بشارة شربل

نعم لـ"المنافسة" ولكن...

12 شباط 2022

02 : 00

مع أن مجلس النواب الكريم الذي يشارف "مبدئياً" على نهاية ولايته لا يضع نصب عينيه جعلَ "مسك ختام" أعماله إقرارَ "قانون استقلالية القضاء" الأساسي في عملية الإصلاح، ويصر على المجادلة فيه انطلاقاً من عقلية المحاصصة المقيتة، فإنه يتجه مشكوراً الى تعويضنا بـ"قانون المنافسة" من غير جلبة تستدعي "غيرة الدين" والاستنفار.

"قانون المنافسة" خطوة ضرورية تنظم التجارة على غرار العالم المتقدم، وتعيد للاقتصاد الليبرالي وجهه غير المتوحش. بيد أنه، ببعض المقاييس اللبنانية، تسمية ملطفة لـ"إلغاء الوكالات الحصرية" الذي كان مطلباً طائفياً إسلامياً مطلع التسعينات تمَّت مواجهته بطائفية مسيحية مماثلة. فلا تمكَّن المسلمون من استغلال اختلال التوازن إثر "اتفاق الطائف" لسلب وكالات احتكارية لمصلحة مستفيدين جدد، ولم ينجح المسيحيون في اقناع طائفتهم بأن رفضهم يصب في مصلحة أكثر من قلة محتكرة استمرأت الجشع والربح غير الحلال.

لحسن الحظ، لا يبدو الاعتراض على "إلغاء الوكالات الحصرية" حساساً ومشابهاً لـ"خطيئة" المسّ بحاكم المصرف المركزي واعتباره إضراراً بموقع ماروني. فما يجري العمل عليه لإقرار قانون المنافسة منطقي وينهي موروثاً سيئاً تأسس زمن الانتداب وحصَّنته حكومة رشيد كرامي في العام 1967 وأتاح على مدى السنين لنحو ثلاثمئة تاجر احتكار ثلثي ما يستهلك اللبنانيون من "كماليات" صُنفت ضمنها الأدوية والمحروقات!

لا يعود الفضل كله في تحديث القانون الى البرلمان. فمنظمة التجارة العالمية والمؤسسات الأوروبية والبنك الدولي تُجمع على وجوب اقراره كخطوة إصلاحية من ضمن باقة الإصلاحات في لبنان. ولئلا نقول "مُكره برلمانك لا بطل" نسجل للرئيس بري هذا الانجاز مع تذكيره بأن الخلل اللاحق سيتمحور حول "الرخص التجارية" التي تمنحها وزارة الاقتصاد، وتوقيعها، مثل وزارة المال، في عهدة رجاله وحسب المنفعة والمزاج. أما العارفون والمكتوون بنار الاستنساب والاستقواء فيفتحون ملف اللحوم المدعومة وحصريتها بفعل أحد "الأرانب"، وكأننا عائدون من "تحت الدلفة الى تحت المزراب".

حان وقت اقرار "قانون المنافسة" والانتهاء من مهزلة "الوكالات الحصرية"، لكنه يجب أن يتحصن بأعلى معايير الجودة والشفافية وحفظ الحقوق وتأمين التجارة الشريفة. وهو، مع الأسف، كأي إصلاح، سيتم الالتفاف عليه اذا لم نعاود بناء الدولة بعد كف يد العصابة. فمَن أفسدها لن يصلحها حتى ولو وضعتَ بين يديه قانوناً صاغته الآلهة بأحرف من ذهب، وتحُفُّ الملائكة بكل بند فيه.

الحصرية ليست علة في التجارة فقط. إليكم غيضاً من فيض الأمثلة: أهل السلطة يعتقدون أنهم قوّامون على الشعب ويملكون تمثيله والنطق باسمه وسرقته وتدمير مستقبل أبنائه ومنع التحقيق في ملف ضحاياه. أهل السلاح مقتنعون بوكالتهم الحصرية لتحديد راهن اللبنانيين ومستقبلهم وموقعهم من الصراع في الاقليم. الطوائف والأديان تدّعي حصرية تمثيل الله. ولا علاج لكل ما يشبه هؤلاء بأي "قانون منافسة" يلغي التحكم بالأعمار والمصائر والمعتقدات... وقِسْ على ذلك.


MISS 3