زار بكركي والتقى البطاركة وممثليهم وشارك في مؤتمر الكسليك

غالاغر: هناك حاجة إلى تجدّد وإصلاحات داخلية

02 : 00

اعتبر أمين سرّ دولة الفاتيكان للعلاقات مع الدول المطران بول ريتشارد غالاغر، أنّ علاقة البابا يوحنا بولس الثاني بلبنان»كانت مميزة للغاية»، مذكّراً بدعوة قداسته الأسرة الدولية مرات عدة منذ بداية حبريّته إلى مساعدته «على التوصل إلى السلام ضمن أرض وطنٍ يحترمه ويعترف به الجميع، داعماً إعادة بناء مجتمع عادل وأخويّ، في حين عملت الديبلوماسية الفاتيكانية بلا كلل، إن على الصعيد الثنائي أو المتعدد الأطراف، على توفير الظروف المؤاتية لإحلال السلام الدائم».

وفي كلمة له أمس خلال مشاركته في مؤتمر عن «البابا يوحنا بولس الثاني ولبنان الرسالة»، افتتحته جامعة الروح القدس - الكسليك لمناسبة مرور 25 عاما على زيارته لبنان، قال غالاغر: «يُلتمس التزام الحبر الأعظم الخاص تجاه لبنان عبر الاحتفال بالسينودس الخاص من أجل لبنان الذي عقد في العام 1995 والإرشاد الرسولي الذي انبثق منه تحت عنوان «رجاء جديد للبنان». وأكّد أن البابا يوحنا «جمعته بلبنان أواصر صداقة متينة وجميلة تجلّت بطرق عدة وساعدت هذا البلد على النمو وتوطيد هويته. ففي رسالة بابوية إلى الأساقفة الكاثوليك عن الوضع في لبنان في 7 أيلول 1989، دعا البابا يوحنا بولس الثاني إلى الصلاة على نية أن يتبيّن للعالم أن «لبنان هو أكثر من بلد: إنّه رسالة حرية وعيش مشترك للشرق والغرب». واعتبر أنّ «هذه الصورة المحببة إلى قلبنا جميعاً، نموذج لتحديد هوية لبنان، وهي هوية لطالما أولاها الكرسي الرسولي اهتماماً خاصاً، ولا شكّ في أن زوال لبنان من شأنه أن يكون موضع أسف شديد للعالم بأسره، في حين أن المحافظة على هذا البلد هي من أكثر المهام نبلاً وإلحاحاً التي ينبغي للعالم المعاصر أن يتولّاها، كما جاء في الرسالة البابوية التي وجّهها البابا يوحنا بولس الثاني إلى الأساقفة الكاثوليك عن الوضع في لبنان».

وقال غالاغر: «ما زال الشعب اللبناني يعاني الأمرّين، ومعاناته واضحة للجميع. ففي ظل تنامي الفقر، تجد عائلات عدة نفسها عاجزة عن النفاذ إلى حساباتها المصرفية، في حين أن المدارس والجامعات والمستشفيات تعاني النقص في التمويل. ما هو السبيل إلى الحل؟ لا شكّ في أنّ الأسرة الدولية يجب أن تساعد لبنان على مواجهة هذا الأفق الاقتصادي المسدود ووضع حدّ له. لكن هناك حاجة أيضاً إلى تجدد وإصلاحات داخلية تترافق مع تنبيه حقيقي للخير العام والتزام مقاربة تتخطى المصالح الضيقة للأفراد والجماعات. ويمكن تخطي الانقسامات والجمود السياسي والاقتصادي عبر الديموقراطية الحقة، وقوامها الحوار والوحدة والتفاهم ووضع الخير العام في مصاف الأولويات».

وفي معرض الحديث عن العلاقة بين المسيحيين والمسلمين، أكد غالاغر أنّ «المسيحية لطالما شكلت عنصراً أساسياً في ثقافة هذه المنطقة الجغرافية، وخصوصا في بلاد الأرز الغنية اليوم بتعدد التقاليد الدينية فيها»، وقال: «بالفعل، يعيش الكاثوليك التابعون لكنائس بطريركية متنوعة وللكنيسة اللاتينية في هذا البلد، وهو أيضًا موطن لمسيحيين من كنائس ومجموعات كنسية أخرى، إضافة إلى المسلمين والدروز. وتمثل هذه الطوائف المتنوعة مصدر غنى وفرادة وتحدّ للبنان في آنٍ. غير أنّ مساعدة لبنان على الازدهار مهمة تقع على عاتق أبنائه جميعاً، على مسيحيي لبنان والعالم العربي وكلّ الفخورين بهذا الإرث أن يساهموا بشكل فاعل في تحقيق الخير العام من طريق الثقافة والتطور. وننوّه هنا بأن الإسلام والمسيحية يتشاركان عدداً من القِيم الإنسانية والروحية التي لا تحتمل التأويل... يعيش المسيحيون والمسلمون في الشرق الأوسط ضمن منطقة واحدة، وقد شهد تاريخهم المشترك محطات مجيدة وأخرى أليمة، وهم اليوم مدعوون إلى العمل معاً على بناء مستقبل قائم على الأخوة والتعاون».

