كريغ سينغلتون

الرئيس الصيني شي جين بينغ يحمي نفسه من انقلاب داخلي

5 شباط 2022

المصدر: Foreign Policy

02 : 01

قد تظهر صور الرئيس الصيني، شي جين بينغ، في جميع نشرات الأخبار اليوم لكنه اختفى من الساحة الدولية على أرض الواقع. هو يقبع في بكين منذ أكثر من 700 يوم، ولم يحضر جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة، أو قمة مجموعة العشرين في روما، أو قمة المناخ التي نظمتها الأمم المتحدة في غلاسكو، اسكتلندا، في السنة الماضية. يتزامن اختفاء الرئيس مع احتدام المشاكل المحلية التي يواجهها مع الحزب الشيوعي الصيني، بما في ذلك اشتداد أزمة نقص الطاقة، وارتفاع نسبة البطالة، وترنّح سوق العقارات واقترابها من الانهيار.

أصبح الوضع مختلفاً عمّا كان عليه قبل زمن كورونا، حين اعتاد شي جين بينغ على التفاخر بإطلاق نظام عالمي جديد محوره الصين. يؤكد رفضه السفر إلى الخارج اليوم على رغبته الشديدة في الإشراف على موجات كورونا المتجددة، علماً أن تداعياتها الثانوية شلّت الإنتاج الصناعي في الصين. لكن لا يمكن اعتبار الوباء المستجد السبب الوحيد لرفض الرئيس الصيني مغادرة مقرّه أو تأجيل طموحاته الدولية الكبرى، ولو موقتاً.

بناءً على تصريحاته الأخيرة، قد نستنتج أن عاملاً آخر يشغل باله في هذه الأيام: تزداد المخاوف من نشوء مقاومة لسلطته من جماعات داخل الحزب الشيوعي الصيني.

تزامناً مع تخبّط اقتصاد الصين وتعثّر مكانتها العالمية، أدرك شي جين بينغ سريعاً أن مطالبته بشكلٍ من "الولاء المطلق" داخل الحزب الشيوعي الصيني، بعد مرور عشر سنوات تقريباً على وصوله إلى السلطة، تبقى فكرة وهمية في أفضل الأحوال ومتهورة في أسوئها. يبدو الوضع مقلقاً جداً قبل أقل من عشرة أشهر على موعد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني، حيث يتوقع الكثيرون أن يبقى شي جين بينغ أمين عام الحزب للمرة الثالثة.

قال الرئيس الصيني محذراً في تشرين الثاني الماضي: "إذا كنا متساهلين، سيموت الناس في النهاية". هذه الكلمات الخطيرة والمبهمة تشير إلى سيطرة هذا الزعيم على السلطة، لكنها كانت جزءاً أساسياً من خطابه في الجلسة السادسة للنُخَب في الحزب الشيوعي الصيني. خلال هذا الاجتماع بالذات، فرض شي جين بينغ قراراً تاريخياً يقضي بتغيير تقليد امتدّ على عقود لحصر عهد الزعيم الصيني بولايتَين من خمس سنوات.

استعمل شي جين بينغ أسلوباً مباشراً أيضاً في بداية كانون الأول 2021، فأكّد استراتيجية حكومته الرامية إلى حماية "الأمن القومي"، علماً أن هذه العبارة تُستعمَل في لغة الماندرين الصينية لوصف المخاطر المحلية التي تُهدد شرعية الحزب الشيوعي الصيني بدل الدلالة على التحديات العسكرية أو الجيوسياسية. على رأس قائمة التهديدات المرتقبة في العام 2022، لا تقتصر المخاطر المحتملة على "الاستقرار"، وهو مصطلح شائع في الوثائق السابقة. شدّد شي جين بينغ هذه المرة على مفهوم حماية "أمن الدولة"، ما يعني اعتبار أي خطر ضد الدولة تهديداً للحزب كله. يثبت هذا التركيز على تدابير الوقاية وفرض السيطرة للحفاظ على تماسك اجتماعي قوي وجود نزعة إلى تطبيق مقاربة استباقية أكثر من أي وقت مضى. تتزامن هذه الاستراتيجية أيضاً مع تركيز الرئيس الصيني على دور أعضاء الحزب في حماية معيارَين أساسيَين: إنه المفهوم القائل إن أعضاء الحزب مُلزَمون بحماية سلطة الحكومة المركزية ومنصب شي جين بينغ القيادي.

