ريتا ابراهيم فريد

جاد غصن: إنّنا نضيّع الوقت...والشعب سيدفع الثمن

4 شباط 2020

09 : 54

كثيرون يعتبرونه "حالة مميزة" في الإعلام اللبناني. ففي فترة قصيرة، برز إسم الإعلامي جاد غصن كأحد أكثر المراسلين مهنية واحترافاً، وتميّزت تقاريره وتحقيقاته بالنقد السياسي. من قسم الأخبار في قناة "الجديد"، إنطلق جاد الى إعداد الوثائقيات. كما قدّم العام 2016 برنامجاً انتقادياً ساخراً حمل عنوان "هيدا تبع الأخبار"، تميّز بارتكازه على الأبحاث والأرشيف والوثائقيات. وفي الفترة الأخيرة شارك بتقديم برنامج "يوميات ثورة"، كما أجرى مع الإعلامية سمر أبو خليل مقابلة أثارت جدلاً واسعاً مع رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل، ونالت ردود فعل مختلفة.أخلاقه العالية وهدوؤه الكبير وآراؤه الموضوعية، جعلت منه شخصية محبوبة لها تأثيرها بين الأوساط الشبابية. كما أنّ ثقافته الشاملة تُرجمت بنجاحه في تقديم مادة نقدية عميقة موثّقة بالأبحاث.



عملتَ كمراسل في قسم الأخبار، كما قمت بتقديم البرامج. وحالياً أنت تدير ندوات شبابية... أين تجد نفسك أكثر، في العمل السياسي أو الإعلامي؟


بالنسبة لي، أرى أن العمل الصحافي والعمل السياسي لا ينفصلان عن بعضهما من حيث نمط الصحافة الذي أقدّمه، وهو نمط صحافة الرأي. هذا النمط الذي اعتدنا عليه في الصحف، إنتشر منذ سنوات على القنوات التلفزيونية. لكن الأهم أن يكون الرأي مبنياً على معلومة، وبالتالي يجب على الوقائع أن تبني لنا خلاصة، وهذا لا يتعارض مع الموضوعية.


من هنا تصبح صحافة الرأي جزءاً من العمل السياسي، لأنني أقدّم موقفاً معيناً في نهاية عملي الصحافي. هذا الموقف أحاول توسيعه من خلال الندوات التي أقوم بها لتوصيف المشكلة العامة.


يعتبر بعض متابعيك أنّك تمتلك نظرة تشاؤمية للوضع. هل هذا صحيح؟


الناس تحبّ التوصيفات. فلان متفائل وآخر متشائم. لكن الأهم هو أن نسأل هذا الشخص قبل توصيفه، "أنت متشائم نسبة الى ماذا؟".

التفاؤل أو التشاؤم هو شعور. وفي الحالة اللبنانية أنا لا أتحدث عن شعور، بل أقوم بتوصيف الواقع كما هو. وإذا كان الواقع سوداوياً، أصفه بسوداوية. هل يهمني أن نبقى على هذه الحالة؟ طبعا لا. هل توجد سبل للخروج من الأزمة؟ طبعاً نعم. إذاً، الموضوع ليس موضوع تشاؤم أو تفاؤل. أنا أصبح تشاؤمياً حين أقول لك أنني أرى أن هذه الحكومة غير قادرة على القيام بخطوات إصلاحية، ذلك لأنها لم تقدّم لنا بعد أي خط عريض لأي خطة لحلّ الأزمة. هُنا أصبح تشاؤمياً لأنني أقدّر المستقبل.

بالتالي أنا أحاول أن أصف الواقع أكثر من كوني أحاول القول أنه قدر.


إذاً، كيف ترى الوضع اللبناني اليوم، والى أين نحن ذاهبون برأيك؟


نحن اليوم نخسر الوقت بسبب عدم وجود خطة عمل. إضافة الى ذلك، لبنان ينزف يومياً كمية كبيرة من الدولارات نتيجة الاستيراد والدين العام وأوضاع الناس والمصارف. إذاً عدم توفّر خطة واضحة لدى الحكومة كي تبدأ بتنفيذها سريعاً، سوف يكلّفها أن تخسر مزيداً من الوقت لتقوم بإعداد خطط جديدة. 


هناك من سيدفع كلفة الوقت. وكما تسير الأمور حالياً، يبدو أن الشعب هو الذي سيدفع هذه الكلفة عبر كل ما يحدث، بدءاً من عدم توفّر الدولار، الى عدم إمكانية سحب مبالغ من المصارف، وصولاً الى وجود سعرين للصرف...

كل ذلك يحصل بانتظار الخطة التي قد تكون جيدة وهذا أمر ايجابي، والتي يمكن أن تكون سيئة وبالتالي سنكون أمام مشكلة كبيرة جداً.


كمناصر سابق لـ "التيار الوطني الحر"، ما هو شعورك حين يقال أن عهد الرئيس عون هو عهد الإنهيار؟


خرجت من التيار في عمر الـ 26 سنة، وخروجي كان عن قناعة. في هذه الفترة كان وعيي السياسي يتشكل تدريجياً ويتطور كي يصل في النهاية الى القناعات الثابتة.


أمور كثيرة كنت أتغاضى عنها على قاعدة أن الطائفية ستنتهي حين يصبح هناك دولة، وليس العكس... فالعلمنة لا تتحقق بالتبشير فقط بل بإزالة الامتيازات الطائفية عبر الدولة حصراً.

