دياب يونس

مِن دياب يونس إلى إيلي فرزلي: أبعدُ مِنَ الردّ...

19 شباط 2022

02 : 00

حرب زحلة
في كتابه "«أجمل التاريخ كان غداً»" الصادر قبل عامين تقريباً، يروي دولة الرئيس إيلي فرزلي فصولاً تناول فيها الوضع في زحلة والحرب التي شنها الجيش السوري ضدها، ويحكي عن دخول المخابرات السورية إليها والدور الذي لعبه مع اللواء غازي كنعان رئيس جهاز المخابرات السورية في لبنان، ويأتي على ذكر محافظ البقاع وقتها دياب يونس وكيف تم إخراجه من المدينة. المحافظ يونس الذي تأخر في الرد على ما تضمنه الكتاب يقدم هنا روايته ورأيه في ما ورد في الكتاب لعل هذا السجال يغني الرواية التاريخية.





حينَ سَكَتَ أهلُ الحقِّ عن الباطلِ، تَوَهَّمَ أهلُ الباطلِ أنّهم على حقّ. والباطلُ، هنا، يتجسّدُ كتاباً أرادَه صاحبُه أن يكونَ مِنَ التّاريخِ أجملَ غدٍ، فإذا به يَفْضَحُ كاتِبَه ويُعَرِّي صانِعَه ويُجَرِّمُ رَجُلاً لم يَحْتَجْ إلى الإدانةِ دليلاً وإلى السّقوطِ طريقاً إلّا ما اقتَرَفَتْ يداهُ، هو، مِن اعترافاتٍ وإفشاءاتٍ وإقراراتٍ يكفي أحدُها، فقط، ليَسُوقَ الكاتبَ والكتابَ إلى قضاءٍ وإلى محاكمةٍ وإلى حُكْمٍ يَلفظُهُ إيلي فرزلي في حقِّ نفسِه، عندما مِنْ فَمِهِ يُدينُ نفسَه، ومِن كتابِه، لا مِن كتابِ أعدائِه، يكتبُ مِنَ التّواريخِ أبشعَها، لا أجملَها.

ولمَّا تسنّى لي، مؤخّراً، أن أتصفّحَ كتابَ السّيّد فرزلي («أجملُ التّاريخ كان غداً»)، اعتقدْتُ، للوهلةِ الأولى، أنّ أحدَهم يريدُ به شرّاً، فانتحَلَ اسمَه ليَفْضَحَ مناوراتٍ ومؤامراتٍ ودسائسَ كان الرَّجُلُ بَطَلَها ومُخْرِجَها ومُنْتِجَها ومُرَوِّجَها في مكانٍ وزمانٍ وفي وقائعَ وأحداثٍ ما كانَ ينقصُها، مِن أدلّةِ الثّبوتِ، سوى إقرارِ فرزلي نفسِه. أمّا الشّواهدُ النّواطقُ، فيضجُّ بها الكتابُ في متنٍ وفي بطنٍ وفي حواشٍ وفي هوامشَ تكادُ تكونُ هي الكتابَ، لأنّ فيها مِنَ الإقراراتِ والاعترافاتِ ما يَعْجَزُ العقلُ عن تَصَوُّرِ بشاعتِه.


النائب إيلي فرزلي



وإليكم بعضَ العَيِّناتِ المُعَرِّيَاتِ:

ـ يجاهِرُ السّيّد فرزلي بتعاملِه مع كبار الضبّاط الإسرائيليّين، وبتأثيرِه على كبيرِهم، رئيسِ الاستخبارات العسكريّة الإسرائيليّة، الجنرال ساغي، إثرَ الاجتياحِ الإسرائيليّ للبنانَ، عامَ 1982. وليس أدَلَّ على حُظْوَتِه لدى ضبّاط الاحتلال الإسرائيليّ، أو سَطْوَتِه عليهم، ربّما، سوى ما يرويه، هو، أي الفرزلي، مِن لجوءِ السيّد بديع الخطيب (والد سامي الخطيب، قائد قوّات الرّدع العربيّة في لبنان) إليه، ليتوسّطَ له لدى الجنرال ساغي، حتّى يأمُرَ هذا الأخيرُ بإخلاءِ منزلِ الخطيب في جبّ جنّين، بعدما كانت قد احتلّته القوّاتُ الإسرائيليّةُ في حينِه، فكانَ للخطيب أكثرُ ممّا أراد، إذْ لم يكتفِ الجنرال ساغي، الواقعُ تحتَ سحرِ الفرزلي، والمفتونُ بقوّةِ حجّتِه، بإخلاءِ منزلِ الخطيب، بل هو أمَرَ عساكِرَه، وبناءً على طلبِ الفرزلي، أيضاً، بإلصاقِ ورقةٍ على بابِ ذلك المنزلِ تَمْنَعُ أيّاً كان مِن دخولِه، فلا يجرؤ أيُّ ضابطٍ أو جنديٍّ إسرائيليّ على اقتحامِ المنزلِ واحتلالِه مُجَدّداً (ص 172ـ173 من «أجمل التّاريخ كان غداً»).


