كارين عبد النور

بمناسبة إطلاق القناة الإلكترونية الخاصة بالفنان منصور الرحباني

أسامة الرحباني لـ"نداء الوطن": التجدّد ضمان الاستمرارية

2 شباط 2022

02 : 00

أسامة الرحباني

الكبير منصور الرحباني ثورة حقيقية تخطّت المدى الفني لتشمل ذلك الوطنيّ والاجتماعيّ والإنسانيّ على حدّ سواء. زمنه زمنٌ تبلورت إبّانه الهوية الفنية اللبنانية بأبهى حللها لتحتلّ حيّزاً واسعاً محلياً وعربياً وعالمياً. هو الذي قال فيه وزير الثقافة في حينه، تمام سلام، يوم تشييعه في 16 كانون الثاني 2009 إنه: "لم يمت ولم يختر لنفسه أن يرحل فيما هول المآسي تتصارع فوق شرقنا... في شعره كان غضباً من كرامة وحنيناً ما بعده حنين، وفي موسيقاه كان لهيباً من عنفوان وفي مسرحه سموّاً ما بلغته وصيّة".

اليوم، وبعد ثلاثة عشر عاماً على رحيله، أحيت عائلة منصور ذكرى وفاته بإدراج إرثه الفني والموسيقي في قناة خاصة به على موقع يوتيوب. هي خطوة مميزة تعاون على إتمامها أبناؤه الثلاثة، مروان وغدي وأسامة. الهدف منها إطلاق أول أرشيف مصوّر ومرمّم لأعماله انطلاقاً من العام 1986، إضافة إلى كتاباته النثرية والشعرية وحلقات تلفزيونية مصوّرة كما لقطات تُعرض للمرة الأولى من خلف كواليس مسرحياته. "نداء الوطن" تواصلت مع نجل الراحل، الفنان أسامة الرحباني، وكان هذا الحوار الشيّق:



كيف وُلدت فكرة العمل ومن تعاون على تنفيذه؟


انطلقت الفكرة بعد أن أدركنا ضرورة حفظ إرث منصور الرحباني ضمن مكتبة تحتضن بشكل رسمي ودقيق جميع أعماله الفنيّة، بعيداً عن الفوضى الحاصلة على وسائل التواصل الاجتماعي، إن من ناحية القرصنة أو النسخ "غير النظيفة" أو المعلومات المغلوطة. من هنا، أردنا ضبط هذه العملية عبر قناة قمنا بتأسيسها، أنا ومروان وغدي، على غرار القناة الخاصة بي كما القناة الخاصة بهبة طوجي التي بدأت الفكرة معها. وهكذا حصل. إذ بعد أن قمنا بترميم معظم أعمال منصور وتغذيتها، تمكّنا من حصرها ونشرها على القناة.



ثلاثة عشر عاماً مرّت على وفاة منصور الرحباني. لم اخترتم هذا التوقيت بالذات كي يُبصر العمل النور؟


هل من عوائق حالت دون إطلاقه سابقاً، أم أنكم أردتم أن يُشكل فسحة مميزة في وقت يمرّ به البلد بأسوأ محطاته؟بكل صراحة، يمكن التكلم هنا على شيء من الكسل أو التقاعس نتيجة انهماك كل منّا بأعماله الخاصة. فكما يقول المثل الشعبي: "المال السايب بعلّم الحرام". إلا أننا اكتشفنا مؤخراً وجود تقصير تجاه إرث الرحابنة كافة كما لفتتنا حالة "التفظيع" التي تمارَس بحق أعمال الأخوين الرحباني ومنصور كما بحق أعمالنا نحن، إن من ناحية التشرذم أو التناتش عليها. وهذا ما دفعنا إلى العمل الجاد بهدف توضيب هذا الإرث وتوثيقه بشكل جيد. من ناحية أخرى، لم نجد أفضل وأرقى من هكذا هدية نقدمها إلى روح والدنا في ذكرى وفاته الثالثة عشرة. وسنستمرّ بالعمل الدؤوب لتغذية هذه المكتبة يوماً بعد يوم. أما بالنسبة إلى وضع البلد، فلبنان بركان من السيّئ إلى الأسوأ... والدليل أن كل سنة تحلّ علينا أقسى من سابقاتها.



