مصير الإدارة الذاتيّة لشرق سوريا

05 : 04

هناك قلق كبير في الشارع الكردي السوري، وأسئلة كبيرة تُطرح عن مستقبل الإدارة الذاتيّة السوريّة ومصير مئات الشباب الأكراد المنشقين عن صفوف النظام السوري، و"قوّات سوريا الديموقراطيّة" المكوّنة من آلاف العناصر الكرديّة المجهولة المصير بعد دخول الجيش السوري إلى مناطقها بموجب مذكّرة تفاهم بين الطرفين، تمّت صياغتها بمباركة أطراف كرديّة في إقليم كردستان وإشراف وإخراج روسي.

عودة الجيش السوري إلى مناطق الشمال أربك الإندفاعة التركيّة، ودعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى طلب تدخل روسيا لمنع وقوع أيّ إشتباك غير متوقع بين الجيشَيْن التركي والروسي، بالمقابل دعت موسكو أنقرة إلى التنسيق مع النظام السوري بموجب "اتفاق أضنة"، وهو اتفاق أمني سرّي وقّعته تركيا وسوريا العام 1998 وشكّل "نقطة تحوّل" رئيسيّة في مسار علاقاتهما، فتحوّلت من ذروة التوتر إلى تقارب تدريجي ثمّ "تعاون إستراتيجي" أدّى إلى توقيعهما عشرات الاتفاقات في مختلف المجالات. وبعد اندلاع الثورة السوريّة، اتّخذت منه المعارضة السوريّة مستنداً لمطالبة أنقرة بإنشاء منطقة آمنة شمال سوريا.

في خضم الوجود التركي المستمرّ منذ العام 2016 وحتّى الآن في مناطق عدّة من الشمال السوري، ودخول الجيش التركي إلى مناطق شرق الفرات لإنشاء منطقة آمنة، أعاد وزير الخارجيّة الروسي سيرغي لافروف التذكير بـ"اتفاق أضنة". وفي هذا الصدد، أوضح لي الدكتور آذاد علي، الباحث والمفكر الكردي ورئيس تحرير مجلّة الحوار العربي الكردي، أن "اتفاق أضنة" يتضمّن ملاحق سرّية، وما تشهده المنطقة الآن هي أحد نتاجات تلك الملاحق، وأهمّ مضامينها تتلخّص في ما يلي:

1- تعاون سوريا التام مع تركيا في "مكافحة الإرهاب" عبر الحدود، وإنهاء دمشق كلّ أشكال دعمها للحزب الكردستاني، وإخراج زعيمه أوجلان من ترابها، وإغلاق معسكراته في سوريا ولبنان (كان آنذاك تحت الاحتلال السوري)، ومنع تسلّل مقاتليه إلى تركيا.

2- احتفاظ تركيا بـ"حقها الطبيعي في ممارسة الدفاع عن النفس" وفي المطالبة بـ"تعويض عادل" عن خسائرها في الأرواح والممتلكات، إذا لم توقف سوريا دعمها للحزب الكردستاني "فوراً".

3- إعطاء تركيا حق "ملاحقة الإرهابيين" في الداخل السوري حتّى عمق خمسة كيلومترات، و"اتخاذ التدابير الأمنيّة اللازمة إذا تعرّض أمنها القومي للخطر".

4- اعتبار الخلافات الحدوديّة بين البلدَيْن "منتهية"، بدءاً من تاريخ توقيع الاتفاق، من دون أن تكون لأيّ منهما أيّ "مطالب أو حقوق مستحقة" في أراضي الطرف الآخر. أيّ بكلام آخر، كان هذا عبارة عن تخلٍّ سوري رسمي عن أيّ مطالبة بلواء إسكندرون المحتلّ من قبل تركيا، الذي تُسميه تركيا "محافظة هتاي"، ليُصبح بموجب هذا البند جزءاً من الأراضي التركيّة. ويقول مراقبون إن السلطات السوريّة توقّفت، بعد توقيعها "اتفاق أضنة"، عن طباعة أو نشر خرائط رسميّة يظهر فيها لواء إسكندرون ضمن حدودها. عملياً استغلّت تركيا ضعف النظام السوري ومحاولة الرئيس حافظ الأسد حينها تأمين أرضيّة وبيئة آمنة لانتقال السلطة بعده إلى ابنه بشار.

وبحسب مسؤولين بارزين في إقليم كردستان العراق، فإنّ روسيا لن تسمح بحدوث اشتباكات بين القوّات التركيّة والجيش السوري، بينما تواصل أنقرة عمليّتها العسكريّة في شمال سوريا. وكان مبعوث موسكو الخاص إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف قد قال عن الإشتباك بين الجيشين السوري والتركي: "هذا ببساطة غير مقبول، وبالطبع لن نسمح به". ووصف لافرنتييف، في تصريحات للصحافيين، على هامش زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الرسميّة إلى أبو ظبي، الهجوم التركي بأنّه "غير مقبول".

