مايز عبيد

قال أقسى كلام ممكن أن يقوله في تاريخه

الحريري طوى صفحته والشمال تفاعل "إفتراضياً"

25 كانون الثاني 2022

02 : 01

الناس تابعوا أعمالهم كالمعتاد

يوم واحد على خروج العشرات من أبناء طرابلس وعكار والضنية بشكل أساسي في تظاهرة نحو بيت الوسط، في محاولة منهم لثني رئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري عن العزوف عن العمل السياسي، حتى خرج الحريري إليهم وإلى كل اللبنانيين بمؤتمر صحافي من ذات المكان «الوسط» ليعلن انسحابه هو وتياره من العمل السياسي في لبنان وعدم الترشح للإنتخابات النيابية، بعدما طلب إلى المحتشدين أمام بيته بأن ينتظروا كلمته عصر اليوم التالي.

عاد أنصار الحريري إلى الشمال، ولم يشفع الطقس العاصف ولا دعمهم ومناشدتهم يوم الأحد، في ثني زعيمهم عن قراره المتخذ منذ مدة. فقد حشدت المنسقيات في طرابلس وعكار والضنية وبعض الكوادر الشمالية الزرقاء، ما أمكنها من مؤيدين في «المستقبل» باتجاه بيت الوسط في محاولة الربع الساعة الأخير، علّ وعسى تغيّر صيحاتهم ما عجز النواب والكوادر عن تغييره. لم يحشد نواب الشمال للّقاء رغم وجود بعضهم بين الناس لأنه وعلى حد قول أحدهم «فشة خلق ما إلها أي أثر».

بالنسبة إلى المناصرين كان همّهم بالفعل عودة زعيمهم عن قراره فلا يمكنهم تخيل لبنان من دونه كما أشاروا. وبالنسبة إلى من جيّشهم وقادهم من قيادات، فهناك همّ الإنتخابات والوجود السياسي الذي سينطفئ حتماً مع رحيل الحريري عن المشهد السياسي، فالمنسقيات معطلة والحريري لم يخرج بعد من الحياة السياسية فكيف ستكون أحوالها في حال خروجه! أما بالنسبة إلى الحريري، فما كتب قد كتب، وكل يوم جديد في السياسة اللبنانية سيعني له المزيد من الخسائر على جميع المستويات.

أمس، بدت الحياة طبيعية في شوارع طرابلس ومناطق الشمال، إلا أن الجميع كان يترقب ما سيعلن عنه الحريري، بالرغم من أن الجميع كان على قناعة بأن الرجل سوف يعتزل العمل السياسي كما حصل، ويقول كلمته ويمشي. وعلى الرغم من القرار شبه المحسوم منذ مدة؛ إلا أن البعض لا سيما من محبي الحريري وأنصاره في الشمال، كانوا يتمنون أن تحمل الساعات التي سبقت موعد الرابعة عصر أمس أي متغيرات جديدة تدفع به إلى العدول عن قراره.

انتظر المواطنون الساعة الرابعة ليستمعوا إلى سعد الحريري وهو ينسحب من الحياة السياسية بكلمة أخيرة استخدم فيها كلام والده الشهيد «أستودع الله لبنان وشعبه الطيب...»؛ بعضهم بقي في الشارع أو على الطريق.. أوقف سيارته جانباً وهو عائد من عمله وفتح هاتفه ليستمع إلى الخطاب المنتظر، وبعضهم لا سيما في مدينة طرابلس قصدوا مقاهي عندها كهرباء للتسمّر أمام شاشات التلفاز، ومن كان بعيداً عن المنزل أو حتى فيه، ولا كهرباء عنده كان جهاز الهاتف هو الحل والمنقذ فيستمع إلى خطاب قصير مقتضب أنهى به الحريري مسيرة 17 عاماً من العمل السياسي.



ليس مفاجئاً

استمع الشماليون إلى كلمة سياسي كان حتى الأمس القريب هو الزعيم الذي تهتف باسمه الجماهير في طرابلس وعكار والمنية والضنية والكورة، إلى أن أتت التسوية الرئاسية في 2016 وكبدت هذا الرجل الكثير من الخسائر وفي طليعتها خسارته للجزء الأكبر من جمهوره الشمالي؛ الذي لطالما ملأ الساحات عند كل نداء يوجه إليه من زعيمه. في السنوات الأخيرة ولا سيما إبان ثورة 17 تشرين وما تلاها، تحول سعد الحريري من أيقونة الجماهير ومحبوبها، إلى شخص مشارك في السلطة ومسؤول عن الواقع المزري الذي تعيشه الناس ولا سيما أهل السنة وأبناء المناطق النائية الفقيرة؛ بعد كل الوعود التي لم ينفذ منها شيء، وبعد سلسلة التسويات أو التنازلات التي أطاحت به وبالطائفة السنية معاً.

قال الحريري بالأمس أقسى كلام ممكن أن يقوله في تاريخه، لكنه لم يشكل مفاجأة بالنسبة إلى الكثيرين، كما لم يدفع ولو بعدد محدود إلى الشوارع للإستنكار والرفض، بعدما كانت المناطق الشمالية تنزل في السابق عن بكرة أبيها إلى الشارع «لعيونه»؛ وكلنا نذكر ما حصل في 2011 في طرابلس عندما تم تكليف نجيب ميقاتي بتشكيل الحكومة عوضاً عنه. غياب الحريري الطوعي عن الحياة السياسية وانسحابه الصاخب منها تقبّله الشارع الشمالي متوزعاً بين مهلل ومرحّب، وبين معترض وممتعض وبين غير مبالٍ أو مكترث، والجميع عبّروا عن ردة فعلهم تجاهه في العالم الإفتراضي، وليس على الأرض كما كان يحصل في السنوات الخالية.

طوى الحريري صفحة حياته السياسية ببضع دقائق على الهواء وراحت الأصوات الزرقاء تطالب بالنزول إلى الشارع والتعبير عن الرفض على وسائل التواصل الإجتماعي وتنادي أين الثوار من مقولة «كلن يعني كلن بعد أن رحل سعد»! طوى الحريري صفحة المستقبل وفي نية العديد من نواب «المستقبل» الترشح للإنتخابات رغم أنه عزف عنها شخصياً، والأيام المقبلة ستُظهر كل النيات.