علي الرز

مساحة حرة

إذهب إليه يا جبران

18 تشرين الأول 2019

02 : 37

لم تكن بحاجةٍ إلى هذا الاستعراض الإعلامي والصوت العالي لتبريرِ قرارِكَ بالذهاب إلى سوريا ولا لتسويقه على أنه "انتصارٌ"، فقد ذهبْتم وعدْتم مراراً، وشركاء الحُكْم لا يملكون غير التلطّي بالجدار "الأخلاقي" لمقاومةِ انفلاتِ حركةِ السيرِ عند بوابة المصنع.

حتى موضوع "العِلْم والخَبَر" لرئيسِ الحكومة أو لمجلس الوزراء، فلستَ مضطراً له نهائياً. منظومةُ حلفائك تعْبر إلى سورية ومنها إلى العراق ومنه إلى إيران وأحياناً إلى اليمن وغزة من دون أي استئذانٍ ولا اعتبار. لكننا في لبنان تعوّدنا أن نعلن أيّ انتكاسةٍ بالصوت العالي والتهديد بقلْب الطاولة وتصوير التراجُع لمَن يصفّق أمامنا على أنه "تَقَدُّم"... ومَن ينسى خطاب بشار الأسد العام 2005 وكيف خُيِّلَ لمَن يتابع تفاصيله أن سوريا على وشك احتلال العالم لينتهي بالإعلان عن الخروج من لبنان؟

معالي وزير الخارجية جبران باسيل اذهب إليه، وما الجديد؟ فأنت وكثيرون من منظومتك ما تركتموه وحيداً، وكنتم دائماً معه وعنده في أحلك الظروف، يساعدكم في ذلك صمتٌ عالمي أقرب إلى العُهْر. قُلْ له ما تريد وهو سيُطابِقُه في الملف الموجود على طاولته عنك، ولكن يجدر الانتباه إلى أمور عدة استناداً إلى خبراتِ مَن ذهبوا إليه قبلك وسيذهبون بعدك.

أنتَ في قصر الأسد ولستَ في مهرجان الحدَث، والتذاكي في الخطاب الشعبوي والالتفاف على الحقائق، لم يعد جزء كبير من جمهور "التيار" يقْبضه، فهل تريد لمَن ورث حُكْمَ لبنان يوماً عن والده أن يقبضه؟ بمعنى آخر، قلتَ في ذكرى 13 تشرين الأول إنك ستذهب إلى سوريا لإعادة النازحين السوريين كما أعيد الجيش السوري من لبنان. كيف سيبْلعها مَن يعتبر 13 تشرين انتصاراً تاريخياً؟ وكيف تريده أن ينسى أن دماء الشهيد رفيق الحريري هي التي أخرجته من لبنان؟ وكم سيكون الموقف محرجاً عندما تطالبون باسترداد عشرات المعتقلين أو المفقودين أو الرفات من بشار الأسد وفِي المشهد السوري أكثر من نصف مليون ضحية وملايين المهجرين ناهيك عن عشرات الآلاف في السجون ومئات آلاف الجرحى والمصابين؟

اذهب إليه وقَدِّم أوراق اعتمادك رئيساً مقبلاً للجمهورية. وأيضاً لا بد أن تفصل بين قصر المهاجرين ومبنى ميرنا الشالوحي. لا تَقُلْ له إن مشكلة الكهرباء في لبنان سببها النازح السوري ولا المشاكل الاقتصادية ولا شحّ المياه. سيقول لك ان مشاكلكم هذه موجودة قبل النزوح السوري، فهو ووالده ومندوبوه اللاساميون وحلفاؤه اللبنانيون مَن "هنْدس" عملية تدمير المرافق اللبنانية ومَنَعَ قيامة المؤسسات لأهداف تَحَدَّثَ عنها أكثر من مرّة فخامة الرئيس العماد ميشال عون قبل عودته من منفاه.

إن أردْته أن يحبّك في موضوع النازحين فلا تكرِّر أمامه ما تقوله في لبنان. سَيُخْرِجُ لك أرقامَ المساعدات الدولية وموازنات الأمم المتحدة ويُخْبِرُكَ كالعادة أن العامل السوري يكدح أربع مرات أكثر من العامل اللبناني... إلى آخِر الأدبيات البعثية. استمِع منه فقط إلى تصنيف أجهزة الأمن السورية لهم بين مُوالٍ يتجسس ومُعارِضٍ يتلطى وغالبيةٍ مغلوبة. ويمكنه إفادتُك في "دفْعةٍ معنوية" تسمح بإعادةٍ رمزيةٍ للبعض مقابل توالي عمليات تسليم المُعارِضين، والسماح بتكثيف عبور بعض البضائع والمنتجات اللبنانية عبر سوريا، كما سيشجّعك على رفع الوتيرة العنصرية ضدّ النازحين لاستمرار تخصيب الكراهية كي يستفاد منها في أي اختبارٍ مقبلٍ عندما "يفضى" لنا.

معالي الوزير... اذهب إليه ودشِّن بالعلن مرحلةَ الوصال الخجولة، وابقِ لنفسك هامشاً من عدم التصديق. صدِّق ما تريد وما يمكنه أن يخدمك داخلياً وارمِ جانباً أفخاخ اللغة والوعود، فلطالما وعدوا غيرك ونكثوا ولطالما أَمَّنَ لهم غيرُك وغَدَروا. وعلى سيرة الأفخاخ، لم يكن مزاحاً النُصح بتفتيشِ سيارتك عندما تعود، فأنتَ لست أغلى عندهم من ميشال سماحة الذي كان مُقاتِلاً حقيقياً في صفوفهم على جبهة السياسة والإعلام الدولي.

رافقتْكُم السلامة في حلكم وترحالكم.


MISS 3