سألت مسؤولين نافذين في إقليم كردستان عن مستقبل الإدارة الذاتيّة الكرديّة في ظلّ تلك التعقيدات الحاصلة جرّاء الإحتلال التركي للأراضي السوريّة، فقال لي أحد أبرز مستشاري رئاسة الإقليم: "الأولويّة بحسب تصريح الرئيس مسعود البارزاني، هي لوقف القتال وإنقاذ أكراد سوريا من المصير المجهول الذي ينتظرهم". وكان الرئيس مسعود بارزاني قد وجّه يوم السبت الفائت رسالة إلى الرأي العام في كردستان على خلفيّة الهجوم التركي على المناطق الكرديّة في الشمال السوري، قال فيها: "بذلنا الكثير من الجهود في المدّة السابقة لإبعاد الشعب الكردي في سوريا عن الحرب وزعزعة الاستقرار، وألّا يتعرّض إلى المآسي والكوارث، ولكن للأسف تعرّضت المناطق الكرديّة في شمال سوريا في الأيّام الماضية إلى القصف ما جعلها في وضع خطر". وأشار إلى أن "استمرار الحرب وذلك الوضع الخطر يُمثلان تهديداً جدّياً على حياة الناس ويستهدفان أمن واستقرار المنطقة بأسرها". وأضاف بارزاني: "أرى من الضروري أن أعلن للشعب الصامد في كردستان والجهات كافة أنّه مهما كانت الأسباب المؤدية إلى اندلاع تلك الحرب، وإن كان هناك طرف مقصّر أو مساهم في وجود هذا الوضع الخطر، فإنّ هذا الوقت ليس وقتاً للمزايدات والتعبير عن العواطف"، مؤكّداً أنّه "يتعيّن على الجميع الاسراع ببذل قصارى الجهود لإنهاء تلك الحرب، وأن لا يدفع الأبرياء ضريبة ذلك الوضع الخطر وأن نمنع التغيير الديموغرافي في تلك المنطقة". ووفق معلومات خاصة، طلبت أوساط قياديّة في إقليم كردستان من المجلس الوطني الكردي السوري، المنضوي تحت الإئتلاف والمنسجم مع السياسات التركيّة، عدم إبداء أيّ ملاحظات سلبيّة حول ما يحصل في سوريا، حتّى يُتاح لذلك المجلس لاحقاً لعب دور ما من خلال وجوده في صفوف المعارضة السوريّة، ولجنة الدستور السوري.

وحول مصير الإدارة الذاتيّة الكرديّة، قال لي مسؤول حزبي بارز في كردستان العراق: "عنوان المرحلة لا صداقة دائمة ولا عداوة دائمة، فعلى مدى أربع سنوات قاتل الأكراد بشراسة تنظيم "داعش" بدعم من الأميركيين، لكنّهم اليوم وبعد انهيار "الخلافة الإسلاميّة" وقرار واشنطن سحب قوّاتها من مناطقهم، يخشون على مصير إدارتهم الذاتيّة بعدما عملوا لسنوات على ارسائها". وتُفيد المعلومات بأنّ قرار الإنسحاب الأميركي من تلك المناطق أعطى الضوء الأخضر لتركيا لدخول المناطق الكرديّة، وبحسب مصادر خاصة من أوساط "قسد"، فقد قام الجيش الأميركي بتفجير الأنفاق التي تمّ تجهيزها لقتال الجيش التركي في حال قرّر التقدّم إلى المناطق الكرديّة، وهناك معلومات عن تسريب خريطة إنتشار القوى الكرديّة إلى الجيش التركي، ما أعطى فعاليّة للضربات الأولى، إلّا أن ما لم يكن في الحسبان هو إرادة القتال لدى المقاتلين الأكراد، الذين صمدوا أمام شراسة الهجوم التركي للوصول الى هدفين، الأوّل: تسليم المنطقة للجيش السوري بإشراف روسي، وهو أخف الضررين، وتجربتنا في العراق بالتفاوض مع الرئيس العراقي صدام حسين ماثلة أمام العيون، حين نطلب من أكراد سوريا التفاوض مع نظام الرئيس الأسد. الهدف الثاني، وهو التوصّل إلى ترتيبات داخليّة وتفاهمات تتعلّق بالمقاتلين الأكراد، والمنشقين عن الجيش السوري للوصول إلى تسويات تشبه تلك التي حصلت في المناطق السوريّة الأخرى، وكنتيجة لتلك التفاهمات، سيكون تشكيل "فيلق كردي" داخل الجيش السوري، بالتنسيق مع روسيا، التي ستحرص على عدم حصول تصفيات وإعتقالات في المناطق الكرديّة، إذ إنّها ستكون الضامن للتطبيع بين النظام والأكراد.

سألت قيادي كردي إن كان هناك من حلّ خاص بالأكراد في سوريا، فأجابني: "لن يكون هناك في سوريا حلّ خاص للأكراد، فالظروف الموضوعيّة لا تسمح بذلك، ونحن لم ننسَ بعد كيف تعامل العالم مع الإستفتاء في كردستان العراق، حيث تمّ شنّ حرب إلغاء على الأكراد العراقيين وتمّ إسقاطهم في كركوك، وكان مصير أربيل نفسها مهدّداص لولا شجاعة الرئيس البارزاني وحكمته. حلّ وضع أكراد سوريا سيكون من ضمن الحلّ العام لسوريا، وقد تكون العناوين العامة لتلك الحلول، السماح ببعض الحقوق الثقافيّة، منها إستخدام اللغة الكرديّة".


MISS 3