بشارة شربل

خُردة المنظومة

31 كانون الثاني 2022

02 : 00

وأنت تسمع الشيخ نعيم قاسم يعتبر معركة الانتخابات المقبلة قائمة بين "أهل الحق" وبين "أهل الضلال والتآمر" المموَّلين من "السفارات"، لا تتفاجأ على الإطلاق. لعلّك تستحسن عدم استعارته وصف معمر القذافي لمعارضيه بـ"كلاب ضالة"، أو عدم استلهامه اعتبار بشار الأسد الثائرين على نظامه بأنهم "جراثيم". تُذَكّر خشية الشيخ نعيم من المال الخارجي والضغط السياسي الأميركي بحملات جبران باسيل وتياره مدعومة بقلق رئيس الجمهورية من "تمويل انتخابي مشبوه لجمعيات مجتمع مدني غير مرخصة"، لمجرّد معارضتها العهد والتركيبة التي نهبت لبنان (محاصصة و"بواخر"... الخ) ومراهنتها على ورقة الاقتراع. فلنسأل الشيخ الحاكم والرئيس المستغرِب والصهر "الجريء": أتمزحون أم تعتقدون الناس غافلين عن الهدر والصفقات والمعابر وتغطية الفساد؟

في معركة "كسر العظم" التي تخوضها المنظومة الحاكمة ضدّ من يخالفها الاتجاه السياسي، سواء سياديين، أو نصف سياديين رافعين لواء المواطنية ومحاربة "الرأسمالية المتوحشة" هرباً من موضوع السلاح، تستخدم المنظومة أسلحة دعائية كثيرة ومتنوعة، بعضها يعتمد العناوين والشعارات الايديولوجية والتعبوية، وبعضها الآخر يلجأ الى "واقعية" مفتعلة تحبط المطالبين بتغيير الأكثرية عبر التخويف من "حرب أهلية".

غالبية الأسلحة الدعائية، وآخرها تصريحات الشيخ نعيم، أصبحت خردة لمجافاتها الحقيقة وتعارضها مع منطق الدولة وقواعد الديموقراطية. لكن ذروة التلاعب الذي يمارسه سياسيو "المنظومة" وحواريهم هي الاتهامات لمعارضيهم بالإئتمار من الخارج والتمويل عبر الأطلسي تحديداً، ليس لأنها صحيحة أو خلاف ذلك، بل لصدورها عن أشخاصٍ وأطراف كادوا يكونون معدومي الوجود لولا دعم الخارج تمويلاً وتسليحاً، أو لولا خطف المؤسسات وتعطيلها لترضخ صاغرة لهوَس المناصب والأطماع الشخصية والفئوية.

تبدو صدقية "حزب الله" وحلفائه في اتهام خصومهم اللبنانيين بالتبعية والتمويل الخارجي المريب كصدقية شعار "ما خلّونا" الوضيعة ونظرية "الكمين" يوم تظاهرة "قبع البيطار". فالأخيرة ساقطة بالمنطق لأنها تحوّر المعطيات وتستنتج كما تشاء، وبالفيديوات لأنها شاهد يستعصي على نزع الاعترافات ويفضح وجوه مطلقي النار. ولا يُفهم كيف يعتقد "الحزب" الذي يجاهر بتلقيه المال والسلاح والتوجيهات من ايران، بأن الخروج على قانون الدولة ينحصر بفريق ولا يتفشى الى آخرين قد نشكر سعيهم الى تغيير سلمي واستبعاد لغة العنف.

خارج المماحكة والسجال، ليس لتحالفٍ سلطوي استباح السيادة والودائع وتسبّب بالانهيار الشامل ادّعاء الحرص على الانتخابات مصنّفاً الناس ومشككاً في وطنية أيّ من الفرقاء. أما مطالبة المنظمات المدنية بكشف حساب فلا تستقيم إلا بعد أن تصبح "المنظومة" كلّها أمام المساءلة والحساب.