"إضعاف الحضور المسيحي سيدمّر هوية لبنان"

غالاغر: على من هم في السلطة أن يوقفوا العمل من أجل مصالحهم الخاصة

02 : 00

غالاغر والوفد الفاتيكاني في بعبدا

جرعة دعم فاتيكانية تلقاها لبنان، مشفوعة بقلق عليه وعلى شعبه، جراء الأزمة العميقة التي يمر بها، وبرغبة بزيارة قريبة يجريها قداسة الحبر الاعظم البابا فرنسيس.

الموقف الفاتيكاني هذا نقله امين سر الكرسي الرسولي للعلاقات بين الدول المونسنيور ريتشارد بول غالاغر الذي يزور لبنان، بطلب من البابا مذكّراً بتحذير قداسته من اي اضعاف للحضور المسيحي الذي من شأنه ان يدمر التوازن الداخلي وهوية لبنان، ومبدياً خشيته ألا يكون مستقبل هذا الوطن مضموناً، داعياً الجميع الى الحفاظ على لبنان كرسالة للعيش معاً والأخوة والرجاء بين الأديان، ومشجعاً على الحوار بين اللبنانيين. كما شدد على ضرورة ان يتخذ من هم في السلطة القرار الحاسم بالعمل من اجل السلام وليس من اجل مصالحهم الخاصة، قائلا: "لتكن هذه الفرصة بمثابة نهاية للذين يستفيدون من معاناة الجميع".

في بعبدا

المونسنيور غالاغر الذي يواصل زيارته في لبنان حتى 4 الجاري سيتابع لقاءاته مع المسؤولين السياسيين ومع شخصيات ثقافية وسياسية، كما سيزور بعض الأماكن الدينية كدير مار مارون وضريح القديس شربل في عنايا، وسيشارك في افتتاح ندوة حول البابا القديس "يوحنا بولس الثاني ولبنان" التي تنظمها جامعة الروح القدس الكسليك. وهو زار امس قصر بعبدا والتقى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في حضور السفير البابوي المونسنيور جوزف سبيتري، والقائم بالاعمال في السفارة البابوية المونسنيور جيوزيبي فرانكوني والمونسنيور ماركو فورميكا. ونقل تحيات البابا الى عون، ومن خلاله الى اللبنانيين، مؤكداً متابعته بدقة تطورات الأوضاع في لبنان الذي "يستحق عناية استثنائية، لأن كل الشرق الأوسط يتطلع اليه كرسالة للمستقبل، من هنا وجوب الحفاظ على الهوية الوطنية لهذا البلد، الذي إذا ما تطورت الأوضاع فيه إيجابياً فإن الامر سينعكس على المنطقة". وأكد ان لبنان القوي والمتضامن يمكن ان يشكل مثالاً لكل الشرق الأوسط، بمسيحييه ومسلميه وذلك في خدمة الخير العام للجميع، وهذه هي حقيقة دعوة لبنان. آملا أن يلعب هذا الدور في المستقبل من جديد، وقال: من السهل ان نقول ان لبنان رسالة، ولكن علينا العمل معا من اجل ان تصبح هذه الرسالة حقيقة ملموسة". وإذ اكد ان البابا فرنسيس أعرب عن رغبته في زيارة لبنان"، قال: "قداسته سيأتي قريبا. ولكن علينا تحديد معنى كلمة قريبا"، متمنيا على عون ان يقوم بزيارة الى الكرسي الرسولي".

وقال غالاغر بعد اللقاء: "ان الأب الأقدس اوصاني ان انقل الى الشعب اللبناني قربه منه وقلقه عليه وعلى لبنان جراء الازمة الاقتصادية والاجتماعية السياسية العميقة التي يمر بها هذا البلد. عندما توجه الأب الأقدس الى اعضاء السلك الدبلوماسي منذ عدة أيام، لمناسبة التهاني بحلول العام الجديد، قال عن لبنان ما يلي: "اعتقد أن الإصلاحات الضرورية إضافة الى دعم المجتمع الدولي سيساعدانه في الاستمرار بهويته الخاصة، كمثال للتعايش السلمي والاخوة بين مختلف الأديان. وفي هذه المناسبة احضّ المجتمع الدولي على مواصلة تقديم الدعم والمساعدة للبنان لبلوغ طريق القيامة. وآمل ان يستمر هذا البلد في لعب دور النموذج والمثال كمجتمع مفعم بالتسامح والتعددية في الشرق الأوسط، حيث بإمكان الطائفة المسيحية ان تقدم مساهمتها".

أضاف: "وفي كلمته الى السلك الدبلوماسي العام 2021، قال الحبر الأعظم البابا فرنسيس عن لبنان ما يلي: "ان المسيحيين بعملهم التربوي والصحي والإنساني، يشكلون جزءأ لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والتاريخي للبنان. ومن الواجب ضمان إمكانية مواصلة المسيحيين جهودهم من اجل مصلحة البلد الذي كانوا من مؤسسيه. وأي اضعاف للحضور المسيحي من شأنه ان يدمر التوازن الداخلي وهوية لبنان".

