خالد أبو شقرا

النفط والغاز لن يُنقذا الإقتصاد

الرهان المستحيل

15 تشرين الأول 2019

01 : 12

الرهان على أن لبنان أصبح بلداً نفطياً، لحل كل المشاكل الإقتصادية، وأولها سداد ديونه الداخلية والخارجية، لم يعد مجرد تسريبات من الاروقة الخلفية لمكاتب المسؤولين، بل تم إدراجه ضمن الحلول المقترحة في الموازنات. خطورة هذا الإدعاء لا تقف عند حدود التضليل، بل بما يؤمنه من "كارت أبيض" للإستمرار في الانفاق العشوائي وتغييب الاصلاحات الجدية.

قبل فترة قصيرة، حذر المبعوث الفرنسي المسؤول عن ملف "سيدر" بيار دوكين، من "الأمل الخاطئ" والاعتقاد بأن استخراج النفط والغاز هو "العلاج السحري" للمشاكل، بعد أن لمس في موازنة 2019، إشارات جدية في أن الثروة النفطية والغازية المحتملة في لبنان تعتبر بحسب المسؤولين سبباً لعدم القلق بشأن مخاطر التخلف عن السداد. وهذا ما يدفع الى تأجيل الاصلاحات الموجعة التي من المفروض ان تتخذها الحكومة سريعاً للخروج من المأزق الاقتصادي، المالي والنقدي.

أقلّه عشر سنوات

في نيسان العام 2018، أطلقت الحكومة جولة التراخيص الثانية لخمسة مجمعات بحرية جديدة. وذلك قبل بدء الجولة الاولى من الحفر التي من المفروض ان تبدأ نهاية هذا العام.

لكن المفارقة، أن "لبنان لغاية اللحظة لم يباشر بأي عمليات إكتشاف وحفر عن النفط والغاز، لا براً ولا بحراً. وذلك على الرغم من الاتفاق مع الكونسورتيوم الاوروبي بقيادة "توتال" الفرنسية وعضوية كل من "إيني" الايطالية و"نوفاتيك" الروسية، لحفر آبار استكشافية لتأكيد وجود النفط والغاز بعد التحاليل المخبرية والكيميائية للعينات المأخوذة، ومن بعدها تبدأ عمليات الحفر التجارية في حال كانت العينات إيجابية". يقول الخبير النفطي المهندس ربيع ياغي.

في حال تم تأكيد وجود النفط تحت البحر فإن تحويله الى قيمة تجارية قابلة للإستهلاك والتصدير تستفيد من عائداته الدولة والإقتصاد يحتاج الى عشر سنوات، "ومن يقول غير هذا الكلام ويعمل على تسويق، أن لبنان أصبح بلداً نفطياً، فهو غير صادق ويخدع الرأي العام " يقول ياغي.

التجهيزات معدومة

هذا الرأي العلمي يستند الى ان لبنان لم يكن في يوم من الأيام بلداً نفطياً، وبالتالي هو يفتقر الى البنى التحتية العادية، حيث يستغرق مد "كابل" انترنيت أو كهرباء أشهراً وسنوات، فكيف الحال بالنسبة الى التجهيزات النفطية وانابيب الغاز والمحطات وغيرها. هذا فضلاً عن عدم توفر الخبرة المطلوبة لا في تجهيز أو إدارة أو تصريف الثروة النفطية.

المردود مجهول

بالاضافة الى السنوات الطوال التي تفصلنا عن استخراج النفط، فان ما لم يؤخذ في الحسبان هو كمية المبالغ المتأتية من عملية الاستخراج. والتي لغاية اللحظة ما زالت مجهولة بالكامل، حيث من الممكن أن تتراوح بين صفر ومليارات الدولارات. فهي تعتمد أولاً على الكمية الموجودة، والتي ما زالت غير معروفة، وثانياً على اسعار النفط. فمنذ 10 سنوات وصل سعر برميل النفط الى 150 دولاراً، وعاد وانخفض منذ 5 سنوات الى 30 دولاراً، "فمن يعرف ما هو السعر بعد 10 سنوات" يسأل ياغي ليجيب أن "تحديد العائد للفترة المقبلة، يدخل في إطار التنجيم والتكهن، ولا يعوّل عليه".

إيهام الرأي العام

مما تقدم يتضح أن ما يجري اليوم لا يعدو كونه محاولة للتعمية على حقيقة إنعدام القدرة على الاصلاحات الجدية، وايهام الرأي العام والمجتمع الدولي بأن لبنان لن يتخلف عن سداد مستحقاته المالية في الايام القادمة. لكن مع الاسف فإن وكالات التصنيف التي امهلت لبنان أشهراً قليلة قبل تخفيض مرتبته الى ccc لن تقتنع بشراء الوهم اللبناني، فمهما بلغت شطارة اللبناني فهو لم يعد يستطيع بيع "السمك في البحر"، أقله بالنسبة للجهات الدولية.

فلبنان ليس البلد الاول الذي يقع في فخ تعليق أمال مفرطة على النفط والغاز، فقد سبقته دول مثل غانا وسيراليون التي انتظرت إيرادات مستقبلية غير مؤكدة، ودفعت الثمن في استمرار تراجع النمو الاقتصادي. والمشكلة أن المسؤولين لم يتعظوا من التجارب بل ما زالوا يسيرون في النهج الخاطئ من خلال السعي، في مرحلة مبكرة، لإنشاء صندوق الثروة السيادية خارج إطار رؤية الاقتصاد الكلي الشامل. وعدم البدء بتخفيض الدين العام إلى مستويات مستدامة وسن وتطبيق القواعد المالية الكفيلة باعطاء الثقة وتشجيع الاستثمارات.

لا بديل من الاصلاح

من هنا لا مفر برأي الإقتصاديين والخبراء من العودة الى الاصول في صياغة وتنفيذ الموازنات للسنوات الاربعة القادمة. والتي تقتضي تخفيض العجز، من باب تخفيض كلفة الدولة، والحد من التقاسمات في الادارة العامة، وقف الهدر والفساد، والدخول بعملية شراكة حقيقية مع القطاع الخاص، وتحديداً في الكهرباء والبنى التحتية، وليس كما يستمرون في فعله من زيادات ضريبية وتقويض للقطاع الخاص وابعاد للاستثمارات.

بأقل من سنة ارتفع عجز ميزان المدفوعات من 0.76 مليار دولار ووصل في الاشهر السبعة الاولى من العام الحالي الى 5.3 مليارات دولار، وهو يدفع بسرعة نحو استنفاد إحتياطات مصرف لبنان واستمرار ارتفاع الفوائد المصرفية لجذب المزيد من الودئاع بالعملات الاجنبية، ووجود ثلاثة أسعار لصرف العملة، نتيجة عدم قدرة مصرف لبنان على التدخل اكثر من ذلك لدعم سوق القطع.

هذا الثقب الاسود، المتمثل في كل ما يمت بصلة للقطاع العام، سيبتلع كل موارد الدولة اللبنانية الموجودة، والآتية بعد سنوات، وإذا استمر هذا النهج للسنوات القادمة بقدرة عجائبية، فان أموال النفط ستلاقي نفس مصير أموال الهبات والمساعدات والقروض. أي الى جيوب بعض المنتفعين أو الى سلة الهدر والضياع إذا أحسنا النية.


MISS 3