جاد حداد

Colin in Black & White... سيرة ذاتية واعدة

27 كانون الثاني 2022

02 : 00

في العام 2016، بدأ كولين كابيرنيك، لاعب خط الوسط كظهير خلفي في فريق كرة القدم الأميركية "سان فرانسيسكو 49"، يركع أثناء تشغيل النشيد الوطني الأميركي احتجاجاً على استمرار مظاهر التمييز العنصري. أجّجت هذه الحركة البسيطة واحداً من أكبر الخلافات في تاريخ الرياضة. اكتسبت رسالة كابيرنيك شعبية واسعة خلال السنوات اللاحقة، لكنّ موقفه في تلك الفترة كان كفيلاً بإنهاء مسيرته الرياضية في الرابطة الوطنية لكرة القدم. يفترض مسلسل Colin in Black & White (كولين بالأبيض والأسود) أن المشاهدين يعرفون هذه الخلفية كلها. تتألف هذه السيرة الذاتية المحدودة من ستة أجزاء، وهي تحمل توقيع كابيرنيك وآفا دوفيرناي، تحت إشراف الكاتب والممثل مايكل ستاربري. يرتكز المسلسل على نهاية مسيرة كابيرنيك في عالم كرة القدم الأميركية، لكنه لا يتطرق إلى هذه النقطة بطريقة متعمدة ومباشرة. يعرف الجميع نهاية هذه القصة لكن يريد كابيرنيك، وهو الراوي أيضاً، أن يوضح بداية تلك الأحداث كلها، ما يعني أن الأزمة الحقيقية لم تبدأ في العام 2016.

يبقى سياق الأحداث العنصر الأساسي في هذا المسلسل. من الواضح أن كابيرنيك يستمتع بتسليط الضوء على كلامه بعدما احتدم الجدل حوله من دون أن يصغي إليه أحد، إذ تبدأ الحلقة الأولى بتقريب الكاميرا من وجهه فيما يخاطب المشاهدين مباشرةً. يتعلق موضوع النقاش بالقوة السامة التي تحملها خصائص اختبارات كرة القدم، فضلاً عن التعامل غير الإنساني مع اللاعبين المحتملين. تُقارَن هذه المعاملة مع تجربة الرجال المستعبدين في ساحة المزادات العلنية. الأسلوب المستعمل ليس سلساً بأي شكل، وهو لا يحاول استمالة المشاهدين بطريقة ضمنية. بل يهدف المسلسل فعلياً إلى توعية الناس حول هذه المواضيع. تعليقاً على مظاهر العنصرية المنهجية، يقول كابيرنيك في أحد المشاهد: "قد يظن بعض الناس أن النظام معطّل. لكني هنا لأقول لكم إن النظام صُمّم عمداً بهذه الطريقة". هو لا يستعمل أي لهجة مُخففة للتعبير عن أفكاره في هذا المسلسل. من المستبعد أن يشاهده النقاد الذين هاجموه بسبب احتجاجه على الوضع عبر الركوع على وقع النشيد الوطني، لكن يسهل أن نتخيل حجم استيائهم في حال شاهدوه.



يُركّز المسلسل على السنوات التي أمضاها كابيرنيك في المدرسة الثانوية، حيث لفت الأنظار إليه بفضل مهاراته كلاعب رياضي متعدد المواهب، وهويته كشاب أسود ثنائي العرق ربّاه أبوان من أصحاب البشرة البيضاء. كذلك، يضع العمل توسّع دور كابيرنيك كناشط اجتماعي في سياق حياته المليئة بالتوقعات الصعبة والظروف الشاقة. حتى أن المسلسل لا يكتفي بربط نشاطات كابيرنيك بظروف حياته، بل إنه يربطها أيضاً بالسياق الجيوسياسي والإيديولوجي للتاريخ الأميركي. تتعدد الأمثلة التاريخية التي يذكرها المسلسل، منها تجربة اللاعب آلن أيفرسون، و"اختبار الدمية" الذي ابتكره الطبيبان النفسيان كينيث ومامي كلارك واشتهر لاحقاً بسبب تأثيره على قضية براون ضد مجلس التعليم، و"عرّاب الهيب هوب" كلايف كامبيل المعروف باسم "دي جي كول هيرك".

في أفضل الأحوال، يبدو المسلسل أشبه بنسخة رياضية من الأفلام الوثائقية التي كتبها الفيلسوف سلافوي جيجيك بعنوان Pervert’s Guide (دليل المنحرف)، حيث يحلل الأسس الإيديولوجية للأفلام الأسطورية عبر إعادة تمثيل المشاهد، لكن تحمل قصة كابيرنيك هذه المرة جانباً شخصياً يسهل التعاطف معه. من الناحية السلبية، يُعتبر المسلسل أقل مستوى من الأعمال الوثائقية وأقرب إلى التقارير المدرسية الخاصة التي تعجّ بالحوارات الثقيلة والأفكار البديهية التي اعتاد الناس عليها. يحمل الممثل جايد مايكل أعباء المسلسل على كاهله بدور "كولين" الشاب، وهو يبرع في إضفاء جو من الطاقة والحيوية، حتى في أبرز اللحظات المشحونة، إذ كان يسهل أن تتخذ هذه المشاهد منحىً مؤلماً وشائباً لو قدّمها ممثل أقل موهبة منه.

يتمتع كابيرنيك شخصياً بمواهب كثيرة. لكن بناءً على أدائه كراوي القصة في هذا المسلسل، قد لا يكون التمثيل من نقاط قوته. هو يظهر على الشاشة بشكلٍ متكرر، ويخاطب الكاميرا مباشرةً لمرافقة المشاهدين إلى فترة مراهقته، ويوقف هذه الذكريات من وقت لآخر لسرد بعض المنعطفات التاريخية. كما أنه يستعمل نبرة جدّية لكن رتيبة في معظم المشاهد. كابيرنيك معروف بارتداء الملابس السوداء أصلاً، ويبقى هذا المظهر منطقياً في المسلسل نظراً إلى الرسالة التي يقدّمها. لكنّ المعطف الأسود الذي يرتديه هذه المرة يوحي بأنه في طريقه للمشاركة في تجربة أداء للجزء الجديد من سلسلة Matrix (المصفوفة)!


MISS 3