وتابع: "اود ان انتهز هذه الفرصة لأعبّر عن قربي وتعاطفي مع ضحايا الانفجار المروع الذي ضرب مرفأ بيروت في الرابع من آب 2020 وعائلاتهم. عسى ان يحظى جميع اللبنانيين وأهالي الضحايا بالتعزية في ايمانهم وفي تحقيق العدالة. وأخيرا اسمحوا لي أن اذكركم بما قاله الحبر الأعظم البابا فرنسيس في الأول من تموز 2021 حين جمع رؤساء الكنائس في الفاتيكان: "في هذه الأيام المفعمة بالأمل نود أن نؤكد ان لبنان كان ولا يزال ويجب أن يبقى مشروع سلام. إن دعوته هي ان يكون ارضاً للتسامح والتعددية وواحة للأبدية حيث يلتقي جميع الطوائف والأديان، وتعيش الطوائف معاً، واضعة المصلحة العامة والخير العام فوق مصالحها الخاصة. وهنا اود ان اعيد التأكيد على ضرورة ان يتخذ من هم في السلطة القرار الحاسم بالعمل من اجل السلام وليس من اجل مصالحهم الخاصة. ولتكن هذه الفرصة بمثابة نهاية للذين يستفيدون من معاناة الجميع. من غير المسموح ان تبقى نصف الحقيقة محبطة لآمال الشعب، وتوقفوا عن استخدام لبنان والشرق الأوسط من أجل المصالح الخارجية. يجب أن يحظى الشعب اللبناني بفرصة لان يكون بأبنائه مهندساً لمستقبل أفضل على أرضه بعيداً من أي تدخل خارجي".

حوار

بعد ذلك، دار حوار بين الصحافيين والمونسنيور غالاغير فقال رداً على سؤال: "أكد لي البابا قبل أن استهل هذه الزيارة، بأنه يرغب ويريد ان يأتي الى لبنان، قريباً جداً. لكن يبقى ان نحدد معنى كلمة قريباً. هو يريد ان يأتي وسيأتي".

وهل يخشى الكرسي الرسولي زوال لبنان؟ أجاب: "هذا امر بديهي عندما نلاحظ ما يجري ليس فقط في لبنان، بل أيضا في المنطقة. نعم اننا نخشى الا يكون مستقبل هذا الوطن مضموناً. ونحن ندعو الجميع، وكافة القادة سواء محلياً او دولياً، للحفاظ على لبنان كرسالة للعيش معاً والاخوة والرجاء بين الأديان".

وعن استعداد الكرسي الرسولي لمساعدة لبنان في حل مسألة النزوح السوري لا سيما وان مناطق عديدة في سوريا باتت آمنة؟ أجاب: "اننا ملتزمون بهذا الامر من خلال محادثاتنا مع ممثلي دول المنطقة والمنظمات الدولية...".

وعن امكانية دعوة القيادات الى حوار وطني لتثبيت الهوية الخاصة؟ وجهوزية الفاتيكان لرعايته أجاب: "في الواقع ان النشاط الدبلوماسي هو عبارة عن حوار ومخاطبة بين ممثلين عن كيانات معترف بها دوليا. وفي هذه الحال نتحدث عن لبنان وحكومته من جهة، وعن الكرسي الرسولي من جهة أخرى. في أي حوار لا يمكن التنبؤ بما ستكون عليه النتيجة ولكن بشكل بديهي سوف نشجع بصورة ضمنية وصريحة الزعماء السياسيين والمجتمع المدني على ذلك وفق الدرجة التي سنكون على تواصل معها. وعندما نتحدث عن دور المسهّل او الوسيط بين لاعبين سياسيين، من الممكن ان نلعب هذا الدور وذلك اذا ما توفرت دعوة الى الكرسي الرسولي من جميع الأطراف المعنيين للقيام بهذا الدور. إذاً إذا ما توفرت هذه الرغبة او الدعوة الجماعية، نحن مستعدون للقيام بهذا الدور".

رد عون

وشكر عون للبابا عمق محبته للبنان وقال:"نتطلع بشوق الى الزيارة التي وعدنا قداسته بالقيام بها للبنان، آملين ان تكون بداية لقيامة هذا البلد معافى من أزماته". وقال: "اننا نتطلع الى مواصلة هذا الدعم الفاتيكاني بالنظر الى جسامة التحديات التي تواجهنا وهي غير مسبوقة في تاريخ لبنان الحديث، ونأمل اننا، ومن خلال هذا الدعم الى جانب دعم آخرين من أصدقاء لبنان في العالم، ان نتجاوز الانعكاسات السلبية للأزمات والصراعات الإقليمية".

في عين التينة

وزار غالاغر والوفد المرافق رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة بحضور سفير الفاتيكان في لبنان، وقال بعد اللقاء: "كنت مهتماً لمعرفة رؤية وآراء دولة الرئيس بري وهي آراء مستنيرة وأعتقد اننا نستطيع التقدم الى الأمام من خلال حوارنا بين الأطراف السياسية المتعددة في لبنان، وهي أيضا مساعدة لنا لفهم طبيعة التحديات التي يواجهها لبنان واللبنانيون".

وختم: "لنا في الكرسي الرسولي مساهمات متواضعة للبنانيين من اجل تشجيعهم على ألّا يفقدوا الأمل خاصة في هذه اللحظات الصعبة على الجميع، ونأمل ان يحمل المستقبل أياما أفضل للبنان".

في اليرزة

غالاغر زار قائد الجيش العماد جوزاف عون، في مكتبه في اليرزة، واطلع منه على "وضع الجيش الحالي، في ظل الأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان".

ونوه بـ"دوره على الصعيد الوطني وفي المحافظة على الأمن والاستقرار، رغم التحديات التي يواجهها، وبالجهود التي تقوم بها القيادة للمحافظة على معنويات العسكريين ودعم صمودهم".

صلاة لضحايا تفجير المرفأ

وفي خطوة لافتة جداً زار غالاغر رعية مار مخايل - النهر، وكان في استقباله راعي أبرشية بيروت المارونية المطران بولس عبد الساتر. ورفع الصلاة لأجل راحة أنفس ضحايا تفجير مرفأ بيروت في 4 آب 2020 ولأجل شفاء المتضررين جسدياً ونفسياً، ولأجل أن يلهم الرب المسؤولين في لبنان ليعملوا على جلاء حقيقة هذا الانفجار الآثم وتحقيق العدالة.


MISS 3