كَمْ هو سَهْلٌ الوصولُ إلى الجنرال ساغي، رئيسِ الاستخباراتِ العسكريّةِ الإسرائيليّةِ في لبنان؟! وكَمْ هو جميلٌ التّأثيرُ على الجنرال ساغي بسلامةِ المنطقِ وقوّةِ الحِجَّةِ وبراعةِ الّلسانِ، لا سيّما أنّه لم يُعْرَفْ عن ضُبّاطِ المخابراتِ الإسرائيليّة سوى أنّهم أناسٌ بسطاءُ ساذجون يخرّون ساجدين مُنهارين أمامَ كلِّ مُتشاطرٍ أو مُتفاصِحٍ أو مُتحاذِق،؟؟!! والّلافتُ، لا بل المُريبُ، هنا، أنّ هذا المنزلَ الّذي أخلاه الإسرائيليّون، بعدما كانوا قد احتلّوه، هو منزلُ سامي الخطيب، قائدِ قوّاتِ الرّدعِ العربيّة في لبنان ورمزِ القوّاتِ السّوريّةِ في لبنان. والصّهاينةُ ما احتلّوا هذا المنزلَ بالذّات، إلّا لإيصالِ رسالةٍ بالغةِ الرّمزيّةِ والأهمّيّةِ أرادوا توجيهَها إلى نظامِ الأسد عبرَ أحدِ أبرزِ رموزِه في لبنان، وهو الرّائدُ (في حينِه) سامي الخطيب، فكيف استطاع السّيّد فرزلي، يا تُرى، إقناعَ الإسرائيليّين بإخلاءِ ذلك المنزلِ ذي الدّلالةِ الاستراتيجيّةِ الفاقعةِ في النّزاعِ السّوريّ ـ الإسرائيليّ؟! يبدو السّؤالُ، هنا، أبْلَغَ مِن أيِّ جوابٍ، إذْ في السّؤالِ، يختبئ كلُّ جواب! والّلافتُ، لا بَلِ الخطيرُ، هنا أيضاً، أنّ الجنرال ساغي قد أسرَّ إلى السّيّد فرزلي، وهما يتبادلان أطرافَ الحديثِ في بيتِ الخطيب لحظةَ إخلائِه، بما يلي: «أنتم في لبنان، في مرحلةٍ كهذه، يجب أنْ تَنْتَخِبوا كميل شمعون رئيساً للجمهوريّة، لا بشير الجميّل» (ص 173 من الكتاب)، وهو إفشاءٌ استراتيجيٌّ مِنَ الخطورةِ ومِنَ السريّةِ ومِنَ الغرابةِ بمكان، بحيثُ لا يبوحُ به الإسرائيليّون، في ذلك التّوقيتِ الحاسمِ مِنَ العام 1982، إلّا إلى صفوةِ صفْوَتِهم وإلى أخْلَصِ خُلَصَائِهم!! فما الّذي يُفَرِّقُ إيلي فرزلي، في هذه الحالةِ، عن كلِّ لبنانيِّ اتُّهِمَ وحُوْكِمَ وحُكِمَ بجرمِ التّعاملِ مع إسرائيل؟؟!!



غازي كنعان

وإذا كان مِن عذرٍ مُفْحِمٍ، كالّذي يتأبَّطُه السّيّد فرزلي، مُتَحَجِّجاً بمساعدتِه الأهْلِين، فَلِمَ لا يَسْري عذرُه الجَمِيلُ، هذا، على كلِّ عميلٍ أو مُتعاملٍ، عملاً بقاعدةِ المساواةِ في التّعامُلِ مع المُتعامِلِ؟! أَمِ العذرُ والصّفْحُ، هنا، هو، فقط، للسيّد فرزلي، وحدَه، دونَ سواه، طالما أنّه قد انتقلَ هانئاً إلى الحضنِ السّوريّ، فصارت مغفورةً له خطاياه؟؟!! وبماذا سوف يُجيبُنا، يا تُرى، مَنْ يرى في التّعاملِ مع العدوِّ الإسرائيليّ جرماً لا يَسقطُ بمرورِ زمنٍ؟؟!! لسنا في حاجةٍ، هنا، إلى استحضارِ كتابِ الأستاذ حسن صبرا المَرْجِعيِّ («لَعْنَتا لبنان») الّذي يُوَثِّقُ يوميّاتِ تعامُلِ الفرزلي العميقِ معَ الاحتلالِ الإسرائيليّ في البقاعِ الغربيِّ عامَ 1982، كما نحن لسنا في حاجةٍ إلى استعادةِ تصريحِ رئيسِ الجمهوريةِ السّابقِ الأستاذ الياس الهراوي حين يَصِفُ تَعامُلَ الفرزلي مع الإسرائيليّين في البقاعِ الغربيّ وبقاءَه معهم ومُلازَمَتَه إيّاهم» (يُراجَعُ حديثُ الرّئيس الهراوي إلى جريدة «الدّيار» في عددها الصّادر بتاريخ 3/12/1994)، ذاك أنّ السّيّد فرزلي ذاتَه يُدينُ نفسَه بنفسِه، فيعتَرِفُ ويُقِرُّ بهذا التّعاملِ المَجيدِ، مُبَرِّراً إيّاه، ومِن دونِ أدنى شكٍّ، بالحفاظِ على سلامةِ الأعناقِ والأرزاق. يا لَهُ مِن عذرٍ أقبحَ من ذَنْبٍ!! ويا له مِن ذَنْبٍ تمحوه سرعةُ القفزِ مِن الزّمنِ الإسرائيليِّ الآخذِ بالأفولِ، إلى العصرِ السّوريِّ الآيلِ إلى صعود !!