مسرحية زنوبيا



لم اعتمدتم المنصة الالكترونية لعرض العمل؟


هل للوصول إلى أكبر عدد ممكن من الجمهور أو لجعله مرجعاً فنياً مستقبلياً لا يحدّه توقيت زمني معيّن؟لقد توجهنا إلى المنصة الالكترونية نتيجة تراجع التلفزيونات والإذاعات اليوم عن بثّ الفن الجيّد والهادف والملتزم. فقد ارتأينا وضع هذه الأعمال على قناة تخوّل الجميع الدخول إليها والاطلاع على ما تقع خياراتهم عليه. كما أنّ اعتمادنا هذا يسمح للأجيال الحاضرة والمستقبلية أن تتغذى من المحتوى المعروض، لا سيّما أنّ منصور كان سبّاقاً في أفكاره وتكلّم على لسان الأجيال القادمة. ما لا شكّ فيه أن هذه الطريقة ستسمح لنا أيضاً بالوصول إلى نسبة أكبر من المشاهدين المخولين انتقاء ومشاهدة الأعمال بشكل موثّق ومنظّم. هنا لا بدّ من الإشارة أيضاً إلى أن النسبة الأكبر من الوسائل الإعلامية ووسائل التحميل التي تبيع الحق في بثّ أعمال الأخوين، هي في الحقيقة وسائل غير مرخّصة.



تغطي القناة حوالى 256 عملاً من أعمال منصور الرحباني. هل كان ثمة معيار محدد لاختيار الأعمال أم أن هناك إمكانية لإضافة المزيد لاحقاً؟


طبعاً هناك الكثير الكثير من الأعمال التي لم تُعرض بعد. فالمسرحيات ليست مكتملة جميعها. مسرحية "حكم الرعيان" التي عُرضت في مهرجانات بيت الدين عام 2004 سوف تُضاف كاملة، كذلك الحال بالنسبة إلى مسرحية "زنوبيا" التي عُرضت في دبي عام 2007 ومسرحية "ملوك الطوائف" المعروضة في تنورين عام 2016. أضف إلى ذلك مسرحية "صيف 840" الجديدة التي عُرضت في بيبلوس عام 2009، "آخر أيام سقراط" في دار الأوبرا في القاهرة والإمارات العربية المتحدة عام 1999، "المتنبي" في بعلبك عام 2001 والكثير من السفرات، الأشعار والأعمال الأخرى. العمل ضخم جداً ونعمل على إكماله في المستقبل القريب. في هذا السياق، لا بدّ من أن أوضح للمتابعين بأنّ الأعمال المشتركة التي جمعتني مع الأستاذ منصور، سيجدونها على قناتي الخاصة - وليس على القناة موضوع حديثنا - كوني كنت المنتج وصاحب الرؤية والموسيقى فيها.



هل تتطرق القناة إلى محطات من حياة منصور الشخصية؟ أم أنه تمّ حصرها بحياته الفنية فقط؟

لقد تناولنا مرحلة منصور الرحباني منذ العام 1986 حتى وفاته في العام 2009. وبما أنّ أعماله تتكلم على حياته أساساً، فقد أوردنا على سبيل المثال مشاهد من طريقة تصرّفه خلف الكواليس، كيف يؤلّف، كيف يلحّن، وما إلى ذلك. تلك التصرفات الشخصية المرتبطة بالفن ستظهر جلية في كثير من الأعمال المعروضة على القناة. أما عن حياته الخاصة، وكيفية تعاطيه مع عائلته وأفراد أسرته، كما تصرفه في المجالس الخاصة، فهذه مشاهد لا علاقة لها بالهدف الفني المرجوّ من القناة. من ناحية أخرى، ما زال العمل مستمراً بهدف نشر الكثير من مقابلاته لأنّ كل حديث مع منصور الرحباني هو حلقة ثقافية بحدّ ذاتها يمكن للمشاهد أن يكتسب منها. وهي مادة لن نبخل في عرضها على المشاهدين مع حفظ حقوق المؤسسات والتنسيق معها قبل تحميلها على المنصة.



وسام تقدير لمنصور الرحباني



كيف ستشكل القناة برأيكم إضافة إلى المكتبة الفنية الرحبانية واللبنانية بشكل عام؟

إنّ مجرّد تأسيس نقطة البداية المتعلّقة بالمسرح وبالبرامج التلفزيونية الخاصة بمنصور الرحباني يُعتبر إضافة بذاته. لقد بدأنا من نقطة أساسية وستكون قاعدة ومنطلقاً سيُبنى عليهما في الأمور الأخرى جميعها، إن لناحية تحقيق إضافات فنية أو حتى عرض أمور لم تكن موجودة سابقاً. كذلك فإنّ الأعمال المسرحية الكاملة المقدمة بحلّة جديدة وفق تقنيات الصوت والصورة المستحدثة، والمسرحيات الغنائية التي قُدّمت في لبنان والعالم العربي ولم تُعرض كاملة، تُشكل هي الأخرى إضافة إلى المكتبة الفنية الرحبانية واللبنانية وحتى العربية.


