وليد شقير

إستفتاء 14 شباط واقتلاع الحريرية

16 شباط 2022

02 : 00

لم تكد تمضي 24 ساعة على تعبير زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري عن يأسه من إمكانية أن يُحكم البلد في ظل الظروف الراهنة، ومن القدرة على إنجاز أي تقدم في التخفيف من حدة الأزمة الاقتصادية المالية بالشراكة مع الطاقم الحاكم، حتى حصل ما يعزز حجته التي استند إليها في تبرير قراره العزوف عن خوض الانتخابات النيابية أمام من حاولوا ثنيه عنه، سواء كان قراره صائباً أم لم يكن.

من الحجج التي استخدمها بعض قادة «المستقبل» لمطالبة الحريري بالعدول عن قراره، أن الفريق الحاكم سيستفيد من فرصة غياب الحريري وفريق «المستقبل» عن المؤسسات الدستورية من أجل الانتقام ممن ينتمون إلى فريقه في الإدارة وسائر المؤسسات، فكان جوابه أنهم يسعون إلى ذلك بوجودنا في الحكم والمؤسسات، فما الفرق؟ إصرار الفريق الرئاسي، بتأييد من قبل «حزب الله»، على اقتياد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة إلى السجن مهما كلف الأمر، لا يقف عند حدود. قيل الكثير في خلفيات ذلك، بصرف النظر عن إدانة تورط سلامة وسلوكه في المصرف المركزي، أم براءته: تارة أن للأمر علاقة برفض سلامة قبل أشهر، استخدام الاحتياطي الإلزامي المتبقي في مصرف لبنان لمواصلة سياسة دعم استيراد المحروقات لكهرباء لبنان، وأخرى بسبب إلحاحه على إيجاد وسائل تمويل غير البنك المركزي لاستيراد مواد أخرى ضرورية. وقيل أن خلفية الإصرار على قبع سلامة تتعلق بالرغبة الجامحة في إبعاده لإحلال شخصية موالية لـ»التيار الوطني الحر» في الموقع المالي الأول قبل نهاية العهد، من أجل تمكين هذا الفريق من التحكم في مفاصل الدولة الأساسية، وأخيراً كانت الحجة عدم تقديمه المعطيات التي تطلبها شركة «ألفاريز أند مارسال» للتدقيق الجنائي بحسابات المصرف، رغم البيانات التي أصدرها الأخير محدداً تواريخ تسليمه المستندات للشركة، ومستغرباً تأخرها في مباشرة تحقيقاتها. وردد البعض أن تهديد سلامة بالملفات القضائية هو استباق لإدلائه بدلوه مع ما يحويه من أسرار، حين تنتهي ولايته في آب العام 2023 أي بعد انتهاء ولاية الرئيس عون بأكثر من سنة. ولذلك وجب إزاحته قبل انتهاء الولاية العونية. ولهذا السبب ينقل عن الرئيس عون قوله لن أترك الرئاسة ورياض سلامة في موقعه.

وقد يكون بعض هذه التفسيرات صحيحاً من دون استبعاد أن كلها مجتمعة قد تصدق في تقدير ما يفكر به الفريق الرئاسي. لكن الهدف السياسي الدفين عند رجال العهد، والهدف الجوهري، هو اقتلاع كل ما يمت إلى مرحلة الحريرية السياسية في الإدارة العليا للدولة بصلة، وخصوصاً في المواقع المسيحية. والأمر ينطبق على سلامة الذي جاء به الرئيس الشهيد رفيق الحريري على رأس القرار المالي في لبنان في العام 1993. وهذا بند من بنود استعادة حقوق المسيحيين المسلوبة. وعلى رغم أن العديد من الفرقاء السياسيين الذين يتهمون سلامة بالتواطؤ مع الطبقة السياسية الحاكمة على التفريط بودائع اللبنانيين في المصارف، باتوا يتوافقون مع حجة الرئيس ميقاتي بأنه لا يجوز تغيير الضابط في زمن خوض المعركة، نظراً إلى دور سلامة في المفاوضات مع صندوق النقد، فإن إصرار عون على تعيين بديل منه ذهب حد استصدار فتاوى قانونية بكف يد سلامة بقرار قضائي، وتفادي تسلّم مهماته من قبل نائبه الأول الشيعي المذهب، عبر تعيين «حارس قضائي» على المرفق العام... وبقرار غب الطلب من قبل القاضية عون، يتردد أن اسمه جاهز للقيام بالمهمة. فتعيين بديل لسلامة في مجلس الوزراء من مرشحي العهد متعذر لعدم توفر أكثرية الثلثين لهذا الغرض.

أكثر من ذلك، فإن الإصرار على تغيير سلامة دفع الرئاسة إلى تحديد المهل لميقاتي تارة بأسبوع وأخرى ببضعة أيام لاتخاذ قرار تنحيته، من دون الأخذ بتحذيرات رئيس الحكومة من الانعكاسات السلبية لهذا التوجه على المفاوضات مع صندوق النقد، وعلاقات لبنان مع بعض الدول التي ترتاب من خطوة كهذه وتحذر منها.

لا يتوقف الفريق الرئاسي أمام واقعة 14 شباط ورمزيتها هذه السنة مقابل اعتقاده أن الحريرية السياسية انتهت، بقرار زعيم «المستقبل» العزوف عن الانتخابات. فالمناسبة كانت استفتاء شعبياً لاستمرارية زعامة الحريري بفعل احتشاد الآلاف من أنصاره على ضريح والده، إلى حد فاجأ زعيم «المستقبل» نفسه في ظل الأوضاع الاقتصادية والمعيشية التي يعانيها اللبنانيون، على ما نقل عنه بعض من رافقوه من نواب وسياسيين.والتجربة أثبتت في عهود سابقة أن ممارسة الكيدية تجاه رموز المواقع الإدارية التي تنتمي الى الحريرية تعيد تمتين شعبيتها.


MISS 3