لا يخلو من تأثيرات اصحاب المصالح والكتبة والفريسيين وعابدي النصوص

عبود: في المجلس النيابي جهل اقتصادي مخيف!

02 : 00

فادي عبود
لا يشك الوزير السابق والصناعي فادي عبود في النية الموجودة لدى سياسيين لإيجاد حلول للأزمة الخانقة التي يمر بها لبنان، لكنه يجزم بأن «المعلميّي» أي أن know how تنقصهم بشكل حاد. ويضرب مثلاً كيف خرج قانون المنافسة من مجلس النواب، مؤكداً بأن النتيجة تثبت بما لا يقبل الشك في ان معظم نوابنا لا يعرفون ما معنى «تنافس حر». ويقول: «في مجلس النواب جهل اقتصادي مخيف»! إلتقت «نداء الوطن» عبود، وتناول الحوار المرفأ والصناعة وقضايا اقتصادية أخرى. في ما يلي نص الحوار:





ما رأيك بقانون المنافسة الجديد؟


التعديلات التي اجريت على القانون نسفت جوهر التنافس. كانوا حولوا التمثيل التجاري الى زواج ماروني لا «يفكه» الا قداسة البابا بفعل الحصرية التي، ولضرورة فكها، قد يدفع من منحها عشرات الملايين لصاحب الوكالة. لذا نجد الآن أن كثيراً من الشركات العالمية، لا سيما الأميركية منها، ترفض اعطاء وكالات حصرية في لبنان. صار معروفاً في عالم التجارة الدولية كيف أن هناك تحذيرات من لبنان لجهة عدم اعطاء وكالات حصرية كي لا تتحول الى زواج ماروني.

وانا اعتقد أنه يجب أن تكون الوكالة عبارة عن زواج متعة. وجاء القانون لمحاولة تحويلها الى هكذا زواج، لكن تدخل الكتبة والفريسيون وعابدو النصوص وزجوا أنوفهم. انتبهوا الى ان الزواج يحتمل مسألة «بيت الطاعة»، فاقروا القانون متضمناً ما يشبه ذلك. فاذا حصل الوكيل المحلي على حكم مبرم ضد الشركة التي كان وكيلها الحصري في لبنان استناداً إلى أنها باعت غيره، فيستطيع، وفق القانون الذي أقر، منعها من ادخال البضاعة الى السوق المحلية لمدة 3 سنوات.

أنا افهم ان الوكيل قد يحصل على تعويضات، أما أن امنع منتج البضاعة من ادخالها الى لبنان لمجرد أن الوكيل ربح دعوى ضده لأنه باع غيره، فهذا غير مقبول بتاتاً.

على صعيد آخر، إذا تعمقنا في روحية القانون لوجدنا المشرع يفترض أن المصدر الوحيد لبضاعة معينة هو الشركة الأم فقط. الواقع خلاف ذلك، مثل أن معجون أسنان له مصنع معروف، لكن هذا المعجون يباع أيضاً في اسواق الجملة العالمية التي يمكن الشراء منها. لذلك قد تدخل البضاعة الى لبنان ولا يعلم عنها المنتج شيئاً أو لا علاقة لك بذلك التوريد.

فتحوا مجالاً للأخذ والرد بمنح الوكيل المحلي حق رفع دعوى ضد الشركة الأم. وفي لبنان يمكن الحصول على حكم مبرم بسهولة أحياناً.

لكن القانون حدد نسباً معينة لحدود الهيمنة على الاسواق؟

أنا ضد فكرة وضع نسب للهيمنة، نحن في دولة مشكوك في أمر إحصاءاتها. نستطيع القول ان الوكيل الحصري انتصر بشكل غير مباشر لأن القانون فتح له باباً لحماية تجارته، ومنحه حقوقاً مطاطة باستطاعته الافادة منها.

لن تنخفض الاسعار؟

لا اعتقد أن الأسعار ستنخفض، لأن المستورد سيتردد في استيراد بضاعة لها وكيل يمكن أن يلجأ الى القضاء.