ـ ومِنَ التّأثيرِ على الجنرال ساغي، رئيسِ الاستخباراتِ العسكريّةِ الإسرائيليّةِ في لبنان، انتقلَ السّيّد فرزلي ليُمارِسَ مواهبَه التّأثيريّةَ الفائقةَ، على رئيسِ استخباراتٍ آخَرَ، ولكنْ سوريّ، هذه المرّةَ، عنيتُ به العقيدَ (في حينه) غازي كنعان، رئيسَ جهازِ الأمنِ والاستطلاعِ في القوّاتِ السّوريّةِ العاملةِ في لبنان. ولكنْ، لِمَ خِفْتَ وتَوَجَّسْتَ، يا سيّد فرزلي، في ذلك الوقتِ، مِنْ «ورقةٍ صفراءَ يُقَلِّبُها العقيد غازي كنعان بينَ أصابعِه» في أوّلِ لقاءٍ جَمَعَكُما داخلَ مكتبِه الاستخباريّ في عنجر، عامَ 1983 (كما تُقِرُّ وتَعْتَرِفُ في الصّفحتين 160 و161 من «أجملِ تاريخِك»)؟؟!! أَوَلَسْتَ فخوراً بكلِّ ما تأتيه أو تَرْتَكِبُه أو تَقْتَرِفُه ؟؟!! مِن واجبِك، يا سيّد فرزلي، أن تخافَ وتَرْتَعِدَ وتَرْتَعِبَ، ليَصْفَرَّ وجهُك مِن «ورقةٍ صفراءَ» لم تَخْشَ فيها اصفرارَ لونٍ، بل سَوادَ مضمونٍ واسودادَ تاريخٍ قد تَكْشِفُ مآثِرَه «إخباريّةٌ» تخشى أن تَفْضَحَ شهامةَ تَعامُلِك مع الإسرائيليّين في جبّ جنّين والبقاعِ الغربيّ (كما تُقِرُّ وتَعْتَرِفُ في الصّفحة 161 مِن كتابِك)!!!



زحلة من تمثال السيدة



ـ في تلك المرحلةِ الانقلابيّةِ مِنَ العامِ 1983، وَجَدَ السّيّد فرزلي في مُحافظِ البقاع دياب يونس حاجزاً لا يُمْكِنُ اختراقُه أو احتواؤه أو اجتذابُه أو اجتنابُه أو اشتراؤه. فالآتي مِن تنّورين عصيٌّ على المشروعِ الحضاريِّ والأخلاقيِّ والوطنيِّ والفكريِّ الّذي تَنَطَّحَ له السّيّد فرزلي في ذلك الزّمنِ، وفي كلِّ زمنٍ، أَلَا وهو إدخالُ المفرزةِ الأمنيّةِ السّوريةِ إلى زحلةَ، حتّى تَدْخُلَ زحلةُ، كَسِواها مِن شقيقاتِها الّلبنانيّات، إلى ذلك السّجنِ، لا بل إلى ذلك القفصِ السّوريّ الكبير!! فهل يعودُ مُسْتَغْرَباً، والحالُ هذه، أن يرى السّيّد فرزلي في المحافظِ دياب يونس وفي مرحلتِه الوطنيّةِ في البقاع، «أخطرَ مرحلةٍ ليس على زحلةَ وجوارِها، فقط، بل على لبنانَ كُلِّه» (ص 197 من «أجملِ تاريخِه»)، وهي المرحلةُ نفسُها الّتي أَوْكَلَ فيها السّوريّون إلى الفرزلي مَهَمَّةَ إدخالِ «الخازوقِ» السّوريّ، «خازوقِ المفرزةِ الأمنيّةِ السّوريّةِ» إلى زحلةَ (وفقَ التّعبيرِ الواردِ في الصّفحة 227 مِن كتابِ فرزلي الّذي يتلاقى ويتطابَقُ مع كتابِ المطران أندره حدّاد بعنوان «أنقذْتُهم مِن العاصفة»، حيثُ يستفيضُ هذا الأخيرُ ويُسْهِبُ، بدقّةٍ وأمانةٍ، في سَرْدِ تفاصيلِ ذلك الحديثِ الثّمينِ والرّاقي، المُتَمَحْوِرِ حولَ «إدخالِ خازوقِ المفرزةِ الأمنيّةِ السّوريّة» إلى زحلة، «شْوَيْ شْوَيْ»، حسْبَما جاء، حرفيّاً، في الصّفحة 83 مِن كتاب المطران حدّاد). فمَنْ تُراه يكونُ «الوسيلةَ»، أنا أَمْ أنتَ، يا سيّد فرزلي؟؟!! أَوَتَجْرُؤُ أن تتطاولَ لتَصِفَ المحافظَ دياب يونس «بالوسيلةِ» (ص 197 من «أجمل تاريخِك»)، وأنتَ مَنْ كنتَ صانِعَ «الخازوقِ» وطابِخَه !! وهل مِن وسيلةٍ، سيّد فرزلي، أعظم شأناً وأرفع قدْراً مِن «الخازوق»؟! أَجَلْ، سيّد فرزلي، أنا وسيلةُ الشّرعيّةِ الّلبنانيّةِ وصَوْتُها ورمزُها. فَلِي وسيلتي، ولكَ وسيلتُك، يا سيّد فرزلي!

