مريم سيف الدين

القضاء يتحرّك... ويتراجع

وزير السلطة يواجه متطوّعي الشعب

18 تشرين الأول 2019

00 : 00

تصدر إشارة قضائية لملاحقة متطوّعة عملت على مساعدة المتضررين من الحرائق الذين دفعوا ثمن إهمال السلطة. فتُستدعى المتطوعة إلى التحقيق، فجأة تختفي الإشارة بعد ساعة ونصف الساعة من وقت الاستدعاء... الحقيقة إنها فضيحة جديدة تستدعي التحقيق.



تلقّت الناشطة سينتيا سليمان أول من أمس اتصالاً من مفرزة بيت الدين القضائية لاستدعائها الى التحقيق معها، بناءً لإشارة من النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون. وذلك على خلفية الإشكال الذي حصل نهار الثلثاء الماضي في مسبح الجسر بين وزير المهجرين غسان عطالله وعدد من المتطوعين الذين اتخذوا من المسبح مقراً لجمع المساعدات للمتضررين وتوزيعها. وفي حين يؤكد عطالله تعرضه للضرب متسلحاً بتقرير طبي لإثبات ذلك، ينفي صاحب المسبح وناشطون لـ "نداء الوطن" أن يكون الوزير قد تعرّض لأي اعتداء.

ووفق التقرير الطبي الذي استحصل عليه عطالله من الدكتور أنطوان الزغبي، يشهد الطبيب بأن الوزير "يعاني من ضربة قوية على الرأس مع ورم ناتج عن هذه الضربة". لكن التقرير غير الصادر عن طبيب شرعي لم يحدد مكان الإصابة في الرأس. ولم يرِنا الوزير، الذي ظهر بصحة جيدة في المقابلات التلفزيونية التي تلت الإشكال، صوراً تظهر آثار "الضربة القوية". وتعليقاً على تقرير الزغبي أشار ناشطون إلى أن "الطبيب ينتمي إلى التيار الوطني الحر الذي رشّحه سابقاً عن المقعد الماروني في دائرة عاليه". واعتبروا أنها مفارقة "أن الزغبي هو رئيس الصليب الأحمر اللبناني، ومنح التقرير لاستخدامه في محاكمة متطوعين يحملون قيمة العمل التطوعي نفسها التي يحملها الصليب الأحمر". وهو ما يبدو مستغرباً إذ عادة ما يطلب الصليب الأحمر من موظفيه تجنب الدخول في الخلافات السياسية.

حاولت "نداء الوطن" التواصل مرات عدة مع عطالله للوقوف عند رأيه مما حصل، لكن من دون جدوى. وفي تفاصيل الإشكال، أن حضور الوزير إلى مركز المتطوعين استفزّهم، ورأوا فيه محاولة منه لاستغلال مجهودهم في دعاية سياسية لحزبه، بعد تصريحات طائفية وأخرى استعلائية مستفزة صدرت عن مسؤولين بارزين في تياره. والملفت في ما جرى استدعاء سليمان وحدها دون سواها للتحقيق معها، قبل التراجع عن هذا القرار غير المبرر. وبعد الاستدعاء غرّد عطالله: "إتصلت بالقاضية غادة عون وطلبت منها عدم توقيف أي ناشط رافضاً اتخاذ صفة الإدعاء الشخصي بحق أيّ منهم كما كنت أكّدت أمام كل الناس ليلة أمس مباشرة على الهواء... وذلك على رغم وجود تقرير طبي يؤكّد تعرّضي للاعتداء". هو تصريح أشبه باعتراف من الوزير بأنه يتدخل في عمل القضاء ويملك سلطة عليه!

لِمَ أنا؟

وفي حديث إلى "نداء الوطن" تستغرب سليمان استدعاءها دون سواها، "أتمنى أن أعرف لمَ تمّ استدعائي أنا بالذات، الفيديو يؤكد أني كنت أتكلم فقط، إنهم يخافون الكلمة. أما كيف وضعت الإشارة لملاحقتي وكيف أزيلت، فلست أدري. وكأن الأمر خاضع لرأي واتصال الوزير". تروي سليمان أنهم بدأوا العمل بإنشاء مجموعة على تطبيق "واتساب" بعد علمهم بأن الطاهي في مسبح الجسر يعد الطعام ويوزعه على المتضررين، فاتجه ناشطون إلى المسبح لتوزيع المساعدات على المتضررين.



التقرير الطبّي بحالة عطالله


وافق صاحب المسبح على استخدام المكان كغرفة عمليات لجمع المساعدات وتوزيعها على المتضررين من الحرائق. ووفق سليمان اتفق المتطوعون منذ البداية على ألا يأخذ العمل أي طابع حزبي أو سياسي. "نحو الساعة الثامنة مساءً وصل شخص لا نعرفه، وتفاجأنا بعبوات مياه تحمل شعار "التيار الوطني الحر". عرّف عطالله عن نفسه بأنه وزير المهجرين وقال إنه أتى ليشكرنا. أخبرناه بأننا نتمنى ألا يكون هناك أي وجود سياسي، وبأننا نقوم بالعمل الذي يفترض أن تقوم به الدولة. حصلت نقاشات وقيل للوزير أن هذه السلطة فاشلة ويجب أن تستقيلوا. فبدأ الحاضرون بالهتاف: يلا فل يلا فل. وقف الوزير جانباً فأكمل الحاضرون هتافهم: يلا فل يلا فل. فبدأ مرافقو الوزير بدفع الحاضرين ووضعوا أيديهم على أسلحتهم، وأحدهم ضرب أحد الشباب. وبينما كان الوزير يخرج من الباب الخلفي حمل أحد مرافقيه ثريا لضرب أحدهم بها، فتدخل عمال المطعم للتهدئة".

تؤكّد سليمان أن "أحداً لم يتعرض للوزير جسدياً، وأن مرافقيه رفعوا أسلحتهم بوجه المتطوعين بعد خروج الوزير". وتعتبر المتطوعة أن "المسألة لم تكن شخصية مع عطالله الذين لم يعرفوه أصلاً"، وفق قولها، وإنما رفضاً لتواجد من يمثل "السلطة الفاسدة" فطلبوا منه المغادرة.

وفي حين طالب الوزير في إحدى المقابلات المتلفزة بسؤال صاحب المسبح عما جرى، يكتفي صاحبه غسان عبدالله بالقول إن "شيئاً لم يحصل وأن القصة انتهت"، مؤكداً عدم تعرض عطالله للضرب. وبعد كلام الوزير عن قيام صاحب المسبح بطرد المتطوعين منه، تابع هؤلاء ومن بينهم زملاء صحافيون نشر صورهم من داخل المكان حتى وقت متأخر من الليل لتكذيب الوزير.

لكنّ النقمة على سليمان لم تهدأ، وهي تتعرض لحملة وصفتها بالمخيفة على وسائل التواصل الإجتماعي، ولهجوم شرس من قبل مناصري "التيار الوطني الحر". في مقابل هذه الحملة، أطلقت أول من أمس حملة للتضامن معها تحت وسم #متضامن_مع_سينتيا_سليمان. واستغرب مغردون تحرك الدولة لاستدعاء متطوعين حاولوا ملء الفراغ الذي سببه تقصيرها. ودعا غيرهم إلى التحقيق مع المقصرين بدل التحقيق مع المتطوعين. بينما رفض آخرون المسّ بحرية التعبير ومنع الناشطين من انتقاد السلطة داعين من لا يتقبل الانتقاد إلى الإستقالة.


MISS 3