وذكّر غالاغر بأمل البابا يوحنا بولس الثاني بأن «يساهم الحوار والتعاون بين المسيحيين والمسلمين في لبنان في إطلاق المسار نفسه في دول أخرى في الشرق الأوسط ومناطق أخرى من العالم». ونوّه بـ»الاهتمام المستمرّ الذي يوليه الكرسي الرسولي للبنان منذ زيارة البابا بنديكتوس السادس عشر لبيروت في أيلول 2012، وصولاً إلى البابا فرنسيس الذي ألقى مراراً الضوء على أهمية الوحدة والحرية والعيش المشترك والتعدّدية والحوار، واصفاً لبنان بـ»واحة الأخوة»، مطلقاً مناشدة من القلب في ختام يوم الصلاة من أجل لبنان في الأول من تموز 2021، ومفادها: «كُلّ من فيِ يَدِهِ السلطة، فليضع نَفسه نِهائِياً وَبِشَكْل قاطِعٍ في خِدْمَةِ السلام، لا في خِدمة مَصالِحِهِ الخاصَة. كَفَى أنْ يبحث عدد قليل مِنَ الناسِ عن منفعة أنانِية علَى حِسابِ الكَثيرين! كَفَى أنْ تسيطر أَنْصافُ الحَقائِقِ علَى آمالِ الناس. كَفَى اسْتِخْدامُ لبنانَ والشَرْقِ الأوْسَط لِمَصالِحَ وَمَكاسِبَ خارجِيَة! يَجِبُ إعْطاءُ اللبنانِيِينَ الفُرْصَةَ لِيَكُونوا بُناةَ مُسْتَقْبَلٍ أفْضَل، علَى أرْضِهِم وَبِدونِ تَدَخُلاتٍ لا تَجُوز».

وختم: «إن هذه المناشدة التي تضاف إلى مواقف البابوات يوحنا بولس الثاني وبنديكتوس السادس عشر وبولس السادس وبيوس الثاني عشر تمثل أفضل أمل للبنان واللبنانيين في قيام بلدٍ لديه الحرية بأن يبلغ ملء هويته، حيث التعددية هدية والعيش المشترك نعمة ومثال يحتذى».

إشارة إلى أن المؤتمر يستمر يومين ويبحث في 5 محاور أساسية، وهي: «المسار التاريخي؛ العلاقات المسيحية - الإسلامية في الحالة اللبنانية؛ العيش المشترك والدولة والمجتمع؛ التربية والثقافات والحريات؛ وإعلان أبو ظبي ورسالة لبنان». وشارك فيه، إلى غالاغر، الرئيس العام للرهبانية اللبنانية المارونية الاب نعمة الله الهاشم، سفير لبنان لدى الكرسي الرسولي الدكتور فريد الخازن ونخبة من أهم الخبراء والعلماء الدينيين والعلمانيين «لمناقشة أهمية لبنان المتنوعة الأوجه في هذه المنطقة المتعددة».

وحضر الافتتاح عدد من البطاركة والمطارنة والسفير البابوي المونسنيور جوزف سبيتيري، وحشد من الأساقفة والرئيسات العامات والمدبرين العامين وعدد من الوزراء والنواب السابقين والنقباء والمديرين العامين. ثم توجه غالاغر إلى بكركي حيث استقبله البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قبل أن ينضم إلى المطارنة الموارنة، في اجتماعهم الشهري وقبل لقائه البطاركة وممثلين عن بعضهم. وقد شارك في اللقاء الكاثوليكوس آرام الأول، البطريرك مار يوسف الثالث يونان، ممثل البطريرك يوحنا العاشر المتروبوليت الياس كفوري، والمطران سيزار اسيان، بحضور السفير البابوي في لبنان جوزيف سبيتيري وسفير لبنان في الفاتيكان الدكتور فريد الخازن.

بعد اللقاء، قال غالاغر: “أتيت اليوم لزيارة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي والأساقفة الموارنة باسم قداسة البابا للتحدث والاطلاع على وضع البلد والكنيسة، فمن المهم جداً تحقيق هذا التواصل مع إخوتنا الأساقفة وتبادل الحديث مع معارفنا والسلطات من خلال المبادرات الأكاديمية التي شاركنا فيها”.

أضاف: “بكل صدق، أتاحت لي هذه الزيارة وبعض اللقاءات التي أقمتها إمكانية إدراك الحقيقة في لبنان في وقت أزمته هذه. وبالتالي، أشكر قداسته على سماحه وتسهيله إقامة هذه الزيارة، وأعتقد أننا سنعود إلى روما برؤية أوضح عن المصاعب ودور الكنيسة في المستقبل والبحث عن إمكانية مساعدة لبنان في هذه الأوقات الصعبة”.


MISS 3