ـ يُعيبُ السّيّد فرزلي على المحافظ دياب يونس أنّه «شخصيّةٌ لا تقلُّ تَطَرُّفاً عن حزبِه» (ص 193 من «أجمل التّاريخ كان غداً»)، وفي ذلك إشادةٌ، لا مهانةٌ! وينسبُ فرزلي إلى المحافظ دياب يونس إعاقتَه استقبالَ المطران أندره حدّاد في زحلة بعدَ سيامتِه أسقفاً كاثوليكيّاً عليها، عامَ 1983. أنا لي مِنَ الشَّجاعةِ ما يكفي، سيّد فرزلي، حتّى أستقبِلَ المطران أندره حدّاد بما يتلاءَمُ ويتناسبُ وحالةَ الحصارِ الأخويِّ السّوريِّ المفروضِ على مدينةٍ تعيشُ قلقاً وجوديّاً وخوفاً يوميّاً على غدٍ وعلى مصير!! ولِمَنْ تحتاجُ ذاكرتُه إلى تفعيلٍ أو تنشيطٍ، فما عليه سوى الاطّلاعِ على موقفي العلنيِّ والصّريحِ مِن ذلك الاستقبال (يُراجَعُ كتاب «420 يوماً في البقاع»، دياب يونس، ص 221ـ222). فأنا متى أردتُ التّعبيرَ عن أمرٍ، أفْصَحْتُ عنه مُباشرةً، لا مُوارَبةً أو مُخاتَلةً أو مُخادَعةً، كما يفعلُ المفطورون على غدرٍ والمطبوعون على طَعْنٍ.

ـ ويُعيبُ السّيّد فرزلي على المحافظ دياب يونس إحضارَه «النّظاميّاتِ» إلى سرايِ زحلةَ لاستقبالِ المهنّئين بقدومِ المحافظِ الجديد، حسبما أخْبَرَه المطرانُ أندره حدّاد في حينِه (هامش الصّفحة 193 من «أجمل التّاريخ كان غداً»). إنّ المُحافظَ دياب يونس لم يأتِ بأحدٍ لاستقبالِه، بل أتى المُخْلِصون والمُخْلِصاتُ مِن كُلِّ صَوْبٍ يُهَنِّئون زحلةَ بمحافِظِها الآتي مِن عَبَقِ المقاومة. أزْعَجَتْكَ «النّظاميّاتُ» الكتائبيّاتُ الزّحليّاتُ، سيّد فرزلي؟؟!! يا لَشعورِك الحسّاسِ ولحسِّكَ الرّهيف! أَلَمْ تُزْعِجكَ وتَسْتَفِزَّكَ، يا تُرى، رشاقةُ الرّاقصةِ ناديا جمال الّتي يَصِفُ المطران أندره حدّاد فوائد رقْصِها المَهيبِ تحتَ ناظرَيْ العقيدِ غازي كنعان، بعدما دعاه المطران حدّاد إلى حضورِ حفلتِها الرّاقصة في «كازينو عرابي» في زحلة، وذلك طبعاً «بهدفِ إعطاءِ الاطمئنانِ للزّحليّين» (ص 70 من كتاب المطران أندره حدّاد «أنقذْتُهم من العاصفة»)؟؟!! ألم تُزْعِجْكَ أو تَخْدُشْ شعورَك الرّقيقَ، يا سيّد فرزلي، سياسةُ «إقامةِ الحفلاتِ والولائمِ وتقديمِ الهدايا إلى الضبّاط السّوريّين» (ص 70 من كتاب المطران أندره حدّاد «أنقذْتُهم من العاصفة»)، وهي السّياسةُ الحكيمةُ الّتي امْتَهَنْتُموها للتّزلُّفِ والتّوَدُّدِ إلى «العقيدِ» وأعوانِه مِنَ الضبّاطِ السّوريّين؟؟!!



