ريتا ابراهيم فريد

جاد غصن: "التاريخ الذي لم يُروَ" لأنّه لا يناسب أصحاب النفوذ في السلطة

19 شباط 2022

02 : 05

عرضَت "المؤسسة اللبنانية للإرسال" الأسبوع الماضي سلسلة "التاريخ الذي لم يُروَ" من إعداد الإعلامي جاد غصن، عن "كواليس وخفايا نظامٍ إقتصاديّ وماليّ وسياسيّ، على رأسه أُمراء حربٍ ومال من التسعينيّات الى اليوم، وصولاً الى الإنهيار الكبير"، في عمل يوثّق بالصوت والصورة المسؤولية المباشرة لمنظومة حاكمة اتّبعت سياسات أوصلت البلاد الى مرحلة الدمار الاقتصادي. "نداء الوطن" تواصلت مع الإعلامي جاد غصن الذي تحدّث عن كيفية التحضير لهذا العمل الوثائقي، وردّ على الانتقادات التي طالته.


لنبدأ باختيار العنوان. لماذا "التاريخ الذي لم يُروَ"؟

التاريخ اللبناني الحديث ترويه عادةً الأطراف السياسية المعنية على طريقتها، حين تخاطب جماهيرها عن سبب وصولنا الى هذه المرحلة. وقد يرويه الإعلام، لكنّ الأخير بات يكرّس معظم وقته لتغطية الأحداث الآنية. فإذا راجعنا السنوات الثلاثين الأخيرة في تاريخ لبنان، نجد أنّ أموراً مهمّة كانت تحصل يومياً، لكن اقتصر تسليط الضوء عليها على أقلية صغيرة من السياسيين والإعلاميين.

إنهيارنا الاقتصادي لم يتمّ بشكل مفاجئ في العام 2019، بل كان نتيجة سياسات اتّبعت منذ ثلاثين سنة. لذلك قرّرنا أن نروي قصّة هذه السنوات الثلاثين، علماً أنّ الأحزاب الموجودة في السلطة اليوم لا مصلحة لها في الحديث عن هذا التاريخ، لأنّه سوف يضيء على مسؤولياتها التي أوصلت البلاد الى هُنا، حتى لو كانت هذه المسؤوليات بدرجات متفاوتة. بالتالي، هذا التاريخ لم يُروَ لأنّ أصحاب النفوذ في البلاد لا يناسبهم أن يُروى.



كيف انطلقت فكرة الحلقات الوثائقية وكيف جرى التحضير لها؟


أنا شخصياً أولي اهتماماً كبيراً بشقّ الأرشيف، إذ يمكن استخدامه لتقديم المعلومة بالصوت والصورة، بعيداً عن التأويل والتحليل. وحين استلمتُ إعداد برنامج "عشرين تلاتين" من تقديم ألبير كوستانيان على شاشة "المؤسّسة اللبنانية للإرسال"، تناقشنا مع الإدارة عمّا يمكن تحضيره من تقارير، فاقترحتُ عملاً يتطرّق الى التاريخ السياسي الإقتصادي، الذي يمكن من خلاله تسليط الضوء على الأحداث التي أدّت بلبنان الى الانهيار. حضّرتُ في البداية عملاً مبسّطاً اقتصر على أربعة تقارير تتطرّق الى أربع محطات أساسية منفصلة. هذه التقارير أعجبت الإدارة، فسألوني أن أكمل العمل عليها كي تكون مترابطة أكثر ضمن سياق روائي للأحداث.



ما أبرز الصعوبات التي واجهتكم خلال التحضير؟

بصراحة لم نواجه أيّ صعوبات تُذكر. فرواية هذه الأحداث تحتاج الى بحث عن المعلومات والتواريخ بدقّة، إضافة الى الاستعانة بالأرشيف لناحية الحصول على لقطات وسونورات، وهذا من طبيعة عملنا.

اقتصرت الحلقات على دقائق عدّة خلال نشرة الأخبار. هل ترى أنّها "نالت حقّها" أم كان يمكن أن تتوسّع في حلقات وثائقية طويلة؟ من الطبيعي أنّ العمل الذي يراجع حقبة ثلاثين سنة، يمكن أن يحمل شرحاً أكبر، وأنا شخصياً أفضّل الوثائقيات الطويلة. لكنّ الصيغة التي اختيرت للشاشة التلفزيونية كانت جيّدة. فالوثائقيات الطويلة تُعرض مرّة واحدة، وقد لا تلقى اهتماماً كبيراً من جميع المشاهدين. فيما أنّ تجزئتها الى مقاطع صغيرة في بداية نشرة الأخبار قد تجذب اهتماماً سياسياً أكبر، لا سيّما أنها تُعرض في وقت الذروة لناحية نسبة المشاهدة. وفي المُطلق، لا شكّ في أنّ هذه الحقبة يمكن العمل عليها بشكل موسّع، لكن ضمن المُتاح كهواء تلفزيوني، كان الأمر ممتازاً.



إذاً هل هناك مشروع لتوسيع العمل على وثائقي أكبر؟


لطالما كنتُ أخطّط للتطرّق الى مرحلة الثلاثين سنة الماضية من هذه المقاربة. أي الإضاءة على الأحداث التي تتجنّب الأحزاب عادةً أن تضيء عليها، علماً أنها أحداث مفصلية.