إلى ذلك، هناك عدة نقاط أخرى لم يلحظها القانون أو أهملها. مثل أن الجمارك قد تقرر لوحدها أن الوكيل الحصري وحده يدخل بضاعة بأسعار أقل من غيره. للمثال، نأخذ مستورداً للصابون بسعر 10 دولارات للصندوق، فللجمارك حق الاعتراض والادعاء بأن هذا السعر ليس صحيحاً وتدعي ان الوكيل الحصري يمكن ان يستورد بأسعار أقل. اصبح للمفتش الجمركي حق عدم قبول الفاتورة وفرض تسعير أعلى. هذا ما يحصل في تجارة السيارات يومياً، فالجمارك تسعر السيارة نفسها التي يستوردها التاجر العادي أعلى بنسبة 40% من السعر الذي يضعه للوكيل الحصري، وهذا يعتبر حماية غير قانونية للوكيل، إذ كيف يمكن وضع رسم جمركي على مواطن يختلف عن الرسم المفروض على مواطن آخر؟

ليستفيد المستهلك يجب أن يكون التنافس حراً مائة في المائة. القانون الجديد يحرر الاستيراد بشروط، تلك الشروط قد تحول دون خفض الأسعار. كان يجب تشجيع المستورد من اسواق الجملة ومن لديه سوبرماركت ليستورد مستوعباً فيه 40 الى 50 صنفاً. كان يجب ارسال رسالة لهؤلاء، عبر القانون، بأنه لم يعد هناك أي تدخل يعيق استيرادهم. لكنهم ركبوا للقانون عدة طرابيش سميتها لكم «بيت الطاعة».

لماذا انتقدت عقد تلزيم ادارة وتشغيل وصيانة محطة الحاويات في مرفأ بيروت لشركة فرنسية؟

لا أوافق على المنطق الذي اعتمده وزير الأشغال العامة والنقل الدكتور علي حمية، فما حصل ليس مناقصة. أستغرب كيف أن حمية وأجهزة وزارته كما دائرة المناقصات فاتهم جميعاً أن شركة CMA-CGM» وشركة «GULFTAINER هما شركة واحدة لنفس المالك. فالأخيرة، التي كانت تشغل محطة الحاويات في مرفأ طرابلس أيضاً، اشترتها الأولى. علماً بأنه كان يجب أن نشجع المنافسة القاسية بين الشركات. حصل العكس واصبح لدينا عقدان في المرفأين بيد نفس الشركة. نحن امام حالة احتكار للأسف. كما أن الشركة الفائزة ليست شركة لوجستيات وخدمات مرفئية بل هي شركة شحن عملاقة.

وهناك خطأ ايضاً في التلزيم لمدة 10 سنوات قبل وضع المخطط التوجيهي العام للمرافئ. نحن بحاجة لدراسات جدوى تحدد دور مرفأ بيروت في حوض المتوسط، أين ميزاتنا؟ وأين ليس لنا ميزات تفاضلية عن غيرنا؟ حصل تسرع في التلزيم خصوصاً اذا اردنا مستقبلاً اطلاق مناقصة لادارة المرفأ ككل.

إلى ذلك فان الوزير أدار العملية مع لجنة ادارة واستثمار مرفأ بيروت الخاضعة للمحاكمة بشأن مسؤوليتها في قضية انفجار المرفأ، وعليها علامات استفهام طيلة 30 سنة لا سيما لجهة تحصيلها للايرادات، وكيف صرفتها. كانت تجبي ضرائب سيادية وتنفقها كما تشاء. تلك الضرائب ليست مقابل خدمة على المستوعب وفق وزنه أو حجمه بل على نوعية البضاعة التي فيه. هذه الضرائب السيادية تجبيها فقط وزارة المالية وليس لجنة موقتة.

هل هناك قطبة سياسية مخفية في تلزيم عقد المناولة في المرفأ؟

هناك حتماً قطبة سياسية مخفية. هي غير مخفية في حقيقة الأمر، فمعروف موقف الكتلة التي ينتمي اليها الوزير حمية مع الدولة الفرنسية، علما بأننا لسنا ضد ذلك.

كنت أتوقع أن ترفض فرنسا هذا التلزيم لأنها معنية باحترام قوانين حماية المستهلك أينما كان. كما أن القانون الفرنسي واضح جداً بشأن الشفافية في التلزيمات والمناقصات. لا يمكنهم القول بأن القوانين اللبنانية تسمح بعدم الشفافية وبالتالي لا شأن لنا. اذا رفعت دعوى في فرنسا، فانا أجزم بأن المحاكم الفرنسية سترفض هذا التلزيم وتطلب إعادته من خلال مناقصة سليمة وشفافة.


هل استفاد الصناعيون من صندوق «سيدر أوكسيجين» الذي خصص لتمويلهم؟


يطلب الصندوق فوائد على التسهيلات بطريقة احتساب الفوائد لا تختلف كثيراً عن الطرق المعتمدة من المصارف. فاذا كانت حددت بـ 7% فاننا سنجد عند التطبيق كيف سترتفع الى ما بين 8.5% و 10% سنوياً. لذا كان الإقبال ضعيفاَ على الافادة من هذا الصندوق.