المطران أندريه حداد



ـ تنسبُ إلى المحافظ دياب يونس تَسَبُّبَه بقصفٍ سوريٍّ عنيفٍ على مدينةِ زحلةَ في 2 شباط 1984، بعدما ارتكبَ أبناؤها المقاومون جريمةَ توقيفِ الضّابطِ السّوريّ توفيق جلّول ورفاقِه مِنَ ضبّاطِ الجيشِ السّوريّ في شوارعِ زحلةَ الّلبنانيّةِ، لا في أزِقَّةِ حمص السّوريّةِ، بعدما دخلوها، خلسةً، تحت جنحِ الظّلام، مِن دونِ استئذانِ السّلطاتِ الشّرعيّةِ في المدينة، فاقتاد أبناءُ زحلةَ هؤلاءِ الضبّاطَ إلى منزلِ المُحافظِ دياب يونس الّذي أحْسَنَ وِفادتَهم وأعادَ إليهم أسلحتَهم الفرديّةَ وأمَّنَ لهم خروجاً لائقاً ومُحْتَرَماً مِن مدينةٍ تَحْتَرِمُ نفسَها ولا تَسْمَحُ لأحدٍ باختراقِ سيادتِها. تَزْعَمُ، سيّد فرزلي، بأنّ هذه الحادثةَ قد أشْعَلَتْ غضبَ العقيد غازي كنعان (ص 198 من الكتاب)، فأمْطَرَ زحلةَ بوابلِ قاذفاتِه وراجماتِه، لتعودَ وتَعْتَرِفَ، أنت نفسك، يا سيّد فرزلي، وخلافاً لمزاعمِك الواهيةِ الواردةِ أعلاه حولَ سببِ هذا القَصْفِ، بأنّ «قصفَ زحلةَ رمى إلى تخفيفِ الضّغطِ على الضّاحيةِ الجنوبيّة الّتي تنهالُ عليها فوهاتُ مَدافعِ الجيشِ الّلبنانيّ» (ص 202 من «أجمل تاريخِك»). وفي هوامشِ كتابِك الّتي تَفْضَحُكَ بأخطرَ مِمَّا يُعَرِّيكَ مضمونُه، تُقِرُّ، سيّد فرزلي، بما يلي: «كُنّا نظنُّ، قبلَ زياراتِنا إلى المسؤولين الأمنيّين والعسكريّين السّوريّين، أنّ قصفَ القوّاتِ السّوريّة لمدينةِ زحلة أتى رَدَّ فعلٍ على حادثِ توقيفِ الّلواءِ توفيق جلّول في زحلة، وليس امتداداً للحربِ الضّاريةِ في بيروت وضاحيتِها الجنوبيّة والمناطقِ المسيحيّة الّتي انخرَطَتْ في الحربِ تلكَ ضِدَّ الجيشِ السّوريّ، وظلّت زحلة، حتّى 2 شباط، في منأى عنها، فتبيّن لنا، في ما بعد، أنّ الأمرَ ليس كذلك، بل هو عكسُ ذلك» (هامش الصّفحة 201 من «أجمل تاريخِك»). أنا لا أحتاجُ إلّا إليكَ، سيّد فرزلي، حتّى أجِدَ في كلامِك دليلاً عليكَ يَنْسِفُ كلَّ ما تكونُ قد زَعَمْتَه سابقاً.

ـ ولكنْ، كيف نجحَ السّيّد فرزلي وبَرَعَ وأبْدَعَ في إدخالِ «خازوقِ المفرزةِ الأمنيّةِ السّوريّة» إلى مدينةِ زحلةَ، حتّى يُحَرِّرَها مِن مُحافظِها، كما ومِن أهلِها المقاومين؟؟!! مرّةً أخرى، تُطِلُّ هوامشُ الكتابِ لتَفْضَحَ في الكاتبِ مواهبَ وطاقاتٍ يَسْتَطِيرُ منها كلُّ شرٍ وتتطايرُ منها كلُّ فظاعةٍ وبشاعةٍ. إليكُم ما اقْتَرَفَهُ السّيّد فرزلي في اعترافٍ مُذْهِلٍ وَرَدَ في هامشٍ، ولكنْ مِن دونِ أن يكونَ هامشيّاً على الإطلاق، إذْ هو هامشٌ يَخْتَصِرُ الكاتبَ والكتابَ في أبْشَعِ بَوْحٍ وأشْنَعِ تعبيرٍ، فيُفْصِحُ الفرزلي ليُسْقِطَ عن وجهِه كلَّ قناعٍ أو لِثامٍ، وليَسْقُطَ، هو، في قَعْرِ اعترافِه، إذْ يُعْلِنُ بما يفوقُ كلَّ تَصَوُّرٍ:

«لَمْ أسْتَجِبْ لطلبِ غازي كنعان (أي طلب توثيق ما حدث في زحلة بصورةٍ خطّيّة)، لأنّ الوقائعَ الّتي حَمَلَتِ المجتمعَ الزّحليَّ على التّحوُّلِ من منطقِ معاداةِ سوريا إلى منطقِ الاستنجادِ بها سعياً وراءَ سلامِ المدينة، شابها الكثيرُ من المناوراتِ والتّكتيكاتِ غيرِ السَّوِيَّةِ لو كانت في ظروفٍ مختلفة. كذلك المراحلُ الّتي آلت إلى التّخلّصِ من «حزب الكتائب» و»القوّات الّلبنانيّة» فيها، بتصفيةِ نفوذِهما المُسلّحِ وحَصْرِ أيِّ وجودٍ لهما في نطاقٍ حزبيٍّ ضيّق، مُتعاونٍ مع المفرزةِ الأمنيّة السّوريّة. ثمّ إنّني لم أشأ فَضْحَ وجوهٍ زحليّةٍ أسْهَمَتْ، عن قناعةٍ أو عن اضطرار، في توفيرِ أسبابِ الاشتباكِ بينَ الأحزابِ المسيحيّةِ والجيشِ السّوريّ بل التّحريضِ عليه. كذلك ترحيلُ المحافظ دياب يونس عن البقاع برُمَّتِه. أضِفْ إلى ذلك حملةَ الفوضى المُنَظَّمَة الّتي تَوَخَّتْ تفجيراتٍ ليليّةً مِن حينٍ إلى آخَرَ، تبريراً لجَعْلِ دخولِ المفرزةِ الأمنيّةِ السّوريّة مطلباً عامّاً مُلِحَّاً وحَتْمِيَّاً» (هامش الصّفحة 233 من «أجمل التّاريخ كان غداً»). سَلِمَتْ يداك، سيّد فرزلي، وبُورِكَ جَناك!! فلأنتَ حاصدٌ ما زَرَعْتَ مِن مناوراتٍ ومؤامراتٍ ومُفَخَّخاتٍ وتفجيراتٍ ليليّة!! هذا كُلُّهُ حتّى يَخْرُجَ المحافظُ ويَدْخُلَ الغازي!! خَرَجَ المُحافِظُ مِن المدينةِ، ولكنّه لم يَخْرُجْ مِن عقلِها ومِن قلبِها ومِن وجدانِها. فكلّما اشتاقت زحلةُ إلى رَجُلِ دولةٍ، نادَتْهُ، وكلّما تاقَتْ إلى شَمْخَةِ قائدٍ استَحْضَرَتْه، وكلّما تذكّرَتْ مَجْداً ذَكَرَتْهُ. «صفحةُ دياب يونس في البقاع لا تُطوى»، كما تَزْعَمُ أو تشتهي، يا سيّد فرزلي (في الصّفحة 216 من «أجملِ تاريخِك»). صفحةُ دياب يونس تأنَفُ مِن أن تكونَ في كتابٍ تحشوه أوراقٌ صفراءُ تُدينُك وتُعَرِّيكَ، سيّد فرزلي، كما يُعَرِّيك ذلك الاعترافُ الأصفرُ الذي خَبَّأتَه في هامشِ «تفجيراتِك الّليليةِ»، أو كما عَرَّتْكَ تلك «الورقةُ الصّفراءُ» الّتي كان العقيدُ غازي كنعان يُقَلِّبُها بينَ أصابعِه، فخِفْتَ أن ينفضِحَ لكَ ماضٍ قريبٌ أو بعيدٌ ليس حاضِرُك أو يومُك بأنْصَعَ منه. اعترافُك الأسودُ، هذا، سيّد فرزلي، لَهُوَ حُكْمٌ مُبْرَمٌ تُصْدِرُه، أنتَ، في حقِّ نفسِك، لتُجَرِّدَ نفسَك، بنفسِك، مِن كلِّ حقٍّ، كما ومِن كلِّ أهليّةٍ لتوزيعِ شهاداتِ حُسْنِ، أو سوءِ سلوكٍ، شبيهةٍ ببطاقاتِ وتصاريحِ تسهيلِ المرورِ على الحواجزِ السّوريّةِ الّتي كُنْتَ تُوَقِّعُها، أنتَ بنفسِك، وتُصْدِرُها، أنتَ، باسمِكَ، سيّد فرزلي (هامش الصّفحة 274 من «أجمل تاريخِك»)، وهو امتيازٌ فريدٌ ما أغْدَقَهُ غازي كنعان إلّا على صفوةِ الصّفوةِ مِن مُهَنْدِسِي «التّفجيراتِ الّليليّةِ» ومُبْدِعِي «الفوضى المُنَظَّمَةِ»!! أَوَتَجْرُؤُ، سيّد فرزلي، وحالُك هي هذه، أنْ تتطاولَ على المحافظِ دياب يونس، فَتَنْسبَ إليه «مناوراتٍ بعدما خَلَا له الجوّ» (هامش الصَفحة 204 مِن «أجملِ تاريخِك»)!! ما المناوراتُ، يا سيّد فرزلي، سوى موهبةٍ صغيرةٍ في لعبةِ مهاراتٍ و»تفجيراتٍ» تَمْلِكُ، أنتَ، وحدَك، براءةَ اختراعِها واحتكارِها وإبداعِها! أمّا أنا، فيكفيني فَخْراً ومَجْداً أنّي صِرْتُ «بالنسبةِ إليَكُمْ الهدفَ الرّئيسيَّ» (هامش الصّفحة 204)، الّذي لم يستطِعْ «المُعَلِّمُ» غازي كنعان اختراقَه أو استمالتَه أو إخافتَه، فهل يقوى على ذلك تلامِذَتُه النُّجَباءُ؟؟!!