الإعلان الترويجي أثار بلبلةً كبيرة، حيث اعترض البعض على إقحام صور بعض الزعماء ضمن مجموعة الفساد، كما كان هناك استنكار لاستخدام صورة للسيّد حسن نصرالله وهو يحمل بندقية من غنيمة اسرائيلية في بيت ياحون 1999. كيف تردّ على ذلك؟


بكلّ بساطة، قمتُ بتحضير التقارير، ولم أتطرّق الى العمل الإعلاني، فهذا ليس من ضمن عملي. وقد تمّ تحضير بوسترات عدّة لكلّ حلقة، وكان أوّلها البوستر الذي أثار البلبلة. لكن لو عاد الأمر لي، كنتُ أفضّل ألا أعتمد هذا الأسلوب للترويج، طالما أنّ المضمون كافٍ لجذب الاهتمام. من جهة أخرى، أتقبّل جميع الانتقادات على البوستر و"أحملها"، كما يُقال. باستثناء موضوع استخدام صورة السيد حسن وهو يحمل البندقية، حيث كنتُ أفضّل ألا تُستعمل هذه الصورة لسبب واحد: لأنها غنيمة إسرائيلية، وبالتالي تندرج ضمن سياق الصراع العربي- الإسرائيلي، وليس ضمن سياق الصراع اللبناني - اللبناني الذي تناولته الحلقات.

من جهة أخرى، "كل واحد زعلان إنو زعيم حزبو محطوط بهالصورة، شو بعمل إذا زعيم حزبو مسؤول عن مرحلة 30 سنة؟"، أكرّر، حتى لو كانت هذه المسؤولية بدرجات متفاوتة. ليتهم يصبّون غضبهم على زعمائهم حين يجتمعون سوياً ضمن حكومة واحدة أو على طاولة حوار واحدة. بالتالي، لستُ أنا من جمع هؤلاء الزعماء في هذه الخانة، بل مسؤولياتهم خلال الثلاثين سنة الماضية هي التي جمعتهم.


البوستر الذي طالته الانتقادات



في المقابل، اعترض البعض على أنّ البوستر لم يتضمّن صوراً لزعماء آخرين كانوا أيضاً من ضمن المنظومة. ما رأيك؟


الصورة لها حجم محدد، وليتها تتّسع لهم جميعاً. ومن يشاهد الوثائقي، يرى أننا تحدثنا عن الجميع. كما أننا اعتمدنا نماذج عن كيفية توزّع الفساد على طبقات. فالصفّ الأول كان يوزّع لجماعته، وبدورها الجماعات المحلية قامت بالعمل نفسه ضمن منطقتها. كلّ من شارك في حكومات الثلاثين سنة الماضية من منطلق تمثيل طائفة معينة، كان مشاركاً في الفساد. وبالتالي المنطق الجامع لنظام توزيع مغانم السلطة على الأزلام، هو الذي وحّدهم.



هل ترى أنّ الانتخابات المقبلة قد تحمل تغييراً ما وخرقاً لوجوه جديدة ومعارضة؟

المرشّح الذي لا يعلن برنامجاً واضحاً حول خطّه السياسي، إنما هو يسخّر منطق شخصنة السياسة، من مبدأ أنّ هذا الشخص جيّد فانتخبوه. الأمر ليس متعلّقاً بالأشخاص، ولا يمكن التعويل على ذلك، هناك سياسات جيدة أو سياسات سيّئة. بالنسبة لي، الانتخابات هي محطّة لمواجهة هؤلاء النماذج، كي يتمّ من بعدها فرز المعارضة الحقيقية. ففي قانون انتخابات وضعته السلطة السياسية القائمة، لا يمتلك أحد إمكانية خرق جدّي في وجهها. فهي التي تضع القانون وهي التي تدير الانتخابات وهي التي توزّع الأموال. والسؤال الذي يطرح نفسه هُنا: الخطاب السياسي للمعارضة بيد من سيكون؟



برأيك هل يمكن للإنتفاضة أن تعود الى الشارع بنفس الزخم الذي كانت عليه العام 2019؟


شخصياً أرى أنّ الشارع بحدّ ذاته هو وسيلة وليس غاية. الشارع يجب أن يكون أداة ضغط على السلطة لتحقيق هدفٍ ما. مشكلة التظاهرات التي انطلقت في العام 2019 أنها أتت كي تعبّر عن غضبٍ وواقع استجدّ، وترافق مع بداية الانهيار. التعبير عن الغضب من خلال التظاهرات اليوم لم يعد مجدياً، فالواقع كارثي والجميع يعرف ذلك. المطلوب من الشارع أن يجسّد ضغطاً باتجاه تحقيق هدف ما. وذلك يكون من خلال القوى السياسية المعارضة، التي يجدر بها أن تضع برامج وأهداف واضحة، مثلاً يمكن أن تكون المطالبة بتغيير قانون الانتخابات، أو تغيير الخطة المالية المعتمدة من الحكومة، ومن ثمّ التظاهر في الشارع على أساسها.


MISS 3