وفي تلك الفترة كان التيار يطرح خطاباً جذرياً يتعلق بالحسابات المالية من العام 1993 الى اليوم، وبكل بنية الاقتصاد الذي يقوم عليه لبنان، وبأمور القضاء وفرع المعلومات... لكن مع الوقت بدأت هذه المواضيع بالتبخّر على حساب الأمور اليومية أكثر، وموضوع حقوق المسيحيين أكثر.

هنا وجدتُ أن لا مكان لي في هذا "التيار". وكان خروجي منه على اعتبار أن هذا التوجه لن يساعد في إنتاج حلّ. كما أنه قد لا يكون سبباً في كل الأزمات، لكنه سيصبح شريكاً فيها. وبالتالي هل يجوز اليوم تحميل الرئيس ميشال عون المسؤولية لوحده؟ حتماً لا.

وهل يمكن بالمقابل إعفاؤه من المسؤولية؟ أيضاً لا.


تعرّضت لانتقادات عدة إثر المقابلة التي أجريتها أنا وزميلتك سمر أبو خليل مع رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل. كيف تلقيت هذه الانتقادات؟ 


أنا أوافق على أن المقابلة لم تكن على قدر التوقعات العالية جداً. وأحد المؤشرات الى هذا الموضوع هو أن الحلقة امتدّت الى ما يقارب الـ 4 ساعات، فيما كان من المفترض ألا تتعدى الساعتين والنصف. ورغم ذلك لم نتمكن من عرض مواضيع أخرى مثل موضوع وزارة الطاقة.


إذاً أربع ساعات وربع الساعة من دون أن نعطي الوقت لموضوع مهم من هذا النوع هو دليل على سوء إدارة الحلقة وهذا أمر أقرّ به.

أما عن دوري في الحلقة إذا كان ايجابياً أو سلبياً، فأنا شخصياً أعتبر أن الآراء التي أشارت الى أنه كان يجب أن أكون أكثر قساوة في منع الضيف من الهروب من السؤال الى أمور أخرى هي آراء بناءة. وفي ما يتعلق بالمضمون والإعداد، أعتبر أنه كان جيداً ولم يهدف أبداً الى المسايرة.

في المقابل، لم نكن نسعى الى المناكفة لأجل المناكفة، إنما كنا نحاول ان نطرح الأسئلة الصعبة انطلاقاً من الوقائع. وبالتالي في تقييم الحلقة ككل، أنا رأيي الشخصي ليس ايجابياً فيها. لكن الانتقاد الذي لا أقبله هو قول البعض أننا هدفنا من هذه الحلقة كان مسايرة جبران باسيل. هؤلاء يمكن أن يصفوا الحلقة بأي شي إلا بأنها أعدّت للمسايرة.

وهذا الكلام الذي انتشر حتى قبل عرض الحلقة يشير الى أن قائليه لديهم مناكفات معينة مع جبران باسيل، واستغلوا المقابلة كوسيلة لتبادل الرصاص على بعض.


شاركت بتقديم برنامج "يوميات ثورة" مع طوني خليفة، نيشان وسمر أبو خليل. مع مَن مِن هؤلاء الإعلاميين الثلاثة كنت مرتاحا أكثر؟


أكثر ما أحببته هو التنوع بينهم. لأن كل شخص منهم آت من خلفية مختلفة. 


سمر متخصصة ببرامج الحوار السياسي، ولديها أسلوبها الصدامي الذي تطرح فيه أسئلة محرجة للضيوف.

نيشان الآتي من خلفية بعيدة عن المواضيع السياسية، حيث أنه لم يعمل في هذا المجال سابقاً، وبالتالي فهو يأخذ المواضيع الى الشق الاجتماعي أكثر.

طوني هو من يمتلك من كل شي. فخلال مسيرته الإعلامية كانت له محطة في الأخبار وفي البرامج الاجتماعية. وتتنوّع حلقاته بين كل المواضيع، وبالتالي بإمكانه أن يلعب الدورين. التجربة بحد ذاتها بين الثلاثة أحببتها. لأنها أضافت لي ما كنت أفتقده في مسيرتي في التلفزيون وهي البرامج السياسية الاجتماعية.سمعنا أنك تحضّر برنامجاً جديداً. هل يمكن أن تكشف لنا عن طبيعته؟نعم نحن بصدد تحضير عمل جديد لكنه لا يزال في إطاره الأولي.

سنقوم بتصوير حلقة تجريبية. قد تكون ردة الفعل إيجابية فننطلق خلال فترة قصيرة. وقد تكون بحاجة الى بعض التعديلات، عندها سيأخذ الموضوع وقتاً أكثر.طبيعة البرنامج تشبه ما أقدمه على يوتيوب والذي يتمحور بين السياسة والاقتصاد. كما تشبه أيضاً إطلالاتي في برنامج "يوميات ثورة" التي تدمج بين الحوار وبين محاولة تبسيط أمور كانت الناس تعتقد أنها صعبة.




في الختام، ماذا تقول اليوم للمتظاهرين؟

التظاهرات في الشارع أعادت اهتمام الناس بالحياة السياسية، وهذا أمر إيجابي جداً. لكن إذا لم تتطوّر هذه التظاهرات كي تتحول الى حركة سياسية، أو على الأقل مجموعة حركات سياسية لديها أولوية تغيير الوضع القائم، فلن تصل الى نتيجة. وبالتالي من الضروري ألا تبقى الحركة الإعتراضية قائمة على الغضـب فقط، بل يجب البناء عليها كي نصل الى نتيجـة تراكمية، وإلا سوف تتبدد مع الوقت.



MISS 3