استمرّ تركيز الرئيس الصيني على أمن النظام خلال تعليقات لاحقة في كانون الأول، أمام جمهور شمل معظم أعضاء اللجنة الدائمة للمكتب السياسي في الحزب الشيوعي الصيني. طلب شي جين بينغ من جميع الحاضرين التعهد بحماية سلطة القيادة المركزية والموحّدة في الحزب. هو يريد أن يثبت قادة الحزب إذاً ولاءهم الشخصي له. كرّر أعضاء اللجنة الدائمة للمكتب السياسي هذا الوعد نفسه في مناسبات كثيرة خلال السنوات الأخيرة، لكن لماذا يحتاج شي جين بينغ إلى سماع تعهدهم بشكلٍ علني ومتكرر إذا كان مستقبله السياسي مضموناً كما يجاهر دوماً؟

يرفض الرئيس الصيني مغادرة الصين ويُصِرّ على ترسيخ ولاء القادة له لسبب بسيط: هو يدرك أنه يزداد ضعفاً!

لطالما حاول شي جين بينغ التأكيد على ثقته بنفسه لإخفاء شعوره بانعدام الأمان وتشكيكه العميق بالمقربين منه. لقد بلغ تبجّحه أعلى المستويات في بداية عهده، حين تعافى الاقتصاد الصيني سريعاً غداة الأزمة المالية في العام 2008. بدا إعجاب قادة الحزب أو احترامهم الرئيس الصيني أقل أهمية من قدرته على تحقيق نتائج ملموسة، وهو حقق الإنجازات فعلاً في معظم المجالات.

هكذا كان الوضع حتى العام 2021. بدأ الاقتصاد الصيني يتباطأ منذ فترة، لكن تراجع النمو بطريقة جذرية في الأشهر الأخيرة من السنة الماضية. يمكن نَسْب جزءٍ من هذا التراجع إلى سوء الإدارة المالية تحت إشراف شي جين بينغ، بما في ذلك أجندته التنظيمية الشاملة التي تهدف إلى "كبح توسّع الرساميل العشوائي"، لا في مجال التكنولوجيا وحده، بل في جميع قطاعات الاقتصاد الصيني. تبرز عوامل مؤثرة أخرى، منها إقفال المصانع كجزءٍ من سياسات عدم التسامح مع فيروس كورونا، فضلاً عن ارتفاع أسعار المواد الخام وكلفة اليد العاملة. لكن بغض النظر عن الأسباب، من الواضح أن هذا التباطؤ المفاجئ أثار رعب الحزب الشيوعي الصيني. أعلنت أهم هيئة لإنفاذ القانون في الصين حديثاً: "في ظل التراجع الاقتصادي، قد تظهر مشاكل عميقة".

بدأت جهـــات متزايدة داخل الحزب الحاكم تطرح أسئلة مزعجة حول براعة شي جين بينغ الاقتصادية ونهجه في الحُكم في أسوأ توقيت على الإطلاق، أي قبل بضعة أشهر على تتويجه لولاية ثالثة.

