إذا أردت أن تعرف ماذا في أمعائك إسأل قرد البابون!

00 : 37

تدخل القرود الشبيهة بالإنسان، على غرار الغوريلا والشمبانزي والأورانغوتان والبونوبو، في خانة الرئيسيات الأقرب إلى البشر من الناحية الوراثية. لكن يشير بحث جديد إلى ضرورة استكشاف فئة أخرى من هذه الحيوانات إذا أردنا معرفة المزيد عن تطور البيئة الميكروبية المعوية لدى البشر: قرود العالم القديم.

تبقى قرود البونوبو والشمبانزي الأقرب إلى البشر لأنها تتقاسم حوالى 99% من حمضنا النووي. لذا يلجأ العلماء في معظم الحالات إلى هذه الرئيسيات حين يريدون اكتشاف معلومات جديدة عن تطور الآليات البيولوجية البشرية على مر العصور.

لكنّ التقارب الوراثي بين البشر والقرود قد لا يكون مفيداً جداً عند دراسة تطور البيئة الميكروبية المعوية. إنه الاستنتاج الذي توصّل إليه باحثون من جامعة "نورث وسترن" في "إيفانستون"، إيلينوي، في دراستهم الجديدة الواردة في مجلة "جينوم بيولوجي".

توضح المشرفة الرئيسة على الدراسة، كاثرين أماتو، أستاذة مساعِدة في علم الأنثروبولوجيا في كلية "واينبيرغ" للفنون والعلوم في جامعة "نورث وسترن": "من خلال فهم العوامل التي رسمت معالم البيئة الميكروبية في أمعاء البشر خلال المرحلة التطورية، من الأسهل أن نعرف طريقة تأثير الميكروبات المعوية على مسار تكيّف أسلافنا وتطورهم وكيفية تفاعلهم مع معطياتنا البيولوجية وصحتنا اليوم. لتحقيق هذه الغاية، يجب أن نراقب الرئيسيات التي تعيش في النظام البيئي نفسه وتحمل معطيات فيزيولوجية مشابهة للبشر لفهم البيئة الميكروبية في الأمعاء البشرية".يذكر الباحثون في تقريرهم أن تلك الرئيسيات ليست قروداً شبيهة بالإنسان بل قرود "العالم القديم"، أي تلك التي تقيم في آسيا وإفريقيا وأوروبا. تشمل هذه الفئة من الرئيسيات البابون والمكاك.

النظام البيئي المضيف وراء تطور الأمعاء!

تقول أماتو: "يعتبر الكثيرون قرود الشمبانزي أفضل نماذج للبشر على مستويات علمية عدة، نظراً إلى شبهها الكبير بنا. لكن تكشف نتائجنا أن هذا الافتراض خاطئ على مستوى البيئة الميكروبية المعوية".

قارنت أماتو وزملاؤها في دراستهم تركيبة البيئة الميكروبية المعوية بين 14 مجموعة من البشر في 10 بلدان مختلفة، و18 فصيلة من الرئيسيات البرية غير البشرية.

توصّلت هذه المقارنة إلى نتيجة مفاجئة: بصورة عامة، تشبه البيئة الميكروبية في أمعاء البشر بيئة قرود العالم القديم، أبرزها البابون.

تكشف هذه النتيجة أن أهم عامل في تطور البيئة الميكروبية المعوية لم يكن يرتبط على الأرجح بالتطور الوراثي والفيزيولوجي، بل بالنظام البيئي المضيف، أي مسكن البشر ورئيسيات أخرى. من المنطقي إذاً أن تكون البيئة الميكروبية البشرية الأقرب إلى أمعاء الرئيسيات التي تطورت في بيئات مشابهة وتبنّت تاريخياً الحميات الغذائية نفسها.يوضح الباحثون أن قرود الشمبانزي تستهلك الفاكهة بشكل أساسي، وقد تطور نظامها الهضمي كي يتكيف مع هذه الحمية. أما قرود البابون، فهي كائنات استهلاكية انتهازية. لذا تتبنى حميات أكثر تنوعاً، حتى أنها تشمل اللحوم أحياناً، ما يجعل أنماطها الاستهلاكية أقرب إلى البشر.

تضيف أماتو: "ينعكس هذا الوضع على تطور البشر وأدوار الميكروبات فيه، ويترافق أيضاً مع تداعيات على الصحة البشرية المعاصرة. كذلك، يجب أن نبدأ بدراسة النظام البيئي المضيف بدقة حين نختار النماذج لإجراء أبحاث عن البيئة الميكروبية البشرية".

تُخطط أماتو وفريقها مستقبلاً لتعميق المقارنة بين البشر وقرود العالم القديم عبر مراقبة الوظائف الميكروبية المعوية عن قرب، بالإضافة إلى تحليل تركيبة البيئة الميكروبية: "من خلال تفسير هذه الروابط، من الأسهل أن نتعمق في المنافع التي قدّمتها الميكروبات للبشر على مر مسار التطور".


MISS 3