الرئيس الياس الهراوي


ـ وتزعمُ، سيّد فرزلي، أنّ «ثمّةَ مصالحَ تتحرّكُ مِن داخلِ سرايا زحلة تَجْمَعُ في ما بينهما (أي بينَ المحافظِ والقوّات الّلبنانيّة) وتديرُ مصالحَ وخدماتٍ مشتركةً» (ص 191 من «أجمل تاريخِك»). وفي مكانٍ آخرَ من «أروعِ تاريخكِ»، تلاحظُ، سيّد فرزلي، أنّه «كان لا بُدَّ لنا من استيعابِ النّتائج المترتّبةِ على إقصاء محافظ البقاع وضمانِ استقرارِ زحلة. ذلك أنّ البيئةَ الزّحليّةَ الّتي والَتْ دياب يونس، والّذين داروا في فلكِه أو عملوا معه وعزّزوا في ظلِّه مصالحَهم، استاؤوا مِنَّا استياءً شديداً، فعَدُّوا ما حصل موقفاً عدائيّاً. «القوّاتُ الّلبنانيّة»، في الدّرجةِ الأولى، كانت باديةَ الامتعاضِ، ولم تَسْتَسِغْ إبعادَ المُحافظ» (هامش الصّفحة 217 من «أصدقِ تاريخِه»). سأستعينُ عليك، هنا أيضاً، سيّد فرزلي، بكتابِك أنتَ، لا بكتابي أنا. كيف تكونُ لي «ثمّةَ مصالحُ»، وكيف يمكنُ لأيٍّ كان أن «يُعَزِّزَ مصالحَه في ظلّي»، يا سيّد فرزلي، وأنا، باعترافِك الصّريحِ الّذي لا أحتاجُه، «المحافظُ الّذي انتظمَ عملُ دوائرِ المحافظةِ خلالَ فترةِ ولايتِه، فانقطعَ دابرُ الرّشوةِ والفساد» (ص 217 من «أجمل التّاريخ كان غداً») ؟؟!! أنا لا تُعْنيني شهادتُك ولا تُغْريني إشادتُك، سيّد فرزلي، ولكنّني لا أُخْفِيكَ أنّي أجِدُ بعضَ متعةٍ في أن أستعينَ بِكَ عليك! وفي المناسبة، أنا لستُ «قاضياً»، كما تَصِفُني، سيّد فرزلي، وإنْ كانت لي شَجاعةٌ يجبُ أن يصبوَ إليها كلُّ جديرٍ بقضاءٍ وكلُّ تَوّاقٍ إلى روحِ عدالةٍ. أمّا علاقتي برفاقي الأصيلين في «الكتائبِ» و»القوّاتِ الّلبنانيّة»، فأمرٌ لا يقفُ عليه إلّا مَنْ وَقَفَ على قبرِ شهيدٍ، لا على قارِعَةِ خازوق!!

ـ مِنَ الّلافتِ في كتابِك الجميلِ، سيّد فرزلي، أنّ القارىء يَحارُ معكَ وبِكَ، حتّى ليُصابَ بالدُّوارِ مِن كثرةِ وسرعةِ دَوَرانِك، فأنت لا تَثْبُتُ في صداقةٍ ولا في عداوةٍ، إلّا معي، أنا، طبعاً، لأنّي «الأخطرُ»، حَسَبَ توصيفِك، على مشروعِك الاستراتيجيّ «الخازوقيّ»! فلكأنّ الانقلابَ في الأقوالِ، كما في الأدوارِ، في الصّداقاتِ، كما في العَداواتِ، هو سِمَتُكَ، لا بل علامتُك الفارقةُ، سيّد فرزلي! حتّى غازي كنعان، لصيقُ روحِكِ وصانِعُ مَجْدِك، عدْتَ وانْقَلَبْتَ عليه، أو انقلَبَ هو عليك، ولو بعدَ سنواتٍ طِوالٍ، بعدما لَمَسَ لديك، ربّما، طبيعةً جَوّالةً نَقّالةً تَمْنَعُكَ مِنَ الاستقرارِ والثّباتِ في مكانٍ واحد أو معَ شخصٍ واحد. يبدو أنّك كثيرُ التّنقُّلِ والتّجْوالِ والتّرْحالِ في السّياسةِ، كما في السّياحةِ، سيّد فرزلي، إلى درجةٍ يُمْسِي معها القارىءُ مُتَلَهِّفاً لبلوغ الصّفحةِ الّتي تُبادِرُ فيها إلى النّيلِ أو الغَمْزِ مِمَّنْ رَبَطَتْكَ به صداقةٌ أو مصلحةٌ أو خِطّةٌ «خازوقيّةٌ» أو خطٌّ استراتيجيٌ واحد!