هل انتعشت الصناعة بفعل انخفاض كلفة الانتاج؟


هناك انتعاش ما في صناعات البرمجيات والأدوية وبعض الصناعات الغذائية القليلة التي ليس فيها تصنيع كبير. البقية كانت تنتعش أيام دعم المازوت والكهرباء، أما اليوم فالصناعات المعتمدة على الطاقة المكثفة فقد صدر بها حكم الاعدام، وما يعش منها فلأن المستورد غالي السعر، وكذلك الشحن مكلف لا سيما من شرق آسيا حيث اصبحت الكلفة بواقع 15 الى 16 الف دولار للمستوعب الواحد.

لا يمكن الاستمرار في لبنان في صناعات كثيرة في ظل ارتفاع كلفة كيلووات الكهرباء الى 35 سنتاً مقابل 5 سنتات في مصر؟

ماذا عن مقولة انتعاش الصادرات؟


هنا تكمن المأساة. لم ترتفع الصادرات رغم انخفاض كلفة الانتاج المرتبطة بانخفاض سعر الليرة. أكبر مشاكلنا أننا لا نستفيد من تجارب الغير. تركيا ومصر عانتا من انخفاض عملتيهما، لكنهما استفادتا من ذلك لتنمية الصادرات واعتبار الصناعي المصدر كمقاوم وبطل قومي. أما نحن فماذا فعلنا لخفض اكلاف التصدير؟ هل ساعدنا الصناعيين المصدرين وشجعناهم على المشاركة في المعارض العالمية كي يتعلموا كيفية التسعير والتوضيب والبيع.. في تلك المعارض تجد الجناح المصري أو التركي ضخماً ومذهلاً.

في لبنان ينفق المصدر بين 700 و800 دولار لايصال المستوعب الى ظهر الباخرة. مثال آخر بسيط: اعطني شاحنة بكلفة نقل 2000 الى 2500 دولار الى بغداد حتى تتضاعف صادراتنا الى العراق 3 مرات خلال سنتين فقط. الكلفة اليوم 7 آلاف دولار عبر البحر ثم الى اربيل ومنها الى باقي الاراضي العراقية. يجب تسهيل النقل البري واعادة تحديث اتفاقيات الترانزيت مع سوريا والعراق.

قال لي وكيلي العراقي: لو اني ادفع كلفة شحن من بيروت كما ادفع من بعض الدول العربية وتركيا، اي نحو 2000 دولار، لكانت مشترياتي منك تضاعفت 3 مرات!

«خصلة شنيعة» موروثة!

يقول فادي عبود إن في لبنان «خصلة شنيعة» موروثة، هي أن تقدم الحكومات الى المجلس النيابي مشاريع قوانين من دون مراسيم تطبيقية. ويضيف: إذ يمكن أن يصوت المجلس على قانون، ثم تأتي المراسيم لاحقاً لتعطيل القانون من أساسه أو تغير جوهره. وهناك عشرات لا بل مئات الأمثلة على ذلك، وأعني ما أقول من خلال خبرتي كوزير أكثر من 4 سنوات.

التعطيل، برأيه، سببه المصالح أو تجاذب المصالح أو لأسباب بيروقراطية. لكن المصلحة تطغى غالباً، لأن من يكتب المراسيم يصيغها بشكل قد يلغي القانون أو روحيته لأسباب مصلحية ضيقة. ويؤكد ان هناك «لوبيات» ضغط مؤثرة جداً في لبنان، ويعرف ذلك تماماً كل من يتعاطى بالشأن الاقتصادي.

اتهامات تافهة

عن الاتهامات الموجهة الى الصناعيين بأنهم يبقون دولاراتهم خارج البلاد، يقول فادي عبود انها من أتفه الاتهامات، ومطلقوها بعيدون عن علم الاقتصاد. ويسأل كيف للصناعي المصدر أن يشتري مواد خام جديدة لصناعته اذا لم تكن لديه دولارات في الخارج؟ الى ذلك، ليس لدينا بعد قانون للكابيتال كونترول ليقولوا لنا ماذا نفعل ولا نفعل. ويؤكد أنه اذا سلمنا بضرورة اعادة الاموال الى لبنان، فاننا سنجد عمولات مصرفية من 1 الى 3% وعند اعادة التحويل هناك عمولات باهظة أيضاً.


MISS 3