ألقى كوي تيان كاي، السفير الصيني السابق في واشنطن، خطاباً جديداً جذب اهتماماً كبيراً في الأوساط الصينية السياسية والدبلوماسية، فاستعمل كلمات مثل "اللامبالاة" و"قلة الكفاءة" لدق ناقوس الخطر حول تراجع مكانة بكين العالمية وزيادة القدرة الأميركية على كبح الطموحات الصينية. وفي انتقاد لاذع لدبلوماسية "الذئب المحارب" التي أطلقها شي جين بينغ، ذكر كوي أن الصين "يجب ألا تخوض حرباً لسنا مستعدين لها، أو حرباً لسنا واثقين من الفوز بها، أو حرب استنزاف دافعها الغضب". حتى أنه حذر قائلاً: "لقد حققنا كل منفعة لصالح شعبنا بأصعب الطرق، ويجب ألا نسمح لأحد بسلبها منا أو نتكبّد الخسائر بسبب لامبالاتنا وكسلنا وقلة كفاءتنا".

على صعيد آخر، يكشف تبدّل طبيعة حملة مكافحة الفساد التي يقودها شي جين بينغ أن الحزب الحاكم يشهد خلافات داخلية. لطالما كانت حملات التطهير التي أطلقها ماو تسي تونغ عشوائية، فاستهدفت الأصدقاء والخصوم الذين يخالفونه الرأي. أما حملة شي لتطهير الحزب، فقد استهدفت في المقام الأول أي خلفاء محتملين وخصوم سياسيين. هذا الأسبوع، صدر حُكم إعدام مع إرجاء التنفيذ ضد دونغ هونغ المقرّب من نائب الرئيس الصيني وانغ كيشان، خصم شي جين بينغ. لكن طُرِد حديثاً عدد من كبار المسؤولين الآخرين وقد اختار الرئيس الصيني بعضهم شخصياً، فأُقيلوا من مناصبهم بتهمة ارتكاب مخالفات فادحة ومرتبطة بالفساد.

كانت إقالة دونغ تتماشى مع قواعد شي جين بينغ، لكن استهدفت حملات تطهير أخرى مسؤولين عيّنهم الرئيس الصيني وأكّد كفاءتهم بنفسه. لكن لم يُعتبر أيٌّ منهم خصماً قوياً، ما يثبت أن شي جين بينغ لم يوصلهم إلى الفشل عمداً. هذه التطورات تزيد الأسئلة المطروحة بدل إيجاد أجوبة وافية. في الحد الأدنى، يكشف الوضع القائم أن سلطة شي جين بينغ داخل الحزب الحاكم، بعد مرور عشر سنوات على بدء عهده، لا تزال مسألة فوضوية وشائكة.

في ظل تدهور سمعة الصين على المستوى الدولي، من الواضح أن شي جين بينغ يعجز عن قيادة العالم في "الحقبة الجديدة" التي أنذر بها سابقاً كونه لا يستطيع ترك معقل سلطته ولو للحظة. فيما يتابع الرئيس الصيني التركيز على طرح الصين كخيار بديل عن الولايات المتحدة، يثبت رفضه مغادرة البلد وخطابه التشكيكي في الفترة الأخيرة أن أهدافه العالمية المتغطرسة ستتأجل على الأرجح للتركيز على تحديات الحُكم الداخلية الأكثر إلحاحاً في معظم فترات العام 2022. هذه الفسحة قد تسمح لإدارة جو بايدن بتنظيم سياستها المتأخرة تجاه الصين، علماً أن هذا الملف يبقى من أبرز هفوات فريق بايدن في مجال السياسة الخارجية بعد مرور سنة على بداية عهده.

سبق وأخطأ عدد كبير من المراقبين في تفسير مؤشرات المقاومة ضد حملة شي جين بينغ القمعية في الماضي، لذا من المبكر على الأرجح التأكيد على انتهاء مسيرته السياسية. كذلك، لا تصبّ الظروف في مصلحة أي متآمرين محتملين يتمنون أن يُخفق شي جين بينغ في أسرع وقت لكنهم يفتقرون إلى الوسائل اللازمة لكسب دعم الآخرين بكل أمان وثقة. في مطلق الأحوال، ثمة أمر مؤكد واحد: يشعر شي جين بينغ بقلق متزايد من شخصيات محلية قد تحاول تحقيق الهدف نفسه داخل الصين.


MISS 3