مايز عبيد

رحلة البحث عن سرير في مستشفى انتهت بـ"حرقة قلب"

الطفلة رانيا... ملائكة السماء تشهد على إهمال الأرض

18 تشرين الأول 2019

02 : 40

الطفلة الصغيرة لم تكمل سنتها الدراسية الأولى
بين مسؤولية المستشفى أو المستشفيات ومسؤولية الطبيب المعالج أو مسؤولية الأهل، ترحل رانيا الرفاعي. طفلة في ربيعها الثالث في بلد تتشعب فيه المسؤولية حتى تضيع، لكنّ الأهم أنها "كانت تحيا في بلد تخلّت فيه الدولة عن جميع مسؤولياتها". فما قصة رانيا؟


رانيا ابنة الثلاث سنوات تسكن مع عائلتها في سوق الخضار في منطقة "باب التبانة" في طرابلس. تروي جدتها السيّدة ندى الرفاعي، ما حصل وتقول لـ"نداء الوطن": "مساء الأحد الماضي لاحظنا أن رانيا متعبة وليست على ما يرام. ذهبنا بها إلى مستشفى دار الزهراء. عاينها أحد الأطباء هناك، فأشار إلى أنها تعاني من رشح داخلي. طلب ذاك الطبيب لها أدوية لمثل هذه الحالات ومن بين هذه الأدوية (بانادول) ودواء لحساسية الصدر. عدنا إلى البيت وأعطيناها الدواء كما أوصى الطبيب. لكن حالتها استمرت وحرارتها ارتفعت بشكل كبير. فتوجهنا بها إلى طوارئ المستشفى الإسلامي في طرابلس. وهناك عاينتها طبيبة وطلبت لها فحوصات وصورة للصدر. في هذه الأثناء دفع والدها ما توجب عليه من مبالغ على الصندوق".

أضافت: "جاءت طبيبة أخرى عاينتها فقالت هي تعاني من السحايا، طلبت لها صورة "سكانر" وبعدها أوصت بأن الطفلة بحاجة إلى عزل. قال الأطباء في المستشفى الإسلامي ان الطفلة يجب أن ترسل إلى مستشفى آخر لأن ليس في "الإسلامي" أسِرّة". وبحسب الجدة "لم تتعاون إدارة المستشفى بتأمين سرير في مستشفى آخر". من هناك انتقل بها الأهل إلى مستشفى في الكورة، حيث وقع الأهل في المعاناة نفسها "لا أسرّة".

وتابعت: "بعد اتصالات عدة من أجل تأمين سرير وبعد تدخّل من السيد محمد جحجاح تم تأمين سرير في المستشفى الحكومي. هناك دفع الأهل ما ترتب عليهم". واشترى والد الطفلة "أدوية من الصيدلية وسلمها إلى المستشفى بناء على طلب المستشفى إذ إن هذه الأدوية ليست متوافرة لديها". وأدخلت الطفلة إلى غرفتها.

حالة جيدة قبل الموت

في اليوم التالي، اتصل أهل رانيا للاطمئنان عليها فأجاب المعنيون في المستشفى بأن "رانيا في حالة جيدة واستيقظت صباحاً وتناولت الفطور". ذهب الأهل لرؤيتها وشاهدوا عكس ذلك. الطفلة ما زالت مريضة في غيبوبة. سمعت الجدة الطبيب المعالج يقول باستنكار: "أعطيتوها جرعة زائدة؟!" هنا ركض الأهل ووجدوا انها طفلتهم التي يتحدث عنها الطبيب. فرد الأخير سريعاً: "لم نعطها جرعة زائدة". وتختم الجدة فتقول: "هنا وجدنا أن رانيا قد ماتت". ويقول والد رانيا بلال الرفاعي لـ"نداء الوطن": "لم أتأخر في دفع ما يتوجب عليّ من مبالغ في كل مستشفى نقلت إليها طفلتي. لكنّ المأساة أن تأمين سرير لطفل على شفير الموت في هذا البلد ضربٌ من المستحيل".

رد المستشفى الحكومي

في المستشفى الحكومي في طرابلس الذي توفيت فيه الطفلة كان الطبيب المشرف على حالتها الدكتور فراس حبلص. والأخير يشير في حديثه لـ"نداء الوطن" إلى أنّ "الطفلة رانيا الرفاعي وصلت إلى المستشفى الحكومي في حالة غيبوبة. سببها أنها تلقت جرعات زائدة من الدواء الذي أتى به الأهل من الصيدلية وبدل 1 mg أعطوها 10 mg وذلك قبيل وصولها إلى المستشفى الحكومي. الأهل اشتروا لها دواء من الصيدلية وعالجوها به وهي كانت من لحظة خروجها من المنزل بحاجة إلى دخول مستشفى".

ونفى الدكتور حبلص أن تكون الجرعة الزائدة "قد أعطيت للطفلة في المستشفى الحكومي بطرابلس. فنحن المستشفى الوحيد الذي وافق على دخولها وتم تأمين السرير لها وعملنا على معالجتها على نفقة وزارة الصحة ولم نتقاض أي مبالغ، لكنّ حالتها كانت صعبة قبيل مجيئها، وكانت في غيبوبة بسبب الجرعات الزائدة من الأدوية التي أعطيت لها قبل وصولها إلينا".

ودان الأب بلال الرفاعي، وهو شاب يعمل في تصنيع البرادي، "التصرّف غير الإنساني من قِبل المستشفيات التي رفضت تأمين السرير لطفلته وتركوها في الطوارئ لساعات من دون رأفة أو رحمة بحالتها".

أما جدّها فيقول: "لو كانت لدينا واسطة سياسية أو كنا من أصحاب الحظوة لأمّنوا لها السرير بكل سرور".

من المسؤول؟

توفيت الطفلة رانيا الرفاعي وتركت خلفها الكثير من الأسئلة من دون إجابات. من يتحمّل المسؤولية في بلد ضاعت فيه المسؤولية؟ وأين مسؤولية وزارة الصحة في تأمين الغرف لمثل هذه الحالات الطارئة؟ وما ذنب الطفولة أن تدفع الثمن في بلد الفساد والمحسوبيات والوساطات؟ وأين أجهزة الرقابة التي من المفترض أن تفتح تحقيقاً بالحادث لتكشف التقصير في هذه الحالة وفي الكثير من الحالات المشابهة؟

رحلت رانيا الرفاعي طفلة صغيرة في أول سنة دراسية (روضة) في مدرسة الحريري بـ"باب التبانة". رحلت إلى دار العدل في السماء بعد أن فُقدت الرحمة بالأطفال، وفُقد العدل من الأرض.


MISS 3