نبيل منوال يونس

الصلاحيات المحوّرة في الموازنة العامة

1 شباط 2022

02 : 00

على أثر نشر مشروع موازنة 2022 ارتفعت أصوات عديدة للإعتراض عليه، لا سيما على المادة 109 التي أعطت وزير المالية بمفرده حقّ تعديل تنزيلات وشطور ونسب الضرائب والمادة 133 التي أعطته الحق بتحديد سعر تحويل العملات الأجنبية عند دفع الضرائب بناءً على تفويض من الحكومة.

ومن جهة ثانية، نصّت إحدى عشرة مادة في الفصل الأول على إعطائه صلاحية نقل الإعتمادات بين أبواب الموازنة وبين الموازنة العامة وبعض أجهزة الدولة أو الموافقة عليها وحده وأحياناً مع آخرين.

نصت سبع وثلاثون مادة في باب التعديلات الضريبية في الفصل الثالث كما نصّت خمس عشرة مادة في الفصل الرابع على صلاحيات لوزير المالية لتحديد دقائق تطبيق تلك المواد إما بمفرده أو بالإشتراك مع سواه، بحيث أصبح الوزير صاحب القرار بالموافقة على تفعيل تلك المواد أو عدم تطبيقها كلياً بنتيجة امتناعه عن إصدار تلك القرارات، ولإجراء تسويات على الغرامات ولاقتراح مراسيم بالضرائب والرسوم لتصدر عن مجلس الوزراء، وإما لتحديد أصول وكيفية استيفاء الرسوم وتعديل التنزيلات والشطور والنسب المتعلقة بالضرائب والرسوم ووضع دفاتر شروط، والموافقة على إقامة إنشاءات على عقارات الدولة وإسقاط الايجارات وتحديد آلية وأصول إجراءات تدقيق في بعض المخالفات.

إن ما نشهده اليوم بنتيحة إعطاء تلك الصلاحيات الفائقة لوزير المالية بذريعة تنظيم تطبيق القوانين التي تفرض الضرائب، بالإضافة إلى اشتراط توقيعه على كل المراسيم التي لها طابع مالي (مما يؤدي إلى وجوب توقيعه على الأكثرية الساحقة من المراسيم)، يشكل نقلاً لقسم (لا بل لأكثرية) صلاحيات فرض الضرائب من السلطة الإشتراعية إلى وزير واحد، مما يخالف الدستور ومبدأ فصل السلطات. ويزداد الأمر خطورة بنتيجة اعتماد العرف بتخصيص الطائفة الشيعية بوزارة المالية.

فإذا كانت الديمقراطيات تقوم على فصل السلطات وتوازنها لتؤمّن إشراك ممثلي الشعب بقرارات السلطة الإجرائية والرقابة عليها، فإن الديكتاتوريات تقوم على حصر السلطة بفرد (أو بمجموعة) يؤمّن الأمن والإستقرار للمجتمع لقاء الطاعة، أما أسوأ الأنظمة فهي التي تحصر السلطة بفرد (أو بمجموعة) ويكون ظاهرها نظاماً ديمقراطياً.

قال وزير المالية الفرنسي البارون لويس سنة 1830: «أعطوني سياسة سليمة لأعطيكم مالية جيدة»، ولعلّ عكس هذا القول هو الأصح، إذ يستحيل أن يكون الوضع السياسي سليماً ما لم يكن الوضع الإقتصادي والمالي صحيحاً.

ففي ضوء الوضع الإقتصادي والمالي والمعيشي المأزوم الذي نمرّ به كان يقتضي على الحكومة إصدار موازنة سليمة تراعي الأسس القانونية والمحاسبية لمالية الدولة والقواعد التقنية للموازنات العامة، بغية المساهمة في تحسين الوضع الإقتصادي والمعيشي، وكان يقتضي على أكثرية أعضاء مجلـس النواب إعطاء الموازنة اهتماماً كبيراً والإمتناع عـن التخلي تكراراً عـن دورهم الإشتراعي في المالية العامة، وذلك بالتصويت على موازنات لم يطّلعوا عليها وتأتي بالتالي معيوبة من جرّاء نقل الصلاحيات الإشتراعية بشكل غير مباشر إلى وزير المالية (أي إلى جهة سياسية).


MISS 3