمكن صناعة فيلم بهذا المستوى الا في لبنان، على صعيد العالم العربي، بسبب نضوج مجتمعنا الثقافي. ورغم كل الظروف التي نعيشها ما زال باستطاعتنا ان نفتخر بصناعة فيلم كامل متكامل"، مضيفةً: "هذا المجتمع الذكوري يرجم ثقافتنا اللبنانية ويريد اعادتنا الى العصر الحجري. "بكفي بقى"، نحن نرفض ذلك تماماً، وسندافع عن ثقافتنا المنفتحة حتى الرمق الاخير".


وتتساءل: "هل المسلسلات التركية تشبه مجتمعنا؟ ما المشكلة بالمثلية الجنسية؟ ماذا فعلت منى زكي، غير أنّها أبدعت في اداء دورها؟ ومن منّا لا يستعمل يومياً كلمات من "الزنار والنازل"؟ كفى تنظيراً، "الفيلم يمثلنا ونص"، وكل ما يمكن قوله إنّ الفيلم "بيرفع الراس".


الياس دُمَّر


الإنتاج التجاري الذكي

"لم تفاجئني هذه الحملة المتوقعة من المتمسكين بالافكار البدائية والرجعية"، يعلق الناقد والمُستشار السينمائي الياس دُمَّر، قائلاً: "ليس شرطاً أن يحاكي اي فيلم كل شرائح المجتمع ولكنه بالطبع يمثل فئة منه. فخلف كل فيلم يوجد كاتب وفريق عمل يعكس وجهة نظره في المواضيع المطروحة فيه، ومن الطبيعي الا يتبنى كل افراد المجتمع وجهة النظر هذه ولا سيما اذا تناقضت مع تقاليده وقيمه". ويوضح "يعتبر الفيلم من النوع "الدراميدي" التجاري، وبالتالي لا يرتكز على الغوص في عمق مشاكل الزواج والخيانة والعائلة، بل يطرح المواضيع باسلوب يحاكي الواقع. ولطالما انتقدنا الأفلام والمسلسلات اللبنانية، التركية، المصرية والسورية التي تكرر في كل عمل لها قصة "الحب والخيانة"، وبالتالي هذا الموضوع ليس جديداً على مجتمعنا. أمّا بالنسبة للمثلية الجنسية فالسينما المصرية تطرقت اليها منذ اكثر من 40 سنة، مثل في "حمام الملاطيلي" لاحد رواد السينما الجديدة في مصر المخرج صلاح أبو سيف وغيرها من الأفلام. كذلك، يهمني أن اشير الى أنّ "جن" الاردني وهو اول مسلسل تنتجه "نتفليكس" تعرض لحملة انتقاد واسعة ايضاً، كما حصل مع "اصحاب ولا أعز" أول فيلم لبناني تنتجه المنصة ذاتها. من جهة أخرى، يعتبر الفيلم خطوة مهمة في طريق الانتاج التجاري الذكي، رغم أنه لدي بعض المآخذ بالنسبة الى طريقة الكتابة التي كان يمكن تطويرها أكثر ولو أنّ الفيلم مقتبس عن توليفة تجارية ناجحة جداً. وبشكل عام يمكن القول إنّ عناصر الفيلم كاملة وملائمة نسبةً لوحدة المكان والزمان، السيناريو سريع الايقاع والاداء يرتقي الى مستوى هذا النوع من الأفلام ولا سيما بالنسبة لمنى زكي التي تفوقت بأدائها وكذلك دياماند بو عبود"، خاتماً "أنصح الجميع بمشاهدة هذا الفيلم الترفيهي من دون مقارنته بالنسخات السابقة، وفتح باب النقاش حول مواضيعه المطروحة بأسلوب راقٍ وواقعي".