هل هناك مشروع مستقبلي لقناة تشمل أعمال الأخويـن الرحباني معاً؟

طبعاً، الفكرة واردة ونأمل الانطلاق في العمل الجدّي عليها في وقت قريب. فإنشاء هذه القناة سيتطلّب التعاون المشترك بين ورثة الأخوين مجتمعين. وأودّ هنا أن ألفت النظر إلى أن هذه الخطوة ستتطلّب منّا جهوداً إضافية، إذ كلّما عُدنا بالزمن إلى الوراء أصبحت الأمور شائكة أكثر. نحن نتكلم في هذا الإطار عن حقبة تعود إلى أكثر من سبعين سنة خلت. فعملية تجميع الأعمال والتنسيق مع المؤسسات والقنوات التلفزيونية والشركات ليست بتلك السهولة. تلي هذه الخطوة عملية ترميم الأعمال وهي عملية تصبح أكثر تعقيداً مع مرور الزمن. إدراج أعمال الأخوين ليس بالأمر السهل، لكن الفكرة مطروحة ونأمل ترجمتها واقعاً.



مسرحية جبران والنبي



هل ترون في الجيل الحالي من الرحابنة، وأنتم في صميمه، امتداداً للإرث الرحباني أو تجديداً لا بدّ منه لمحاكاة العصر؟ أو الاثنين معاً؟

لكلّ منّا امتداده عبر الأعمال الفنية التي يقدّمها. لا شكّ أننا نمثل الجيل الجديد لكننا ننهل من النبع الأساسي وننطلق منه، إن من ناحية الالتزام المهني، أو احترام مقاييس معينة، أو حتى طريقة التفكير والاحتراف. وهي جميعاً أمور ورثناها وما زلنا ملتزمين بها. لكننا مضطرون إلى سلوك طريق التجدد كل بحسب أفكاره، إبداعه وثقافته. وهذا ما يبدو جلياً في الكثير من أعمالنا. باختصار، التجدد هو ضمانة لاستمراريتنا.


أخيراً، هل سيقاس نجاح القناة نسبة إلى حجم الولوج إليها وعدد المشاهدات لمحتواها أو ثمة معيار آخر لناحية تحقيق الغاية المرجوة؟

مقياس النجاح هو مستوى الأعمال المعروضة والمتاحة للجميع وجودتها وتنظيمها. إذا عرضنا كتاباً لشكسبير، على سبيل المثال، ولم يقم الجمهور بقراءته، فهذه مشكلته. وإذا لم يستهو القارئ كتابٌ عن بيتهوفن بل موقع للدردشة، فهذه مشكلته أيضاً. لذلك، ليس هذا مقياساً للنجاح لا سيّما في العالم الافتراضي الذي هو سمة عصرنا. نأمل أن نكون قد نجحنا في عرض مرحلة تاريخية من مراحل فنّ أسّس لمفهوم وطن مختلف ولرؤية مختلفة كانت متقدّمة على عصرها وأن نستمرَ في تقديم كل جديد من مشاريع فنية ومسرحية.



منصور الرحباني



وُلد منصور الرحباني في أنطلياس عام 1925 ولم ينفصل اسمه عن اسم أخيه الأكبر عاصي حتى وفاة الأخير عام 1986. فكان من أبرز أعمالهما المسرحية الخالدة: أيام الحصاد، محاكمة، موسم العز، جسر القمر، عودة العسكر، بياع الخواتم، صح النوم، ناس من ورق، لولو، ميس الريم، بترا. أما في السينما فأكثر ما انطبع في الذاكرة أفلام بياع الخواتم، سفر برلك وبنت الحارس. بعد رحيل عاصي في العام 1986، أكمل منصور مشواره الفني وحيداً، وكانت أهمّ أعماله المسرحية: صيف 840، الوصية، آخر أيام سقراط، أنطولوجيا رحبانية، وقام في اليوم الثالث، أبو الطيب المتنبي، آخر يوم، عودة الفينيق، زنوبيا، حكم الرعيان وجبران والنبي. وكان بعض هذه الأعمال مشتركاً مع الفنان أسامة الرحباني بصفته المنتج وصاحب الرؤية والموسيقى. وله في الشعر دواوين "أنا الغريب الآخر"، "أسافر وحدي ملكاً"، "بحار الشتي"، " القصور المائية" و"أولى القصائد"، إضافة إلى كتاب "قصائد مغناة للأخوين رحباني".



MISS 3