ـ وللأمانةِ، أقولُ إنّي ما صادَفْتُ أحداً مِمَّن قرأ «أجملَ تاريخِ» السّيّد فرزلي، إلّا ورَجاني عدمَ الرّدِّ عليه. وحِجّتُهم في ذلك واحدةٌ: لا يليقُ بدياب يونس أن يَرُدَّ على مَنْ أبْدَعَ في التّعاملِ مع العدوّ الإسرائيليّ! فكلامُ المُتعامِلِ مع إسرائيل هو مردودٌ وساقطٌ شكلاً، قبلَ أن يكونَ فاسداً وساقطاً في الأساس! ولكنّي ما اعْتَدْتُ السّكوتَ، يوماً، على مُتعاملٍ أو مُتحاملٍ أو مُتشاطرٍ أو مُتطاولٍ. فأنا رَدَدْتُ ولم أرُدَّ، في آن، لأنّي مِن كتابِك، لا مِن كتابي، مِن مَهالكِكَ، لا مِن مَآثِري، مِن مؤامراتِك ومناوراتِك و»تفجيراتِك الّليليّةِ»، لا مِن نضالاتي وتضحياتي وإنجازاتي، اسْتَقَيْتُ ردّي، فانسابَ جوابي. قد أجِدُني متعاطفاً معك، رغماً عنّي، سيّد فرزلي، لأنّكَ أرَدْتَه كتاباً لك، فإذا هو كتابٌ عليك. ولكنّ الإنصافَ يدفعُني إلى الإقرارِ بأنّي كنتُ لأستغرِبَ ولأسْتَعْجِبَ لو ذَكَرْتَني، يا سيّد فرزلي، على غيرِ هذا النّحوِ. فنحن نقيضان لا يلتقيان. كيف نلتقي وعَلامَ نلتقي يا رجلَ الأفضالِ والفضائلِ ؟؟!! أوَنلتقي على «خازوقٍ» أدخلْتَه، أنتَ، أَمْ على إضرابٍ صَنَعْتُه، أنا، حينَ هَمَسْتُ في أُذْنِ زحلةَ أنْ أَضْرِبي وأَقْفِلي، تضامُناً مع شقيقتِك بعلبك الّتي تعرّضَتْ إلى غارةٍ إسرائيليةٍ عامَ 1984؟؟!! عندَها، قال لي غازي كنعان: «إضرابُ زحلةَ حديثُ الشّامِ كُلِّها». فأجَبْتُه، كما الأسيادُ يجيبون: «بالحديدِ والنّار، لن تستطيعوا إقفالَ دُكّانٍ واحدٍ في زحلةَ. ولكن، بالمحبّة، وبالمحبّةِ فقط، تدخلون كلَّ بيتٍ وكلَّ قلبٍ في زحلة» («420 يوماً في البقاع»، ص 317 وما يليها). هكذا، الأسيادُ يتصرّفون، وهكذا الأحرارُ يُجيبون!! أَمْ تريدُنا أن نلتقيَ، يا سيّد فرزلي، على مشروعِ «تجزئةِ المَشاعرِ المذهبيّة» الّذي تُفاخِرُ بأنّك أنتَ قد ابتكَرْتَه واخترَعْتَه ونَفّذْتَه، بإتقانٍ واحترافٍ وتَفانٍ، في مدينةِ زحلةَ (ص 139 وما يليها من «أجمل التّاريخ كان غداً»)، فحَرَّضْتَ أبناءَها مِن الرّومِ الأرثوذكس والرّومِ الكاثوليك على إخوانِهم مِن موارنتِها، فزَرَعْتَ الشّقاقَ في ما بينَهم، حتّى يَسْهُلَ عليك تفجيرُ المدينةِ مِن داخلٍ، متى استعصى إسقاطُها مِن خارج؟؟!! يبدو أنّك قد أَحَلْتَ حصانَ طروادةَ إلى تقاعدٍ، سيّد فرزلي، فأنت حَلَلْتَ مَحَلَّه، بجدارةٍ واستحقاقٍ، وصِرْتَ له اسماً آخَرَ!! أَمْ تُرانا نلتقي، يا سيّد فرزلي، على أدبٍ رفيعٍ يَكْتُبُ حروفَه الخازوقُ وأخواتٌ له في قاموسِ المؤامراتِ والمناورات؟؟!! أمْ نلتقي، يا سيّد فرزلي، على التّصويتِ، «برفعِ الأصابعِ»، على تمديدٍ رئاسيّ، لا تنفيذاً لنصِّ دستورٍ، وإنّما انصياعاً لأوامرِ المُعَلِّم غازي كنعان وتعليماتِه (كما جاء في الصّفحة 448 وما يليها من كتابك)، فيما إصبعي، أنا، سيّد فرزلي، لم تَعْرِفْ، يوماً، أن تَرتفِعَ وتَنتصِبَ إلّا لتُواجِهَ وتَفْضَحَ وتُعَرِّيَ رجالَ الأصابعِ والخوازيقِ في جمهوريّةِ الدَّجَلِ والشّعوذةِ والتّهريج؟؟!!

ـ ليس كتابُك، وحدَه، سيّد فرزلي، هو ما يُمْكِنُ أن أستعينَ بهِ عليك. ففي مُقابلتِكَ الإعلاميّةِ الفاضحةِ، مؤخّراً، ضمنَ برنامجِ «ألْبُوم حياتي» التّلفزيونيّ (مع الإعلاميّة ديانا فاخوري)، تَسْتَعْرِضُ، يا نائبَ الأمّةِ الأغرّ، بافتخارٍ واعتزاز، محطّاتٍ مُشْرِقةً مِن طفولتِك كنتَ تؤلّفُ فيها العصاباتِ لتَسْرِقَ المحالَّ التّجاريّةَ!! يبدو أنّ بعضَ الخِصالِ السّيّئةِ قد يُرافِقُنا ويُلازِمُنا، إذْ قد نَكْبرُ ونبقى صِغاراً !! هكذا هي طفولتُنا، تَرْسُمُ في نفوسِنا لوناً لا يُفارِقُنا وتَخُطُّ لنا طريقاً لا نُفارِقُه. أمّا أنا، فليست طريقي على النّار، كما السَّرِقةُ ليست مِن شِيَمي!

ـ وفي الختامِ، إذا كانَ أجملُ التّاريخِ هو غداً، فإنّ أَمْسَنَا هو أبُو غَدِنا. وما يومُك أو غَدُك، سيّد فرزلي، سوى امتدادٍ لهذا الماضي ولذاك التّاريخِ الذي يَفْضَحُه محافظٌ يَحْمِلُ إزميلاً، لا خازوقاً. دامَ لكَ كتابُك، سيّد فرزلي، فَبِهِ تُخَلِّدُ مسيرَتَك القويمةَ بتعامُلاتٍ إسرائيليّةٍ ومؤامراتٍ سوريّةٍ، كما و»بتفجيراتٍ ليليّةٍ» تُضِيءُ سماءَ تاريخِك !!

اقتضى التّوضيح.